السؤال في البحرين وعدد من دول الخليج بعد تصنيف أميركا لجماعة “سرايا المختار” جماعة إرهابية، ليس كيف تم ذلك، وإنما لماذا تأخر الإجراء كل هذا الوقت، بعد أن أعلنت الجماعة عن خطابها وتبنت عدداً من العمليات التي لا تحتمل التأويل منذ حين؟
يعود ذلك في تقدير الباحثين والمهتمين بقضايا العنف في المنطقة، إلى الخلط في دوائر القرار الغربية بين المعارضين السياسيين، وجماعة العنف والإرهاب في المنطقة، خصوصاً بعد موجة ما عرف بالربيع العربي منذ العام 2011، وهو المشهد الذي كان تنظيم “سرايا المختار” إحدى إفرازاته.
لماذا الآن؟
لكن تحرُك الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب ضد الإرهاب الشيعي بجدية، عندما استهدف رأسه الأكبر قاسم سليماني مطلع هذا العام، قلب المعادلة القديمة التي أسسها سلفه باراك أوباما الذي اقتصر ضغطه على التطرف السني، من دون أن يلتفت كثيراً إلى الشق الآخر من التهديد المدعوم من إيران، لا سيما في البحرين التي كان الحراك فيها يرفع لافتات الإصلاح والتغيير، قبل أن يتطور إلى مواجهة عسكرية ومحاولة قلب نظام الحكم، وفق الرواية التي ساندها مجلس التعاون الخليجي، ودفعت قوات درع الجزيرة إلى تحريك قواتها للحيلولة دون ذلك، وسط تنديد إيراني وغضب أميركي، إذ ذكرت إيميلات هيلاري كلنتون أنه حمل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل آنذاك إلى قطع مكالمتها.
في السياق، يأتي تصنيف جماعة “سرايا المختار” جماعة إرهابية من جانب واشنطن، قبل نحو شهر من رحيل ترمب، الذي فاجأ بخطوته من قال الكاتب البحريني سعيد الحمد إنهم “يلعقون جراحهم” بعد انتخاب جو بايدن، ويُمنون أنفسهم بازدهار سوقهم أيام أوباما.
ضربة استباقية لجماعات “اللؤلؤة”
وأضاف، “فلول دوارات العار أو “الربيعيون” ينتظرون “معجزة” اليقظة مطعمة بتنظيرات منظريهم لعزاء النفس من جانب، وقد ضاقت بها السُبل لإقناع الآخرين بأن هناك “معجزة”، فلا تفقدوا الأمل ولا يتسرب اليأس إلى نفوسكم بعد كل هذه الخيبات والهزائم”.
ويشير الحمد بذلك إلى رمز المظاهرات في الجزيرة الصغيرة، وملتقى الاحتجاجات وهو “دوار اللؤلؤة” الذي أطلق عليه وصف “دوار العار” في مقالة نشرها أخيراً في “الأيام” البحرينية، اعتبر فيها أن مراهنات بعض المعارضين ذهبت بعيداً، “فتوهّم وعوداً ودعوات لحوار وما شابه ذلك، معلقاً آمالاً لا يمكن تعليقها هكذا بلا معطيات وحيثيات وبلا مقدمات، وهي في الواقع خيالات المأزومين والمهزومين، ومشكلتهم أنهم يتظاهرون عكس ذلك، فيما تغريداتهم وكلامهم يفضحهم. الهرب من أزماتهم الذاتية عبر مركبة بايدن التي لم تتحرك باتجاههم، ولم تذكرهم والربط البليد بين ظروف مختلفة في عهد أوباما وظروف معاكسة لها في عهد بايدن، الذي لم يبدأ بعد ولم يتضح معلم من معالمه، هو غباء سياسي من ناحية وهو تحليل المهزومين والمتورطين مع أزمة صنعوها بأنفسهم ولا يعرفون الخروج منها”.
وخاطب أولئك بالقول، “إن أزماتكم المختنقة لن تحلوها بالرهان على الأجنبي، أخرجوا أنفسكم من عقدة “الخواجة” سياسياً والاعتماد على أسلوب تقديم الخدمات للسادة الأجانب مقابل تمكينكم من السلطة أو بجزء من السلطة، واعتبروا من دروس العراق وما جرى لشعبه وأرضه ووطنه”.
ثغرة في الصدقية
لكن مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن، ماثيو ليفين، أشار في العام 2014 إلى أن الأحداث في البحرين كانت محاطة بالتشكيك، وتعاني ما سماه “ثغرة في الصدقية”، ففي الوقت الذي يشعر المسؤولون الأميركيون بمخاوفهم الخاصة من دعم طهران للأعمال الإرهابية في البحرين، “فإن المنامة تعاني مشكلة في الصدقية نظراً إلى الاستجابة القاسية التي جابهت بها الاحتجاجات السلمية على مدى السنوات الثلاث الماضية، الأمر الذي يجعل من الصعب للغاية تقويم مدى ضلوع طهران في دعم العنف بصورة نشطة”.
لكن ما إن انتهى عهد أوباما الذي يُتهم بتوفير الغطاء للنشاط الإيراني في المنطقة حتى غدت الصورة واضحة، وإن بقيت جيوب في الخارج تقول الداخلية البحرينية لـ “اندبندنت عربية”، إنها “لا تزال تحاول تشويه السكينة في البلاد، وتضغط على مسؤولين غربيين عند زيارتهم المملكة، ويحاولون الربط بين ذلك وبين مشاريعهم التخريبية”.
لكن نتائج تضييق الخناق الأميركي على حلفاء واشنطن في المملكة الخليجية آتى أكله، إذ جعل الأمن البحريني يشدد قبضته على التمرد بوتيرة أسرع، أدت إلى تراجع مستويات الجريمة في البلاد.
مخاوف موجة إرهاب ثانية
ويشير الكاتب في أخبار الخليج البحرينية إبراهيم عبد المنعم، إلى أن “تراجع الجريمة بنسبة 25 في المئة مؤشر إيجابي جيد لمصلحة المجتمع البحريني، ويمكن إرجاع هذه النسبة من تراجع الجريمة إلى عوامل عدة، أهمها يقظة رجال الأمن ومنتسبي وزارة الداخلية لردع الجرائم الجنائية والمدنية قبل حدوثها. أما السبب الثاني فيمكن إرجاعه إلى تخلص مملكة البحرين من الجماعات المتطرفة والإرهابية، وتطبيق القانون بحزم ضد مرتكبي هذه الجرائم التي وصلت ذروتها العام 2011 في مؤامرة محاولة قلب نظام الحكم الدستوري”.
لكنه على الرغم من ذلك تساءل بحذر عما إذا كانت مملكة البحرين تحصنت من الإرهاب حقاً، أم أن هناك موجة ثانية من مؤامرة “أوباما – خامنئي”، قادمة من جديد في قميص مختلف؟
وأضاف، “هل نسمح لكل من عبثوا بأمن واستقرار البحرين في عام 2011 أن يعودوا من جديد إلى المسرح السياسي؟ ونعود من جديد لنخوض في دوامة العنف والتخريب والإرهاب وقتل رجال الشرطة وترويع المواطنين في بيوتهم وقراهم ومدنهم، وتهريب الأسلحة والمتفجرات من إيران والعراق ولبنان إلى البحرين”؟
وكانت الولايات المتحدة صنّفت أمس الثلاثاء جماعة “سرايا المختار” ومقرها البحرين منظمة إرهابية، متهمة إياها بتلقي دعم من إيران والتآمر لشن هجمات على عسكريين أميركيين في البحرين.
وتأتي هذه الخطوة وسط سلسلة من العقوبات أعلنتها واشنطن مع قرب مغادرة الرئيس دونالد ترمب للبيت الأبيض. وصنفت الولايات المتحدة “سرايا المختار”، وهي جماعة هامشية سرية، “منظمة إرهابية عالمية”. ومعظم أعضاء الجماعة إما في السجن أو في إيران.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنه جرى تصنيف الجماعة إرهابية “لأنها تمثل تهديداً كبيراً بارتكاب أعمال إرهابية تهدد الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة”.
مكافآت لاغتيال مسؤولين
وأضاف في بيان، “الجماعة تآمرت لشن هجمات على عسكريين أميركيين في البحرين، وعرضت مكافآت مالية لاغتيال مسؤولين بحرينيين”.
ويجمد إجراء البيت الأبيض أية أصول لهذه الجماعة في الولايات المتحدة، كما يمنع الأميركيين عموماً من التعامل معها.
كما اتهم بومبيو جماعة سرايا المختار بتلقي دعم مالي ولوجيستي من الحرس الثوري الإيراني، المدرج على قائمة واشنطن السوداء، في حين أن البحرين تستضيف الأسطول الأميركي الخامس.
وأصدرت وزارة الخارجية البحرينية بياناً رحبت فيه بهذا الإجراء، معتبرة إياه “خطوة إيجابية مهمة لمواجهة الأعمال والنيات الخبيثة لهذا التنظيم الإرهابي”.
وفي العام 2011، نظّم مواطنون من الأغلبية الشيعية في البحرين احتجاجات كبيرة ضد العائلة المالكة السنيّة، مستوحاة مما عُرف باسم “الربيع العربي”، وتم سحق الاضطرابات بمساعدة السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ومنذ ذلك الحين، ووفقاً لـ “رويترز”، نفذ متشددون هجمات متفرقة بالقنابل والأسلحة النارية على قوات الأمن. وتتهم البحرين إيران بالمسؤولية عن ذلك، في حين تنفي طهران أي ضلوع لها في اضطرابات البحرين.
وشمل تقرير صدر في سبتمبر (أيلول) عن مركز أبحاث تابع للكونغرس جماعة “سرايا المختار” ضمن جماعات شيعية بحرينية صغيرة وسريّة، تقول الحكومة التي يهيمن عليها السُنة إنها تحصل على السلاح والمشورة من الحرس الثوري الإيراني، ضمن جهوده لزعزعة استقرار البلاد.
لكن التقرير أشار إلى أن الهجمات التي شنتها هذه الجماعات، والتي كانت تستهدف بشكل أساسي قوات الأمن، “متقطعة وانحسرت فيما يبدو منذ عام 2018”.
وأضاف أن تقرير الإرهاب الدولي الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية لعام 2019، وهو أحدث تقرير متاح، ذكر أنه لم تقع هجمات للمتشددين في البحرين في ذلك العام، وذلك بفضل استعادة السلطات زمام المبادرة من المتهمين بالإرهاب والمتعاطفين المحليين، لكن التحدي في تقدير الجهات الأمنية البحرينية لا يزال قائماً، خصوصاً بعد النشوة التي أبدتها العناصر الخارجية من المجموعات بوصول بايدن إلى البيت الأبيض، نظير التعلق بسياسات شريكه السابق في الحكم والآن في الحزب، باراك أوباما.
“داعش” بخطاب شيعي
وعودة إلى الخط الأيديولوجي للجماعة، فإنها أشبه بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولكن بنسخة شيعية، تتخذ من أدبيات المذهب شعاراً يستنهض عزائم عناصرها، ويحشد الأنصار.
ومن بين آخر بياناتها المتوفرة، خطاب نشرته على “تيليغرام”، 2018 في مناسبة “عاشوراء”، استهلته بآية قرآنية تقول، “وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون”، قبل أن ينتقل البيان إلى “صاحب العصر والزمان، أرواحنا لمقدمه الفداء، وإلى مراجعنا الفقهاء القادة وإلى المقاومين الحسينيين في سوح الجهاد وإلى الأمة المهدوية المؤمنة وإلى شعبنا البحراني المظلوم، ولكل الأحرار في العالم بأحر التعازي المجللة بالأحزان التي تستمطر الدموع، مفعمة بالتحدي لكل الأصنام الأموية التاريخية لمواجهة طواغيت زماننا وفراعنة عصرنا من الصهاينة والوهابية والممالك السفيانية وأمراء الخيانة”.
وعلى هذا النفس الطائفي الموغل في التاريخية، تمضي الجماعة التي صنفتها البحرين والسعودية والإمارات منذ العام 2014 جماعة إرهابية، قبل واشنطن التي جاءت متأخرة. ووجهت نداءها لمن وصفتهم بـ “الشعب البحراني الثائر”، الذي يتعرض لـ “المؤامرات المتوالية منذ انبلاج ثورتكم المباركة في 14 فبراير من الداخل والخارج لإيقاف زحف الشباب الحسيني وإطفاء شعلة الزينبيات”، إلى آخر ما جاء في الخطاب الذي لم يتعهد بإعلان الحرب على حكام البحرين وحسب، ولكن جميع حلفائهم في المنطقة والعالم، بأسمائهم المعتادة “الأمويين والوهابيين والصهاينة والأميركيين والإنجليز”.
ليست الجماعة الوحيدة
سوى “سرايا المختار”، هناك عدد من التشكيلات المتطرفة المرتبطة بإيران وتستهدف البحرين، فبعد أن بدأت المنامة فرض سيطرتها الأمنية على احتجاجات العام 2011، نظمّت جماعات شيعية مقاتلة نفسها لمجابهة حكومة البحرين. وإلى جانب تنظيم “حزب الله البحريني” المعروف، يرى معهد واشنطن أن ثلاثاً من هذه الجماعات مثيرة للقلق، وهي “سرايا الأشتر وسرايا المقاومة الشعبية وسرايا المختار”.
وكانت جميعها تتبنى العنف تحت ذرائع مختلفة، وتلتقي عند محاولة الانقلاب على الحكم في الدولة الخليجية، بدعم من إيران وحلفاءها في العراق ولبنان، الذين لا يخفون مناصرة وتأييد ما يسمونه “ثورة البحرين”.
وظهرت “المختار” في سبتمبر (أيلول) 2013، وتبنت عدداً من الهجمات ضد قوات الأمن البحرينية، بما في ذلك الهجمات بالعبوات الناسفة الخام، على الرغم من أن المنامة لم تدرجها بعد كمنظمة إرهابية حينها.
وينقل المعهد الأميركي عن المحلل فيليب سميث، تأكيده أن الجماعة حافظت بداية الأمر على حضور قوي على شبكة الإنترنت، وهي الفصيل الشيعي الوحيد في البحرين الذي يتبنى علناً أهدافاً إقليمية، وحاولت التنسيق بشكل أكبر مع نظرائها من المخربين في القطيف السعودية، إذ تعتبر “سرايا المختار” النزاع القائم في البحرين جزءاً من صراع أكبر مع النظام في السعودية وحلفائه الدوليين، نظير دعم الرياض القوي للمنامة أمام ما وصف بـ “الاحتلال الإيراني”، ذلك الحين.
مصطفى الانصاري
اندبندت عربي