يعتقد بعض المراقبين أن تعيين أنتوني بلينكن وجون كيري ضمن فريق إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن قد يكون أثار شعور البهجة والارتياح لدى النظام الحاكم في طهران.
وكان بلينكن المسؤول الثاني في وزارة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، عندما شغل بايدن في ذلك الوقت منصب نائب الرئيس، وكيري منصب وزير الخارجية. ولعب دوراً محورياً في رسم معالم السياسة الخارجية للإدارة السابقة.
وكان رئيس الفريق السري الأول الذي أوفدته إدارة أوباما إلى العاصمة العُمانية مسقط للتفاوض مع الإيرانيين، حيث لعب في النهاية دوراً في إبرام الاتفاق النووي الذي شارك كيري فيما بعد في المفاوضات حول تنفيذه.
مجموعات الضغط الإيرانية
وفي الواقع نتيجة الانتخابات كانت تتوقعها طهران، خصوصاً أنها أنفقت كثيراً من الأموال من خلال مجموعات الضغط الإيرانية في الولايات المتحدة للترويج لبايدن وكامالا هاريس.
إضافة إلى تلك مجموعات الأساسية مثل المجلس الوطني الإيراني الأميركي (ناياك NIAC)، ظهرت مجموعات أخرى جديدة هذا العام في واشنطن تحظى بدعم شخصيات مثل أوباما ومستشاره السابق بين رودس وأميركيين من أصول إيرانية مثل تريتا بارسي وجيسون رضائيان، وشخصيات يسارية مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وارين وغيرهم.
كما أنه لا يُعرف إلى أي مدى أثر اللوبي الإيراني في تعيين خمس شخصيات إيرانية- أميركية في فريق بايدن الانتقالي على مستوى موظفين كبار في الوزارات المختلفة.
وتظهر نتائج ما بعد الانتخابات أن جهود مجموعات الضغط الإيرانية تركزت على دعم الحزب الديمقراطي وكذلك التناغم مع أصوات متنوعة من مؤسسات يسار الوسط في الغالب، وحركات مثل “حياة السود مهمة”، وجماعات مهتمة بالحقوق المدنية الإسلامية خصوصاً تلك التي عكفت خلال السنوات الماضية على الوقف أمام ما تسميه حرب الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد إيران. إضافة إلى مجموعات نادت بالعودة للاتفاق النووي، أو خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPA) وعودة العلاقات التجارية مع طهران ورفع العقوبات المفروضة عليها.
العقوبات نهج مستمر
لكن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والمبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران إليوت أبرامز، أكدا في عدة مناسبات، أنه بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، فإن سياسة الضغط ضد طهران ستستمر وستظل العقوبات الأميركية على إيران نهجاً أساسياً في السياسة الخارجية.
أعتقد أن تأكيدات السيد أبرامز صحيحة، وهو سياسي متمرس، ووجدته الأكثر معرفة بإيران، ولديه عدة أفكار للتعامل مع قضايا النظام الإيراني الذي يعيش صراعاً مع الولايات المتحدة منذ بدايات التأسيس.
لقد التقيت السيد أبرامز في البيت الأبيض خلال الولاية الثانية لجورج دبليو بوش عندما كان مسؤولاً عن سياسة منطقة الخليج في مجلس الأمن القومي.
وفي الواقع، ما صرح به أبرامز هو ما أشار إليه بايدن في مقال رأي نشره في 13 سبتمبر (أيلول) الماضي عبر شبكة “سي أن أن” حيث قال، إن “هناك طريقة أكثر ذكاءً لتكون صارماً مع إيران”.
ويبدو أن هناك نوعاً من الاتفاق غير الحزبي على أن يعود بايدن إلى الاتفاق النووي مقابل عدة مطالب منها إطلاق سراح جميع السجناء الإيرانيين- الأميركيين في طهران، إلى جانب تجميد برنامج تطوير الصواريخ الإيرانية، إضافة إلى سحب القوات والمستشارين والميليشيات الإيرانية من العراق وسوريا واليمن.
ومن المرجح أيضاً أن تُجبر إيران على تحمل مسؤولية مقتل أميركيين اثنين في هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية في التاجي بالعراق في مارس (آذار) من هذا العام، حيث قال مسؤولون عسكريون أميركيون لـ”سي أن أن” إنه “استناداً إلى الأسلحة والتكتيكات المستخدمة، فإن العملية تحمل بصمات الحرس الثوري الإيراني”.
وأخيراً تشير التحليلات إلى أنه ستُجبر إيران على الاعتراف بالهجوم الصاروخي بالطائرات المسيرة على منشآت النفط السعودية في سبتمبر (أيلول) 2019.
نسخة مكثفة من برنامج بومبيو
كل هذه النقاط قد وردت في مقال بايدن، ويمكن القول، إن هذه الإستراتيجية في الواقع ليست سوى نسخة مكثفة من برنامج بومبيو المكون من 12 نقطة للتفاوض مع إيران.
وعلى عكس أوباما، لا يمكن لبايدن أن يكون شديد التساهل مع إيران، حيث إن السياسة المعادية لها باتت منتشرة في كل مكان بين الأميركيين. ويشير أحدث استطلاع للرأي من قبل مؤسسة “غالوب” إلى أن 88 في المئة من الأميركيين لديهم وجهة نظر سلبية تجاه إيران.
علاوة على ذلك، أظهر استطلاع عام 2019 أيضاً أن 93 في المئة من الأميركيين يعتبرون تطوير النظام الإيراني للأسلحة النووية تهديداً خطيراً، ويعتبرون أن إيران تعد الراعي الرئيس للإرهاب.
وخلال الفترة القليلة الماضية، أدانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأميركية، إيران بسبب قمع احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي منها ارتكاب “مذبحة” في مدينة معشور العربية في الأهواز، حيث قُتل العشرات رمياً بالرصاص، وهو يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.
انهيار الاقتصاد
لكن يبدو أن الشعور بالرضى بين الإيرانيين جراء فوز بايدن لم يدم طويلاً حيث إن الأوضاع الملتهبة في الداخل لا تخدم دعاية اللوبي الإيراني، فهناك الوضع الاقتصادي المزري، والتقلبات السريعة في أسعار العملات وانهيار الريال والعجز الحاد في الميزانية والصراعات الداخلية المتزايدة، فضلاً عن مسلسل النهب وسرقة مليارات الدولارات من قبل النخب الدينية وغير الدينية الحاكمة، ناهيك عن عجز النظام التام عن وضع خطة للسيطرة على تفشي وباء كورونا، مما أدى إلى تضاعف عدد الضحايا.
ويرى كثير من المحللين السياسيين أن فوز بايدن سيكون لصالح حراك المعارضة والشعوب الإيرانية للاعتماد على نفسها لقيادة عملية التغيير الديمقراطي السلمي وإسقاط نظام ولاية الفقيه.
كما أن اغتيال مسؤول مشروع البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زادة، في العاصمة طهران، وفي وضح النهار من خلال عملية معقدة، دليل آخر على أن النظام لا يملك السيطرة الكاملة على البلاد كما يدعي.
“بلقنة” إيران
ويجمع المحللون الإيرانيون، على أن التغيير في البلاد لن يكون ممكناً إلا بوجود خارطة طريق لعملية تغيير وانتقال منظم وسلس إلى نظام حكم علماني تعددي وفيدرالي تنتقل بموجبه السلطة من النخبة الشيعية الفارسية الأرستقراطية إلى كافة مكونات المجتمع الإيراني من شعوب وقوميات وأقليات، لتجنب حدوث فوضى مثل تلك التي شهدتها البلقان.
وفي الواقع يعد سيناريو بلقنة إيران، أسوأ كابوس للمنطقة والعالم، حيث من المتوقع أن يفر خمسة ملايين لاجئ على الأقل من البلاد في المرحلة الأولى.
ومثل معظم دول المنطقة، تعد إيران دولة متعددة الأعراق والطوائف والثقافات، بل في الواقع هي الدولة الأكثر تنوعاً في المنطقة. وبعد سقوط سلالة القاجاريين في العشرينيات من القرن الماضي، أسست بريطانيا لهيمنة الأرستقراطية الشيعية الفارسية في محاولة بناء “الدولة- الأمة” الإيرانية “المتجانسة” من خلال قمع التنوع العرقي وفرض هوية عرقية فارسية على القوميات غير الفارسية مثل “عرب الأهواز، والأكراد، والأتراك الآذريين، والبلوش، والتركمان، واللور”، وغيرهم.
يبدو أن هذه الشعوب المهمشة قد استيقظت اليوم وستشكل التحدي الأكبر للنظام السياسي المستقبلي في البلاد على الرغم من أن المجتمع الدولي واللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط حتى الآن يتخلون عن المعارضة الإيرانية وتقديم الدعم المادي واللوجستي لها للمساعدة في التغيير بشكل سلمي، مع هذا تسعى القوميات غير الفارسية من أجل الحصول على حقوق مواطنة متساوية منذ قرن، وفق حق تقرير المصير داخل حدود إيران، والسماح بتقاسم السلطة بين الحكومة المركزية (الفيدرالية) والأقاليم، دون تفتيت الدولة.
وفي هذا السياق، تم بالفعل صياغة خارطة طريق اتفق عليها أكثر من 20 حزباً ومنظمة سياسية حول برنامج تغيير سلمي شامل لإحلال نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي يؤمن حقوق جميع مكونات المجتمع بكل شعوبه وقومياته وطوائفه ويكون مسالماً ومتفاعلاً مع جيرانه والعالم.
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من دعم بعض الأوساط الأميركية والإسرائيلية لاقتراح القوميين الفرس باستعادة النظام الملكي، لا يلقى هذا المشروع صدى لدى الشرائح الشعبية، لا سيما لدى القوميات التي تشكل نحو ثلثي الإيرانيين على الأقل.
ومن الواضح أن حفظ الأمن والاستقرار لا يمكن أن تقوم به جهة سياسية أو قومية واحدة بل يحتاج الأمر إلى ائتلاف يقدم ضمانات بذلك من خلال وحدة تياراته وأحزابه.
وبهذا المشروع يمكن تطبيق التعددية والفيدرالية متعددة الأعراق والقوميات في إيران، من قبل الأمم المتحدة، لكن هذا المشروع يحتاج إلى دعم المجتمع الدولي للحيلولة دون وقوع سيناريوهات معروفة النتائج.
كريم عبديان
اندبندت عربي