العراق.. دولة الميليشيات

العراق.. دولة الميليشيات

iraq-melshiat

تعرض 18 عاملاً بشركة تركية في منطقة الحبيبية شرقي العاصمة العراقية بغداد، في 2أيلول/سبتمبر الجاري، إلى عملية اختطاف، من قبل عناصر تابعة لإحدى الميلشيات العراقية، وتشير بعض المصادر الإخبارية إن عملية الاختطاف قد تمت من قبل  كتائب حزب الله العراقي. إذ سبب هذا الاختطاف إحراجاً كبيراً لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي توعد “عصابات الخطف والجريمة المنظمة في بغداد، مؤكداً أنّه أصدر أوامر بالتعامل معها، كما يتم التعامل مع الإرهابيين”. ويمكن القول أن هذا الاختطاف جاء في سياق مواقف الحكومة التركية بما يجري داخل العراق وسوريا، فالبنسبة للأولى، كانت –ولاتزال- الحكومة التركية تعارض السياسات الطائفية والإقصائية والتهميشية التي تمارسها الحكومات العراقية حيال سُنة العراق منذ احتلاله وحتى يومنا هذا، أما بالنسبة للثانية وهي سوريا أتى الاختطاف على خلفية موقفها الواضح والثابت والداعم للإنتفاضة السورية والمُصرة على رحيل بشار الأسد عن حكم الدولة السورية. وعليه ستتناول هذه الورقة خارطة أبرز الميليشيات الشيعية في العراق كونها إحدى إشكاليات الجدل في المشهد السياسي الداخلي العراقي وستتطرق أيضاً إلى دورها الاسترايجي في السياسة الإيرانية تجاه العراق.

يعود تاريخ نشأة بعض الميليشيات إلى ما قبل الإحتلال الأمريكي للعراق في 2003 بينما ساهمت الأوضاع المضطربة والتعقيدات التي رافقت إسقاط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين في نشأة بعضها الآخر. وجميعها تتمتع بقدرات مالية وبشرية كبيرة، ومعظمها تتلقى الدعم من إيران. وقد سطع نجم تلك الميليشيات، التي تنشط إجمالا في مناطق الكثافة السكانية الشيعية في بغداد والمحافظات الجنوبية، بعد العام2006م مع اندلاع الحرب الطائفية وتورط بعضها في أعمال القتل على الهوية الطائفية.

وفي العراق اليوم أكثر من 50 من الميليشيات الشيعية التي تقوم بالتجنيد والقتال في العراق الآن. وهذه الجماعات تقوم بعمليات التجنيد بنشاط، حيث تأخذ الرجال بعيدًا عن الجيش والشرطة العراقية، وتوظفهم كمقاتلين في منظمات طائفية للغاية أيديولوجيًا، ومعظم هؤلاء المجندين لا يتم استخدامهم لمواجهة تنظيم الدولة، وإنما، وفي كثير من الحالات، في تشكيل الحرس الخلفي المستخدم للسيطرة على المناطق التي من المفترض أن تكون تحت سيطرة بغداد.

وللوقوف إلى جانب حليفها بشار الأسد قامت إيران في تطوير الميليشيات الشيعية في العراق. من خلال تعزيز  شبكتها من الجماعات الجديدة والقديمة الموالية لها في العراق لتوفير التدفق المستمر من المقاتلين إلى سوريا، ونظراً للتحول الأمني المفاجىء في المشهد العراقي والذي ظهر في حزيران/يونيو من العام الماضي والمتمثل بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام”داعش”، على المدينة الموصل، أدراك الإيرانيون خطورة هذا التحول الذي كان من شانه أن يهدد هيمنتها على العراق، لذا أوعزت إلى الميليشيات العراقية في سوريا، بالعودة إلى العراق والمشاركة مع القوات الحكومية في مقاتلة تنظيم”داعش”، وتوحيد صفوفها تحت مسمى الحشد الشعبي بقيادة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الأمر الذي زاد من حدة التوتر الطائفي.

إذ تستهدف هذه  الميليشيات سُنة العراق  بلا رحمة على أساس طائفي تحت ستار محاربة الإرهاب. في محاولة واضحة لمعاقبتهم لظهور “داعش”، فبحسب التقارير للمنظمات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان كمنظمة العفو الدولية ومنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان، أكدتا أن على الارتكاب الميليشيات جرائم ضد سنة العراق كالاعدام الجماعي وحرق العديد من مساجدهم. وإزاء هذه الممارسات فإن الكثير من العراقيين السُنة يعتبرون أن تواطؤ الميليشيات الشيعية مع الحكومة يعزز إحساسهم بالتهميش.

وبذلك أصبحت الميليشيات الشيعية جزءًا لا يتجزّأ من هياكل الحكومة العراقية، وبالتالي أصبحت هذه الحكومة تعتمد عليها إلى الدرجة التي لا تستطيع معها حتى التفكير في تضييق الخناق عليها. وفي ضوء التطورات الميدانية إذ يرابط تنظيم”داعش” على بعد 28كيلو متر، شهدت بغداد في الأيام القليلة الماضية تحركات عسكرية حكومية واسعة على طول حدودها الغربية والجنوبية والشمالية، ضمن قرار يقضي بإعادة النظر في خطط تأمين العاصمة من خطر اجتياح تنظيم”داعش” لها. كما شهدت بغداد أيضاً اجتماعاً موسعاً لقيادة مليشيات الحشد الشعبي للتشاور في موضوع السيطرة على بغداد واتفق المجتمعون على تقسيمها إلى 10 مناطق وتوزيعها على 10 فصائل من الحشد الشعبي بغية إحكام السيطرة إيران عليها، ويمكن إجمال هذا التوزريع على النحو الآتي:

1-حركة النجباء: أسسها أكرم الكعبي عقب انشقاقه عن ميليشيا عصائب أهل الحق، وتدين هذه الحركة بالطاعة والولاء التام للمرشد الأعلى في إيران علي خامئني، وهي بالتالي تؤمن بمبدأ ولاية الفقيه. ووفق الاجتماع المشار إليه آنفاً فإن هذه الحركة تسيطر في بغداد على شارع البتاوين، وشارع السعدون، وقصر الأبيض، وساحة الأندلس.

2-عصائب أهل الحق: تشكلت بشكل رسمي بعد انشقاق القيادي في التيار الصدري قيس الخزعلي، ولحق به آلاف المقاتلين في عام 2007، وتقول تقارير غربية إنها تعمل تحت رعاية قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني. وظهرت عصائب أهل الحق عام 2004، وتولى قيادة المجموعة منذ تأسيسها قيس الخزعلي، أحد المقربين من مقتدى الصدر، مع عبد الهادي الدراجي وأكرم الكعبي. ومع بداية 2006 كانت الحركة تعمل بشكل أكثر استقلالية عن بقية سرايا جيش المهدي في حين بدأت بالعمل بشكل مستقل تماماً بعد إعلان تجميد جيش المهدي، ويقدر البعض عدد أفرادها بثلاثة آلاف مقاتل عند الإعلان عن تأسيسها الرسمي في 2007. وتحولت العلاقة بين الصدر والخزعلي إلى ما يشبه العداء، واتهم الصدر العصائب عام 2007 بـ”ارتكاب جرائم طائفية”، وطالب “إيران بوقف التمويل عنها”.وكان الخزعلي اعتقل في مارس/آذار 2007 على خلفية اختطاف وقتل خمسة أميركيين بمدينة كربلاء(جنوب)، وأطلقت الحكومة العراقية سراحه عام 2010 في إطار صفقة مبادلة مع “العصائب” تمخضت عن الإفراج عن رهينة بريطاني.

ويُعرف عن مليشيا عصائب أهل الحق أنها من أشد الفصائل الشيعية تشددا، وكانت ضالعة بصورة واسعة في أعمال العنف الطائفي بين عامي 2006 و2007. وأعلنت العصائب مسؤوليتها عن ما يقارب ستة آلاف هجوم على القوات الأميركية وحلفائها والقوات العراقية، وذاع صيتها عندما اختطفت مهندسي نفط بريطانيين وجنديا أميركيا عامي 2008 و2009، وتمتاز بنوعية التسليح العالي والإمكانات المادية المتفوقة.وبعد رحيل القوات الأميركية أواخر 2011، أعلنت تخليها عن السلاح والانضمام للعملية السياسية، وبات الخزعلي مقربا من المالكي ويُقدر عدد أفرادها بنحو عشرة آلاف مقاتل، ويشارك الآلاف منهم في القتال إلى جانب قوات النظام السوري.

واعتمد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي على مقاتلي عصائب أهل الحق منذ مطلع العام الحالي بشكل سري عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على الفلوجة وبلدات أخرى في محافظة الأنبار غربي البلاد.وتحدثت تقارير عن قتالها إلى جانب قوات الأمن العراقية، كما اتهمها السكان السنة بارتكاب انتهاكات بحقهم في ديالى ومناطق حزام بغداد، وبإعدام العديد منهم دون محاكمة، وبمهاجمة دور عبادتهم.وينشطون حاليا في محافظة ديالى وفي مناطق حول سامراء بصلاح الدين وعلى المشارف الغربية والجنوبية لبغداد. ووجه البعض أصابع الاتهام إليها في إعدام مواطنين سنة مؤخرا في مدينة بعقوبة مركز ديالى، وتعليق جثثهم بأعمدة الكهرباء لترهيب الناس. وتسيطر هذه العصائب على مدينة الصدر ومنطقة الأعظمية والكسره ومنطقة الكم.

3- كتائب حزب الله: بدأ عمله منضويًا تحت كتائب “أبي الفضل العباس” وليس “لواء أبو الفضل العباس”، فالكتائب سبقت اللواء، وكانت تضم الكثير من فصائل المليشيات الحالية ولكن على شكل أفراد وقبل أن تتبلور الأشكال الحالية لها.

اتحدت عدد من المجاميع التي كانت منصهرة في كتائب أبي الفضل العباس “كتائب كربلاء، كتائب السجاد، وكتائب زيد بن علي” وشكلوا كتائب “حزب الله”.ولا توجد لها قيادة معروفة إلا أن لها هياكل تنظيمية ممثلة بالمجلس الشورى والمجلس السياسي كما لها  ارتباطات تحالفية خارجية مع مرشد الثورة الإيراني علي خامئني وقائد حزب الله اللبناني حسن نصر الله.

تتحدث كتائب “حزب الله” عن أن مقاتليها استخدموا جميع أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة في معاركهم مثل الهاون ذو العيار الثقيل، الصواريخ ، القنص ، القاذفات، وصواريخ “سترله” المضادة للطائرات، وأن كوادره الهندسية استحدثت سلاح “أشتر” الذي يمتلك قدرة تدميرية وإحراقية عاليتين.أدرجته الولايات المتحدة الأمريكية على قوائم الإرهاب عام 2009 م. ويسيطر حزب الله على شارع فلسطين ومنطقة حي أور ومنطقة الشعب والطالبية والقناة وشارع جامعة المستنصرية.

4- كتائب التيار الرسالي: أمينها العام عدنان الشحماني، وهو عضو مجلس نواب سابق، تؤمن كتائبه بمبدأ ولاية الفقيه، وتسيطر في بغداد على منطقة الشعلة والكاظمية.

5- حركة جند الإمام: يترأسها سامي البدري، وتسيطر على منطقة الكرادة داخل وخارج.

6-كتائب الامام علي: هي الجناح المسلح لحركة العراق الإسلامية، ظهرت على الساحة في نهاية حزيران/يونيو 2014م.

ويقودها شبل الزيدي. يرتدى أعضاؤها زي رسمياً ومدججين بالسلاح. نشر محاربون من الجماعة أشرطة فيديو تُظهر الرؤوس المقطوعة لأعدائها المذبوحين في محافظة صلاح الدين. وفي أواخر كانون الأول/ديسمبر 2014م، شرعت الجماعة في تدريب مسيحيين بهدف تشكيل جماعة فرعية تُدعى «كتائب روح الله عيسى ابن مريم». وتمتد سيطرتها من منطقة أبو غريب حتى منطقة الزيدان.

7- كتائب قمر بني هاشم: تأسست بعد سيطرة تنظيم داعش على الموصل، وترى في السيد كمال الحيدري قائدها الروحي، وتسيطر هذه الكتائب على منطقة التاجي ونواحيها.

8-سرايا العقيدة وعاشوراء: وتتبع هذه السرايا المجلس الأعلى التي يقودها عمار الحكيم وتسيطر على منطقة الجادرية والعرصات وجسر الطابقين.

9- كتائب سيد الشهداء: أمينها العام شخصية تدعى أبو آلاء، تؤمن هذه الكتائب بمبدأ ولاية الفقيه، وتنتشر في العامرية والغزالية وحي الجهاد واليرموك وحي الأطباء.

10-المجاميع الخاصة: تتبع أبو مهدي المهندس وتقوم بأعمال خاصة مثل مهاجمة”لبرتي” المعارضة الإيرانية المتواجدة على الأراضي العراقية، ولهذه المجاميع خلية اختطاف تؤتمر بأوامر أبو علاء الشويلي التي يطلق عليها “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”،إذ تستهدف عملياتها خطف المسؤولين في الدولة العراقية كاختطاف وكيل وزراة العدل عبدالكريم السعدي مع مرافقيه ومدير التحقيقات في حي البنوك في العاصمة العراقية بغداد. كما تستهدف أيضا مصالح الدول العربية والإقليمية والغربية الموجدودة في العراق. وتنتشر سرايا هذه المجاميع في مختلف أماكن بغداد.

مما تقدم يمكن القول، يساعد نمو الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على إظهار أهداف إيران في تحقيق هيمنة الشيعة على العراق، هذه المليشيات لا تستفيد فقط من رعاية إيران وقدراتها التنظيمية، بل إنها كلها تسير أيضًا وفقًا للخط الأيديولوجي لطهران، فهم موالون للمرشد الأعلى آية الله خامنئي، ولأيديولوجية إيران بولاية الفقيه المطلقة، والتي تمنح المرشد الأعلى السلطة السياسية والدينية في نهاية المطاف، كما إنهم يتبعون نموذج وكيل إيران اللبناني، حزب الله، وعازمون على تنفيذ إرادة إيران في المنطقة، وتعزيز مكتسبات الثورة الايراني. مما تقدم نتوصل أن هذه الميليشيات ليست مجرد إضافة إلى الدولة،  بل هي الدولة.

    وحدة الدراسات العراقية

  مركز الروابط للبحوث و الدراسات الاستراتيجية