ما الذي يعنيه هذا الاتفاق المبرم مع الاتحاد الأوروبي لاقتصاد المملكة المتحدة؟

ما الذي يعنيه هذا الاتفاق المبرم مع الاتحاد الأوروبي لاقتصاد المملكة المتحدة؟

لتقدير القيمة الاقتصادية لاتفاق التجارة الحرة هذا، المبرم في اللحظة الأخيرة بين الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي، علينا أن ننظر في ما كان سيحصل في غيابه.

إنسوا دعاية بوريس جونسون عن “الازدهار الكبير” بما “يشبه الاتفاق مع أستراليا”.

فبغض النظر عمّا يقوله رئيس الوزراء، ما كان للفشل في التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي أن يكون “أكثر من مُرْضٍ” للمؤسسات البريطانية.

وما كان لتكاليف “بريكست” من دون اتفاق في خضم الفوضى التي تسببت بها جائحة فيروس كورونا أن تكون “أقل مما كانت عليه يوماً”.

لا تخطئوا: إن لاتفاق مرافق لـ”بريكست” أهمية كبرى للاقتصاد البريطاني في الأجل المباشر.

فهو يعني أن مجموعة من القطاعات البريطانية – من المزارعين إلى صيادي الأسماك إلى مصنعي السيارات – لن تواجه رسوماً جمركية، كان من شأن بعضها أن يكون مرتفعاً في شكل جزائي، على صادراتها الكثيرة إلى الاتحاد الأوروبي بدءًا من نهاية الشهر.

نعم، سيحصل تعطل يوم 31 ديسمبر (كانون الأول)، على غرار ما تقوله شركات الشحن البري منذ أشهر، حين نغادر فعلياً الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة.

فمنذ تلك اللحظة، ستصبح المملكة المتحدة رسمياً “بلداً ثالثاً” في نظر الاتحاد الأوروبي – وهذا التصنيف سيأتي بضوابط ومعاملات إلى التجار عند الحدود، تماماً مثلما يأتي سانتا كلوز بهدايا حين ينطلق في مركبته ليلة عيد الميلاد.

لكن مع اتفاق للتجارة الحرة، من المرجح أكثر بكثير أن تتعاون السلطات في المملكة المتحدة وأوروبا في تسهيل هذه العراقيل الجديدة.

وهذا يعني تراجع احتمال حصول صفوف أطول حتى من الشاحنات في كنت، أثناء توجهها إلى نفق القناة الإنجليزية والعبارات، مقارنة بما رأيناه هذا الأسبوع بسبب الحظر الفرنسي على الشحنات البحرية المصحوبة بأشخاص. وهذا يعني إمكانية أقل لتجنّب شركات الشحن البري الأوروبية لبريطانيا، بالتالي لتعطل إمدادات الطعام والدواء إلى المملكة المتحدة.

وسيسهم الاتفاق في تجنّب ما كان يفترض كثر من المحللين في القلب للندن أنه سيكون يوماً شديد السواد للجنيه الإسترليني الذي توقع البعض أن يتعادل قيمة مع اليورو.

وكان لانهيار كهذا في سعر العملة أن يدفع أسعار الواردات البريطانية صعوداً، مثلما حصل حين تراجع الجنيه ليل الاستفتاء على “بريكست”.

وسيعفي الاتفاق المتسوقين البريطانيين أيضاً من قفزات كبيرة في أسعار بنود البقالة المستوردة من أوروبا، وهو أمر كان وارد الحصول لو أن المملكة المتحدة فرضت نظامها الجمركي الجديد على هذه البنود المستوردة من أوروبا والبالغة قيمتها عشرات مليارات الجنيهات.

ويعني الارتياح والنيّة الحسنة الناجمين عن اتفاق للتجارة الحرة أن تعاوناً حول مسائل خلافية ومهمة لجهة نقل البيانات والتنظيمات المالية – والأمران مهمان لشركاتنا العابرة للحدود – أصبح أكثر احتمالاً بكثير.

ما مقدار الضرر النقدي الذي كان من شأن “بريكست” من دون اتفاق أن يفاقمه؟

قدّر مكتب مسؤولية الموازنة أن غياباً لاتفاق كان كفيلاً بحسم اثنين في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني عام 2021، أو حوالى 40 مليار جنيه (54 مليار دولار تقريباً).

وهذا كان ليعمّق في شكل كبير الركود المحتمل حدوثه بسبب العودة إلى الإغلاق.

ووفق أفضل تقديرات مكتب مسؤولية الموازنة، كان من المتوقع أن يقفز معدل البطالة أكثر (بزيادة 300 ألف شخص) مقارنة بالترجيحات الحالية. وكان الاقتراض العام مرشحاً لزيادة تساوي 12 مليار جنيه إضافية.

فقد جرى تجنّب حصول ضرر دستوري. فاتفاق للتجارة الحرة يعني أن مستقبل المملكة المتحدة مضمون – فالنظر في ما كان من شأن “بريكست” من دون اتفاق أن يعنيه للاتحاد، وللموقع البعيد الأجل فيه لاسكتلندا وإيرلندا الشمالية كفيل بتوعيتنا إلى ذلك.

لكن من المهم أن نتذكر أن اتفاقاً للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي لا يعني تجنب التحديات الاقتصادية في الأجل البعيد.

فهذا بعيد جداً من الوضع الراهن. إن ما نحصل عليه هو ما كان ليُصنَّف قبل أربع سنوات بأنه “بريكست” شديد الصلابة – وهذا سيضر الاقتصاد البريطاني كثيراً في الأجلين المتوسط والبعيد.

فمغادرة السوق الموحدة والاتحاد الجمركي الأوروبيّين، وفق كل تحليل قابل للتصديق، تنشئ حواجز تجارية أعلى بكثير مع الاتحاد الأوروبي، وهو بكل بساطة شريكنا التجاري الأكبر، وستقلص التجارة أكثر بكثير مقارنة بخلاف ذلك.

فهذا الترتيب الجديد سيصعّب على شركاتنا الخدمية – التي تشكل جزءاً كبيراً ومتنامياً من صادراتنا – إجراء أعمال تجارية مع الاتحاد الأوروبي.

وتشير النمذجة إلى نمو أقل نتيجة لذلك، ويقترح متوسط الدراسات ضربة للناتج المحلي الإجمالي تساوي حوالى أربعة في المئة.

وباحتساب النسبة بقيمة النقود اليوم، تساوي الضربة لنشاطنا الاقتصادي 80 مليار جنيه، أو حوالى ألف و200 جنيه لكل شخص على قيد الحياة في المملكة المتحدة.

لذلك إذ تتنفس الأعمال والأسر البريطانية الصعداء مع تجنب كارثة اقتصادية كان سيأتي بها غياب الاتفاق، من المهم أيضاً الإشارة إلى كيف أن تعريف النجاح قُلِّص في شكل لا يرحم خلال السنتين الماضيتين.

فهذا الاتفاق – نكرر – أضعف اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي كان ليخطر في البال صباح اليوم التالي للاستفتاء على “بريكست” يوم 24 يونيو (حزيران) 2016.

وسيتسبب بضرر جدي بعيد الأجل للاقتصاد البريطاني، مقارنة بأشكال أخرى من “بريكست” كان يمكن اعتمادها.

وإذا بدا الأمر نصراً، فهو مؤشر إلى المدى الذي دفع به السياسيون من دون مسؤولية إلى حافة الهاوية الاقتصاد ومعايير عيشنا.

ين شو