توصلت لندن وبروكسل، الخميس، إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”، متوجا مفاوضات مضنية استمرت لعشرة أشهر، شابها تصاعد التوتر في الآونة الأخيرة.
ويسمح الاتفاق لبريطانيا بالخروج من الاتحاد نهائيا، وبأقل الخسائر في الجانبين، اعتبارا من منتصف ليل 31 ديسمبر/كانون الجاري، ليبدأ فصلا جديدا من العلاقة بينهما، بعد 46 عاما من عضوية بريطانيا في التكتل.
وينطبق على الاتفاق مبدأ (رابح-رابح) أو على الأقل (لا غالب ولا مغلوب)، حيث عالج الاتفاق جملة من القضايا، مال في كثير منها لموقف الاتحاد الأوروبي، وفي نفس الوقت راعى في بعضها رغبة بريطانيا في استرداد سيادتها على ترابها ومياهها” وفقا لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
ولم ينشر الاتفاق، لكن إطاره العام بات معروفا من خلال المناكفات التي شهدتها فترة المفاوضات، وكذلك من ردود فعل العديد من المسؤولين الأوروبيين بعد إعلان التوصل إليه.
فما هي أبرز القضايا التي عالجها الاتفاق، ومن شأنها تجنيب القارة فوضى في سلاسل التوريد عبر الحدود بين الجانبين، وكيف يبدو في ميزان الربح والخسارة؟
*الرسوم والحصص
ثبت الاتفاق استمرار التجارة عبر الحدود البريطانية مع التكتل دون أي رسوم جمركية أو حصص، ما يعني استمرار تجارة بحوالي 950 مليار دولار، هو حجم التجارة بين بريطانيا والدول الـ26 المتبقية في التكتل.
وبريطانيا المستفيد الأكبر من تثبيت الاتفاق للتجارة بين الجانبين دون رسوم أو حصص، إذ تمكن المنتجون البريطانيون من الاحتفاظ بسوق غني وضخم يبلغ حوالي 400 مليون مستهلك.
* معايير الصحة والبيئة
في المقابل، يلزم الاتفاق بريطانيا بالاستمرار في اتباع القواعد والمعايير الصحية والبيئية الصارمة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، لأسباب صحية وأيضا لأسباب اقتصادية، إذ ترفع هذه المعايير من كلفة الإنتاج ما يبقي الشركات في دول التكتل في وضع تنافسي “عادل” مع الشركات البريطانية.
* دعم الشركات وقواعد العمالة
كذلك، قيد الاتفاق بريطانيا في مسالة تقديم الدعم الحكومي للشركات وقواعد وظروف العمل، بإلزامها باتباع قواعد الاتحاد في هذا المجال، وهذا عامل آخر ضمن فيه الاتحاد الأوروبي تنافسية عادلة لشركات دول التكتل مع الشركات البريطانية، فيما بات يعرف بـ”الحقوق المتساوية”
* الترتيبات والمعلومات الأمنية
رغم أن بريطانيا لم تكن يوما عضوا في الفيزا الأوروبية الموحدة (شنغن)، إلا أنها كانت ملتزمة بترتيباتها الأمنية، كتزويد الاتحاد بالمعلومات الأمنية والبصمات.
وأبقى الاتفاق على هذه الترتيبات، حيث ألزم لندن باستمرار التعاون في المجال الأمني لمكافحة الجريمة والإرهاب، ومواصلة لندن بتزويد الاتحاد بكامل المعلومات الأمنية والبصمات.
في كل القضايا الثلاث السابقة، احتفظ الاتحاد الأوروبي بحق اتخاذ إجراءات عقابية بحق بريطانيا، كفرض رسوم جمركية أو حصصا على صادراتها إلى دول الاتحاد، حال مخالفتها التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق.
* حقوق الصيد
كانت هذه المسالة هي العقبة الرئيسية التي أخرت التوصل إلى الاتفاق لأسابيع، وكادت تؤدي إلى انهيار المفاوضات وخروج بريطانيا من التكتل دون اتفاق، وهو سيناريو كان من شأنه إحداث حالة من الفوضى وخسائر اقتصادية في عموم القارة.
وتحت إصرار الاتحاد، فقد أبقى على إمكانية وصول صيادي التكتل خصوصا دول شمال غرب أوروبا لبحر الشمال، وهي فرنسا وهولندا والدنمارك وأيرلندا، من الوصول إلى المياه البريطانية الغنية بالأسماك.
وعلى مدى خمسة عقود من عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي (منذ عام 1973)، يتمتع صيادو دول الاتحاد بحق الوصول إلى المياه البريطانية ويصطادون فيها أسماكا بحوالي 650 مليون يورو سنويا، مقابل 110 ملايين يورو قيمة الأسماك التي يصطادها الصيادون البريطانيون من نفس المياه.
وبموجب الاتفاق، تنازلت بريطانيا عن مطلبها بخفض حصة الصيادين الأوروبيين من الصيد في مياهها بنسبة 60 بالمئة على مدى ثلاث سنوات.
وقضى الاتفاق بخفض هذه الحصة بنسبة 25 بالمئة فقط، وعلى مدى خمس سنوات ونصف، وهو ترتيب أقرب إلى موقف بروكسل منه إلى موقف لندن.
وبعد انتهاء مدة الخمس سنوات ونصف، ينص الاتفاق على إعادة التفاوض سنويا على حصص الصيادين الأوروبيين في المياه البريطانية.
* الخدمات المالية
تجدر الإشارة إلى أن الاتفاق لم يتضمن أية إشارة إلى مسألة الخدمات المالية، التي تشكل لندن مركزها في عموم أوروبا، وكأن الجانبين امتنعا عن الخوض في هذه القضية حاليا.
وتخشى لندن هجرة جماعية للشركات المالية إلى مراكز أخرى في أوروبا، خصوصا باريس وفرانكفورت، اللتان بذلتا جهدا كبيرا لاستقطاب موظفي هذه الشركات المقيمين في العاصمة البريطانية.
(الأناضول)