أخيرا… بريطانيا تطوي صفحة بريكست

أخيرا… بريطانيا تطوي صفحة بريكست

تمكنت بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بعد مفاوضات شاقة ومتعثرة، من التوصل إلى اتفاق بشأن العلاقات التجارية المستقبلية، تطوي معه المملكة المتحدة ملف بريكست نهائيا. وتفادت لندن كما بروكسل، في اللحظات الأخيرة، مخاطر انفصال دون اتفاق يفتح أبواب الفوضى على الحدود.

لندن- طوت بريطانيا والاتحاد الأوروبي الخميس ملف بريكست نهائيا بعد إعلانهما التوصل إلى اتفاق تجاري يضمن انفصالا منظما تجنبت معه لندن فوضى في سوق الإمدادات حذّر مراقبون من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.

وينهي الاتفاق عملية خروج صعبة لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بدأت رحلتها في 23 يونيو 2016 حين صوت البريطانيون في استفتاء خاص على خروج بلادهم من الاتحاد.

ويمثل التوصل إلى اتفاق انتصارا للدبلوماسية الأوروبية بعد أن قبلت لندن في اللحظات الأخيرة عرضا أوروبيا بشأن مصائد السمك تمسكت برفضه لأسابيع.

وراهنت المملكة المتحدة منذ بداية المفاوضات على سياسة أقصى الضغوط من أجل إجبار بروكسل على تقديم تنازلات، إلا أن حزم الاتحاد الأوروبي بدد هذه الاستراتيجية في نهاية المطاف.

وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ”وحدة وحزم الاتحاد الأوروبي”، مشيرا إلى أن ذلك أثمر عن نجاح في التوصل إلى اتفاق لمرحلة ما بعد بريكست مع بريطانيا.

وقال ماكرون على تويتر إن “وحدة وحزم أوروبا قد أثمرا”، مضيفا أن “الاتفاق مع المملكة المتحدة ضروري لحماية مواطنينا وصيادينا ومنتجينا. وسنعمل على ضمان ذلك”.

وتركزت المفاوضات على تقاسم حوالي 650 مليون يورو من المنتجات التي يصطادها الاتحاد الأوروبي كل عام في مياه المملكة المتحدة وطول فترة التأقلم التي يحتاج إليها الصيادون الأوروبيون مع المعطيات الجديدة.

ورفض الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع عرضا اعتبره غير مقبول من لندن التي طالبته بالتخلي عن 35 في المئة من الأسماك التي لا تُصطاد في أعالي البحار وعن 60 في المئة من مجمل صيده وذلك على فترة انتقالية من ثلاث سنوات.

وكانت بروكسل قد اقترحت التخلي عن 25 في المئة من الـ650 مليونا بعد فترة ست سنوات. وينص اتفاق الخميس على أن يتخلى الصيادون الأوروبيون عن ربع الثروة السمكية ( 25 في المئة) التي يحصلون عليها حاليا في المياه البريطانية خلال الخمس سنوات ونصف السنة المقبلة (مرحلة انتقالية).

ووفق نص الاتفاق، سيتم التفاوض على الوصول إلى المياه البريطانية الغنية بالثروة السمكية على أساس سنوي بعد انقضاء الفترة الانتقالية.

وفي أول تعليق له على الاتفاق، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي بنى شعبيته على إتمام صفقة بريكست، إن الاتفاق “سيصب في مصلحة الطرفين على ضفتي المانش”، مشددا على أن بلاده ستبقى حليف أوروبا و”سوقها الأولى”.

وأضاف جونسون في مؤتمر صحافي “هذا اتفاق جيد لكل أوروبا ولأصدقائنا وشركائنا كذلك” مضيفا “سنكون الصديق والحليف والداعم لكم”.

ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الاتفاق بـ”الجيد والمتوازن والمنصف” للطرفين. وقالت فون دير لايين إن المملكة المتحدة تبقى “شريكا موثوقا” للاتحاد، مضيفة أن الاتفاق “يسمح لنا بالتأكد أخيرا من أن بريكست أصبح خلفنا”.

وانسحبت بريطانيا رسميا من الاتحاد الأوروبي بنهاية يناير الماضي، لكنها ظلت عضوا في اتحاد السوق الداخلية والاتحاد الجمركي للتكتل إلى حين انتهاء فترة انتقالية تنتهي بنهاية العام الجاري.

وأكد كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه أنه يشعر بشكل رئيسي بالارتياح، ممزوجا بالأسى لرحيل بريطانيا.

وأشار بارنييه إلى بعض النقاط المثيرة لخيبة الأمل، مثل عدم مشاركة بريطانيا في البرنامج الطلابي “إيراسموس”، وعدم وجود اتفاق يحدد السياسة الخارجية والدفاع ومسائل التنمية.

وفي غياب التوصل إلى أي اتفاق، كان سيتم فرض قواعد منظمة التجارة العالمية على لندن ما يعني فرض رسوم جمركية وتحديد حصص، إلى جانب تطبيق إجراءات إدارية قد تؤدي إلى اختناقات مرورية ضخمة وتأخير في تسليم البضائع.

وهذه مسألة مؤثرة، لأن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة، حيث تصدر بريطانيا للاتحاد ما يعادل نصف صادراتها الإجمالية، ويمثل الاتحاد الطرف المقابل في حوالي نصف المعاملات التجارية مع المملكة المتحدة في مجال الخدمات.

ورحب البرلمان الأوروبي الخميس بالاتفاق التجاري لما بعد بريكست الذي تم التوصل إليه بين لندن وبروكسل، لكن رئيسه ديفي ساسولي قال إنه “سيواصل عمله قبل أن يقرر ما إذا كان سيعطي العام المقبل موافقته أم لا”.

وأضاف ساسولي “يأسف البرلمان، لأن مدة المفاوضات وطبيعة الاتفاق الذي تم التوصل إليه في اللحظة الأخيرة لا تسمحان بمراقبة برلمانية حقيقية قبل نهاية العام.

وتابع “سيواصل البرلمان عمله داخل اللجان المختصة وفي جلسات عامة” قبل اتخاذ قرار في بداية عام 2021.

ويعد الضوء الأخضر لأعضاء البرلمان الأوروبي ضروريا لدخول الاتفاق رسميا حيز التنفيذ، ولكن سيتم تطبيقه مؤقتا لتجنب الخروج من دون اتفاق.

وأعرب وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، عن ارتياحه حيال التوصل إلى اتفاق تجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لفترة ما بعد الخروج البريطاني من التكتل.

وقال الوزير، المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، “لقد كان ماراثونا تفاوضيا لكن في زمن قياسي عالمي وبنقطة نهاية طويلة الأمد، وقد كان الأمر يستحق السير للأميال الإضافية التي تم الاستشهاد بها كثيرا”.

وفق نص الاتفاق، سيتم التفاوض على الوصول إلى المياه البريطانية الغنية بالثروة السمكية على أساس سنوي بعد انقضاء الفترة الانتقالية

وأشار الوزير الألماني إلى أن الاتفاقية لم تتم بعد، مؤكدا “بطبيعة الحال سننظر بدقة في المسودة داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لأنه يجب أن توافق كل دول التكتل الـ27 والبرلمان الأوروبي لاحقا”.

وتابع “ألمانيا كرئيس للاتحاد الأوروبي ستبذل كل ما في وسعها حتى يمكن دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بشكل مؤقت بحلول مطلع يناير المقبل… إني متفائل بالنجاح”.

وبدوره أشار جونسون إلى أنه يأمل في أن يتم طرح الاتفاق للتصويت في مجلس العموم البريطاني يوم 30 ديسمبر الجاري.

العرب