في الوقت الذي شهدت فيه البلاد نموا مزدوجا خلال السنوات الأخيرة، أثار الصراع القائم في إقليم تيغراي الإثيوبي مخاوف السياح، وقلق المانحين والمستثمرين.
وقال الكاتب، نوي هوشيت بودين، في تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية (Le Monde)، إن الصراع في تيغراي، الذي حرض الحكومة الفيدرالية ضد الحزب المنشق عن جبهة “تحرير شعب تيغراي” منذ الرابع نوفمبر/تشرين الثاني، أثر بشكل ملحوظ على قطاع السياحة.
وبيّن أن هذا القطاع يساهم بنسبة 10% في الناتج المحلي الإجمالي لإثيوبيا، ويعمل به أكثر من مليوني شخص.
ونظرا لأن “حوالي 85% من رحلاتها تمر عبر تيغراي” اضطر جاريد مولوغيتا مدير وكالة السفر “مون باي تور” الواقعة في أديس أبابا، إلى إلغاء كل شيء.
وبفضل بقايا مملكة أكسوم والعديد من الدير الأرثوذكسية، تعد المقاطعة الشمالية المنطقة المفضلة لوكالات الأسفار نظرا لكونها تحتوي على مناطق الجذب الرئيسية للزوار الأجانب.
ويشعر المختصون في مجال الصناعة بالقلق في الوقت الراهن إزاء انسداد الأفق، في وقت ألغى فيه السياح المقرر وصولهم بداية عام 2021 حجوزاتهم بسبب المخاطر الأمنية.
في المقابل، استؤنفت الرحلات التجارية إلى المحافظة ومحيطها تدريجيا بعد زيارة رئيس الوزراء آبي أحمد في 13 ديسمبر/كانون الأول إلى ميكيلي، عاصمة تيغراي، التي سيطر عليها الجيش الفدرالي في وقت سابق من هذا الشهر، ويؤكد آبي أحمد أن العملية العسكرية انتهت بالفعل، مما يترك مجالا لحكومة مؤقتة من المفترض أن تصلح البنية التحتية المتضررة.
بحسب مصادر دبلوماسية، وبينما الجيش الإثيوبي ومليشيات الأمهرة يسيطرون على جميع بلدات تيغراي، يستمر القتال بالمنطقة، وقد انسحب قادة جبهة “تحرير شعب تيغراي” أوائل ديسمبر/كانون الأول. لكنهم أكدوا أنهم يريدون القتال “حتى الموت” من أعالي الجبال، مما أثار المخاوف من اندلاع حرب عصابات طويلة الأمد.
من جانبها، تقدم القوات الفدرالية، التي تكافح من أجل طردهم، مكافأة قدرها 210 آلاف يورو لأي شخص يمكنه المساعدة في العثور على المسلحين.
الاتحاد الأوروبي يعلق المساعدات
مع استمرار المطاردة، تحاول السلطات طمأنة الشركاء الاقتصاديين، ويشعر البعض بالقلق بشأن ظروف عملهم المستقبلية، لا سيما المنطقة الصناعية الجديدة تماما في ميكيلي، حيث توجد شركات نسيج، وقد جرى تسريح بعض موظفيها بداية الصراع، كما أعربت مؤسسات المساعدة الإنمائية المستثمرة بمشاريع البنية التحتية في تيغراي عن إحباطها من نقص المعلومات والتعاون من جانب السلطات خلال الشهر الماضي.
من جانبه، قال خبير اقتصادي إثيوبي فضل عدم الكشف عن هويته “ستترك هذه العملية آثارا، وستَفسد أواصر الثقة مع الشركاء والمنظمات الدولية. أهدر الموقف المتصلب لآبي أحمد، الذي يرفض المفاوضات وحرية الوصول إلى تيغراي خاصة لعمال الإغاثة والصحفيين، المصداقية التي كان يتمتع بها باعتباره الفائز بجائزة نوبل للسلام منذ عامين”.
وتقول المحللة الاقتصادية أليسا ستروبل “ينبغي علينا أن نعتبر أن تعليق هذه المساعدة بمثابة مؤشر مقلق للغاية” وقد ذكر رئيس الوزراء في 30 نوفمبر/تشرين الثاني داخل أروقة البرلمان حينها “لا أحد يستطيع أن يمارس ضغوطا مالية على إثيوبيا، مهما كنا فقراء، فلن نتخلى أبدا عن كبريائنا”.
وإذا شهدت إثيوبيا نموا مزدوجا خلال السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تعتمد إلى حد كبير على التمويل الدولي. عام 2019، تلقت مساعدات بقيمة 8 مليارات يورو من المانحين الغربيين، ومن صندوق النقد والبنك الدوليين، ليدعم الاقتصاد الذي أضعفه وباء كوفيد-19. وهذا العام، لا تزال الحكومة تتوقع نموا بـ 6%، في حين يقدره صندوق النقد الدولي بنسبة 1.9%.
التحرير التدريجي
احتلت إثيوبيا المرتبة 159 في تصنيف “ممارسة أنشطة الأعمال” الصادر عن البنك الدولي بشأن مناخ الأعمال، وقد أثارت اهتمام العديد من مستثمري القطاع الخاص عندما أعلنت عن تحريرها التدريجي، ومع التقاليد السائدة، وعدت بفتح القطاعات التي تحتكرها الدولة أمام المستثمرين على غرار الخدمات اللوجستية والطاقة والبنوك والاتصالات والنقل الجوي بالإضافة إلى شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.
ورغم هذا البرنامج الطموح، فإن هناك مشروعا واحدا مطروحا بالفعل على الطاولة اليوم؛ يتمثل في الخصخصة الجزئية لشركة “إيثيو تليكوم” التي من المتوقع أن تكون حوالي 40% من أسهمها لشركتين أجنبيتين، لكن التوقيت غير مناسب بما يكفي للقوة الإثيوبية، حيث تسترجع تيغراي ببطء قواها جراء انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية الذي استمر لأكثر من 40 يوما، وينفي الطرفان التسبب فيه.
في هذا السياق، قال أحد الخبراء الاقتصاديين الإثيوبيين “لقد اعتاد المستثمرون على هذا النوع من المخاطر” وأضاف أن عملية الخصخصة ينبغي ألا تتعطل بسبب الحرب.
في المقابل، يفترض الجدول الزمني أن تكون شركات الاتصالات على الأرجح في وضع قوي لخفض الأسعار أثناء المفاوضات، وعاد الخبير مطمئنا إلى أنه إذا شوه الصراع صورة البلاد فلن يشكل ذلك عائقا أمام الشركاء.
لكن صناديق الاستثمار الأجنبي لا تشارك هذا الرأي، بعد أن تم تجميد حساباتها المصرفية إلى جانب حسابات 34 شركة إثيوبية تابعة لجبهة “تحرير شعب تيغراي” فضلا عن ذلك، اتهمتها النيابة الإثيوبية بـ “تمويل الصراعات العرقية والأنشطة الإرهابية”.
المصدر : لوموند