على الرغم من إعلان نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قوباد طالباني عن اتفاق حكومة إقليم أربيل والحكومة المركزية في بغداد على حصة الإقليم في موازنة 2021، بدت الردود الأولية من الكتل السياسية، خصوصاً الشيعية، سلبية وتُظهر مساعي لإفشال الاتفاق.
وقد أعلن طالباني موافقة الإقليم على شروط الحكومة المركزية، ومنها تسليم 250 ألف برميل من نفطه إلى شركة تسويق النفط (سومو) لتصديره، وتخصيص 50 في المئة من واردات المنافذ الحدودية الموجودة في محافظات الإقليم إلى بغداد، ومحاولة تسوية ديون أربيل الخارجية والمحلية التي سُجلت خلال فترة الأزمة الاقتصادية، فضلاً عن تحمل بغداد أجور نقل النفط عبر أنابيب الإقليم النفطية إلى تركيا، التي تبلغ 350 ألف برميل من كركوك ومدن الإقليم.
لكن هذا الإعلان قوبل برفض واسع من نواب الكتل الشيعية، الذين رجحوا عدم تمرير الاتفاق ضمن موازنة العام 2021، إلا بعد تسليم الإقليم كامل صادراته من النفط إلى شركة “سومو”، وجعل منافذه الحدودية تحت إدارة الحكومة المركزية، فضلاً عن رفض أي تسويات خارج قبة البرلمان العراقي. ما يبين أن هذه الكتل قررت استخدام حصة الإقليم كملف انتخابي بعد فشلها في إيجاد حلول للمشاكل الخدمية وارتفاع معدلات الفقر في مدن الوسط والجنوب.
ويتضح من هذه التوجهات، وموقف الكتل السنية غير المتحمس لاتفاق بغداد وأربيل، أن مصير الاتفاق هو الإهمال أو الرفض أو تكرار الفقرة الخاصة بحصة إقليم كردستان في قانون تمويل العجز المالي المصوت عليه في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، الذي ربط إعطاء حصة الإقليم بتسليم جميع إنتاجه النفطي، مقابل تخصيص أموال له.
لا خيار سوى تسليم النفط والواردات
ربما تتكرر هذه المادة في قانون الموازنة العامة لعام 2021 بشكل يعيد مشهد الخلاف في شأن قانون عجز التمويل والاتهامات المتبادلة، خصوصاً مع عجز الحكومة عن إرسال الأموال إلى الإقليم إلا بعد موافقة البرلمان، وخشيتها من القيام بأي خطوة بهذا الشأن، قد تدفع الشارع إلى مزيد من الاحتجاجات، خصوصاً مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد.
ويرى عضو اللجنة المالية عبد الهادي السعداوي، أن الخيار الوحيد للإقليم للحصول على حصته في الموازنة، يتمثل في تسليم نفطه وواردات منافذه الحدودية الرسمية وغير الرسمية للحكومة الاتحادية، لافتاً إلى أن الوفد الكردي الذي جاء للتفاوض في بغداد فشل في الوصول إلى نتائج.
ويتوقع السعداوي أن يضع المجلس نصاً شبيهاً بنص قانون العجز المالي الذي يشترط تسليم النفط والواردات مقابل حصة الإقليم من الموازنة، مبيناً أن “البرلمان لن يوافق على النص الحكومي الخاص بالإقليم في الموازنة أو أي نص آخر يتم الاتفاق بشأنه بين حكومتي بغداد وأربيل خارج ما ذكر في قانون عجز الموازنة”.
ويتحدث السعداوي عن قيام الإقليم ببيع نفطه لتركيا منذ 2011 ولغاية 2024، لهذا ليس لديه شيء ليتفاوض عليه، ولديه 21 منفذاً حدودياً، أربعة منها رسمية يتفاوض عليها مع الحكومة الاتحادية والباقية غير رسمية، مشيراً إلى أنه من دون إغلاق المنافذ الـ17 غير الرسمية، فإن أي اتفاق بين الطرفين سيكون بلا فائدة.
وبموجب مسودة الموازنة التي صوت عليها مجلس الوزراء، وضعت فقرة تتضمن سداد مستحقات الشركات النفطية في الإقليم، التي تُقدر بـ27 مليار دولار، على أن يسلم الإقليم نفطه إلى شركة تسويق النفط (سومو)، بحسب السعداوي الذي يرجح رفض هذا الاتفاق وتثبيت النص الخاص بحصة كردستان في قانون تمويل العجز بقانون الموازنة لعام 2021.
لا يوجد اتفاق رسمي
وفيما يقول النائب الكردي في اللجنة المالية أحمد حمه رشيد، أن لا اتفاق مع الحكومة الاتحادية في شأن النسبة المقررة للإقليم من ضمن الموازنة الاتحادية لعام 2021، يشير إلى أن هذا الموضوع مرتبط بالمفاوضات في مجلس النواب بين الكتل السياسية وداخل اللجنة المالية.
ويضيف رشيد أن حكومة إقليم كردستان لم تتفق مع الحكومة المركزية على تحديد نسبة 12.5 في المئة للإقليم ضمن موازنة 2021، لا سيما أن الاتفاق السابق يقضي بأن تكون النسبة 17 في المئة، وخُفضت إلى 12.65 في موازنة 2018 التي رفضها الكرد، لافتاً إلى أن بيانات وزارة التخطيط تشير إلى أن نسبة مواطني الإقليم تبلغ 13.93 في المئة، وبذلك فإن الرقم في الموازنة لا يستند إلى أي وقائع علمية”.
ونصت المادة السابعة من قانون تمويل العجز المالي على تحديد حصة إقليم كردستان من مجموع الإنفاق الفعلي بعد استبعاد النفقات السيادية المحددة بقانون الموازنة العامة الاتحادية، بشرط التزامه سداد قيمة النفط المصدر من حقوله وبالكميات التي تحددها شركة تسويق النفط العراقية (سومو) حصراً والإيرادات غير النفطية، بإشراف ديوان الرقابة المالية الاتحادية. وفي حال عدم الإلتزام بها لا يجوز سداد نفقات الإقليم، ويتحمل المخالف لهذا النص المسؤولية القانونية.
وأثارت هذه المادة ضمن القانون المصوت عليه في 12 نوفمبر الماضي حفيظة الكرد ودفعتهم إلى الانسحاب من جلسة التصويت على القانون وولّدت ردود فعل غاضبة من قادة الإقليم، لا سيما زعيم “الحزب الديمقراطي الكردستاني” ورئيس الإقليم السابق مسعود البارزاني، الذي اعتبر أن القانون “ورقة ضغط سياسية ومعاقبة لشعب كردستان”.
لن يكرروا الانسحاب
يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن “الأحداث الأخيرة في إقليم كردستان والتظاهرات شكلت حالة من الاستياء داخل الإقليم، وعبر عن ذلك المواطنون بحرق مقرات الأحزاب الكردية التقليدية، ما شكل صدمة كبيرة لهذه الأحزاب الممسكة بالقرار والقابضة على موارد الإقليم”.
ويضيف الشمري أن الأزمة في الإقليم أصبحت ضاغطة بشكل كبير على القوى الكردية للتوجه نحو بغداد، والمناخ السائد حالياً هو أقرب إلى التوافق وتقديم تنازلات لبغداد، خصوصاً أن الأحزاب الكردية محرجة ومهددة بتجدد التظاهرات في الإقليم، لافتاً إلى أن الكرد أدركوا أن الموازنة ستُمرّر، لا سيما بعد تمرير قانون العجز المالي. وبذلك لن يكرروا أسلوب الانسحاب.
ويعتقد أن بغداد تريد أن توقّع اتفاقاً يكون خريطة طريق طويلة للمشاكل بين الطرفين، وأن لا توقّع اتفاقاً مرحلياً كما حدث مع حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.
الاتفاقات سريعة الانهيار
ويرى رئيس مركز كلواذا للدراسات وقياس الرأي العام العراقي باسل حسين، أن مشكلة الاتفاقات بين الحكومة الاتحادية والإقليم، أنها سريعة الانهيار، لكونها لا ترتكز على أرض صلدة لوجود حالة الشك وعدم الثقة بين الطرفين.
ويضيف حسين أن “الشك وعدم الثقة بين الطرفين يلقيان بضلالهما على علاقات الحكومة الاتحادية والإقليم، وقد تجذرا في السنوات الماضية وتجسدا في شأن الموازنة”.
ويؤكد حسين أنه مع اقتراب الموسم الانتخابي، فإن هذه القضية تدخل في دائرة المزايدات السياسية الانتخابية، ما يُعقد مسارات التفاوض والتفاهمات ويُعزز فرص كسر الإرادات وفرض منحنى الإكراه، وهو ما يضيف مزيداً من التعقيد في العلاقات بين الأطراف.
مؤيد الطرفي
اندبندت عربي