لاقت صفقة بريكست التي أعلن عنها، الخميس، بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، الكثير من الارتياح والثناء لدى الزعماء الأوروبيين، خاصة أنها حفظت حقوق الشركات ومصالحها، وجنّبتها التعريفات، وسمحت لها بتجارة غير محدودة في كلا الاتجاهين، إلى تنظيم العلاقات المستقبلية بين الطرفين، استناداً إلى المعايير والقواعد التي كانت سارية خلال 47 عاماً، ومن بينها حرية حركة السلع والخدمات ورأس المال والأشخاص في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي.
ومع دعوة الرئاسة الألمانية الدورية للاتحاد الأوروبي إلى عقد اجتماع لسفراء الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة المقبل، لمناقشة الاتفاق، الذي من المتوقع أن يدخل حيّز النفاذ في الأول من يناير/كانون الثاني 2021؛ صدرت بعض التحذيرات من خبراء ومحللين بخصوص الاتفاقية.في هذا الإطار، قال رئيس معهد الاقتصاد العالمي في جامعة كيل، غابرييل فيلبرماير، في مقابلة اليوم الجمعة، مع صحيفة هاندلسبلات: إن دراما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم تنته بعد، مشيراً إلى أن العديد من المشكلات بقيت من دون حل، وهناك غياب كبير للثقة بين الجانبين.
واعتبر فيلبرماير أن الاتحاد الأوروبي بدون بريطانيا سيكون بشكل عام أكثر مركزية. وفي رد على سؤال حول الدور الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي بعد خسارة ثاني أكبر اقتصاد أوروبي، وقدرته على مواجهة القوتين الأميركية والصينية في الصراعات التجارية والسياسية والتكنولوجية، قال: إن السوق الأوروبية الموحدة ستنكمش بنسبة 16% مع خروج بريطانيا، وقوة الاتحاد التفاوضية ستتقلص، ومعها النطاق العالمي للعمل، ولذلك سيكون من المهم أن يطوّر الاتحاد الأوروبي اتفاقيات شراكة مع جميع البلدان المحيطة به، بما في ذلك المملكة المتحدة وسويسرا وتركيا وأوكرانيا، والأمر لن يكون سهلاً، إلا أنه ضروري من الناحية الاستراتيجية.
ستنكمش السوق الأوروبية الموحدة بنسبة 16% مع خروج بريطانيا، وقوة الاتحاد التفاوضية ستتقلص، ومعها النطاق العالمي للعمل
وأضاف: ما حصل منع الأسوأ للاقتصاد الألماني، وستكون هناك صعوبات في سلاسل التوريد، والتحرر من الجمارك لا يعني عدم وجود إجراءات جمركية. كما تحدّث فيلبرماير عن أن إيرلندا الشمالية لا تزال بحكم الأمر الواقع في الاتحاد الجمركي للتكتل الأوروبي، وهذا ما سيؤدي إلى إثارة الجدل داخل المملكة المتحدة، حتى أن الخلافات في بروكسل حول تفسير النص وتنفيذه أمر لا مفر منه. عدا عن أن الصفقة تعني أن هناك أشياء مختلفة أيضاً للبلدان الأخرى، ويجب موافقة البرلمانات الوطنية أيضاً. وعليه، ليس من المستبعد إجراء المزيد من المفاوضات مع لندن. مع العلم، أن المستشارة ميركل قالت إنها على ثقة بأن ألمانيا ستتمكن قريباً من اتخاذ قرار بشأن موافقتها على الصفقة، حيث سيصار إلى دراسة نص الاتفاقية بشكل مكثف من قبل الحكومة الاتحادية.وفي شأن متصل، قال منسّق البرلمان الأوروبي في ملف بريكست، النائب عن الحزب المسيحي الديمقراطي دافيد مكاليستر، في مقابلة مع صحيفة “دي فيلت”: إن التجارة لن تعمل بسلاسة بعد الآن كما كان من قبل، وسيتعين على الشركات التكيف مع المزيد من البيروقراطية في حركة البضائع”، إلا أنه أعرب عن تفاؤله في التصديق على الاتفاق في البرلمان الأوروبي، مضيفاً: لدينا مسؤولية سياسية لتجنب انتقال غير منظم، وتفادي العواقب السلبية على المواطنين، والشركات قدر الإمكان.
وفي خضم ذلك، بيّنت تقارير صحافية أن الشركات ستكون أمام أعباء بيروقراطية جديدة، وعلى بعضها إعادة تنظيم سلاسل التوريد الخاصة بها، من أجل الامتثال لقواعد المنشأ، وأن المملكة ستتحمل خسائر حتى من خلال اتفاقية التجارة الحرة مقارنة بالعضوية الكاملة، والاتفاقيات التجارية الثنائية لا تحل مكان عضويتها في التكتل الأوروبي.
بيّنت تقارير صحفية أن الشركات ستكون أمام أعباء بيروقراطية جديدة، وعلى بعضها إعادة تنظيم سلاسل التوريد الخاصة بها
وفي ظل الحديث عن تسوية جيدة ونتائج متوازنة بعد اختلاف استمر قرابة أربع سنوات حول بريكست؛ وصف رئيس جمعية التجارة الخارجية أنطون بورنر الاتفاقية بأنها أفضل الحلول السيئة، مشيراً، وفق ما ذكرت شبكة إن تي في الإخبارية، إلى أنه ورغم الارتياح؛ لا يوجد شيء للاحتفال به، والاتفاق سيغير الكثير في تعاملنا المستقبلي مع بريطانيا.
أما رئيس غرفة التجارة والصناعة الألمانية البريطانية في لندن، أولريش هوبه، فإنه ورغم ترحيبه عبر صحيفة “دي فيلت” بالاتفاقية؛ رأى أن على الاقتصادات أن تتكيف مع “تغييرات عميقة”، مضيفاً: منذ اليوم الأول بعد مرحلة الانتقال، ستصبح تجارة السلع والخدمات أكثر كلفة.
ومن جهته، اعتبر عضو الغرفة في ألمانيا يورك ألكسندر فون ماسنباخ، أن العديد من الشركات ستنتهك اللوائح؛ لأنها ليست على دراية بالفيضان الجديد من القواعد، ومن الصعب العمل من خلال 2000 صفحة في غضون أيام قليلة، وتحديد النتائج.أما المدير الإداري لاتحاد الصناعات الألمانية، يواخيم لانغ، فقد اعتبر أن الاتفاق أفضل من عدمه. ومع ذلك، لا تزال الاتفاقية تعني بيروقراطية إضافية وإجراءات حدودية غير ضرورية لمعظم الشركات.
وبدوره، وجّه رئيس الاتحاد الألماني للصيد جيرو هوكر انتقادات حادة للمسؤولين، موضحاً أن يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2020 سيسجل في التاريخ باعتباره يوماً أسود لصيادي الأسماك الأوروبيين وعائلاتهم وكذلك المناطق الساحلية في أوروبا وألمانيا، واعتبر أن الشركات المعنية ستفقد وضعها الراهن المزدهر تاريخياً في توزيع حقوق الصيد، ورأى أن الصيادين البريطانيين حققوا مكاسب واضحة من خلال المفاوضات، مقابل فشل الحكومة الألمانية في حماية الشركات الألمانية من آثار خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي.
شادي عاكوم
العربي الجديد