تتزايد المخاوف في الشارع العراقي مع حلول الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق بطائرة أميركية مسيّرة قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/ كانون الثاني 2020. وبين تصريحات تحدثت عن سيناريو قاتم، وأخرى ترى أنه لا خيار سوى التهدئة، تبقى جميع الاحتمالات مفتوحة بانتظار ما يحدث.
مفاجأة وصدمة
عملية اغتيال سليماني والمهندس مثلت مفاجأة وصدمة للأوساط السياسية المحلية والعالمية وحتى للأوساط الأميركية، كما يقول أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة بغداد د. عباس هاشم عزيز.
ويبيّن عزيز للجزيرة نت أن قواعد المواجهة بين الأميركيين والإيرانيين كانت مفتوحة على خط واحد وهو الخط السياسي، لكن تحولها إلى عمل عسكري مباشر باغتيال سليماني والمهندس يعني الانحراف عن خط الصراع السياسي إلى العملياتي العسكري.
وحذر من أن هذا يحمل أخطارا كبيرة ليس فقط على الطرفين المتحاربين بل على المنطقة قاطبة، وقد تؤدي بالمنطقة إلى حافة حرب لا يمكن أن تحصر في حدودها بل قد تتجاوز الخليج إلى الشرق الأوسط بأكمله.
ويرى عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، مهدي تقي الآمرلي أن “عملية الاغتيال كانت عملية أميركية ممنهجة ودقيقة لضرب القادة الذين حققوا النصر على تنظيم الدولة الإسلامية”، مشيرا في حديث للجزيرة نت إلى أن “أبرز تداعيات هذه العملية كان تصويت البرلمان العراقي على إخراج القوات الأميركية من العراق، ونحن مصرون على ذلك”، على حد تعبيره.
وتحدّث الآمرلي عن وجود اتفاق على عدم استهداف أي بعثة دبلوماسية، لكن هناك أياد خفية -كما وصفها- تريد خلط الأوراق، وتستهدف الحكومة والشعب في محاولة للضغط على العراق.
ملابسات صادمة
تصريحات رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي حول دخول طائرة الاغتيال، بموافقة عادل عبد المهدي، كانت صادمة، لاسيما أن مقتل سليماني والمهندس، ليس بالحادث الطبيعي، وإنما شكّل نقطة تحوّل كبير على مستوى العراق ودول المنطقة، كما يقول رئيس مركز التفكير السياسي العراقي د. إحسان الشمري.
ويضيف الشمري للجزيرة نت بأن هذه التصريحات تأتي في إطار التسريبات، في محاولة لكشف ملابسات هذا الحادث.
ويبدو أن العبادي -بحسب الشمري- أراد التلويح بتورط عبد المهدي الذي كان المسؤول الأول وفق الأمر الديواني الذي أصدره بأن تكون حركة الطائرات منوطة به، وهي رسالة أراد العبادي أن يوجهها إلى إيران بالتحديد، مفادها أن حليفها عبد المهدي هو المتسبب الأول في مقتل سليماني، ورسالة داخلية إلى الفصائل المسلحة بأن حليفهم ومن دعموه، كان مسؤولا بشكل مباشر أو غير مباشر عما جرى.
وفي ذات السياق يقول الخبير الأمني والاستراتيجي، فاضل أبو رغيف إن حكومة عبد المهدي منحت إذن عمومي وليس تفصيلي، بمعنى أنها أعطت الموافقة لمهمة غير مسلحة، وفيما بعد اتضح أنها مسلحة، وهذا يشكل مخالفة تسجل على التحالف الدولي في وقتها.
ويوضح أبو رغيف -خلال حديثه للجزيرة نت-، بأن هناك نظام يسمى الـ”أي تي أو”، وهذا النظام يعد مظلة للتحالف الدولي، لذلك جميع أنواع الطائرات لا تحلق في سماء العراق إلا بموافقة قيادات العمليات المشتركة في حينها، والقائد العام للقوات المسلحة.
أبو رغيف يرى أن تحضيرات الفصائل العراقية للرد فيها شيء من التهويل (الجزيرة)
بين التصعيد والتهدئة
وحذر وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري في وقت سابق من سيناريو قاتم في الذكرى الأولى لاغتيال سليماني والمهندس مطلع 2021، ويرى الشمري أن هذا السيناريو يأتي في إطار رد شامل، لكن هذا كان ما قبل إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، لافتا إلى أن الوضع تغير بعد فوز جو بايدن.
اعلان
ويعتقد الشمري أن مجيء بايدن إلى الإدارة الأميركية خفف بشكل كبير من التصريحات الإيرانية، في موضوع الرد، ولو استمر ترامب لاتخذت إيران قرارا بالمواجهة، أو رفع مستوى التصعيد وأخذ الثأر وبالتأكيد سيكون العراق هو ساحة الصراع، لكن يبقى موضوع الرد مؤجلا إلى حين تبيان طبيعة ومواقف بايدن تجاه الملف النووي الإيراني والعقوبات، بحسب الشمري.
فيما يشير أبو رغيف إلى أن تحضيرات الفصائل للرد بمناسبة مرور الذكرى السنوية على حادثة الاغتيال، فيها شيء من التهويل، ومن غير المتوقع أن يكون الرد بالمستوى العالي.
وحذّر من أن أي عملية تقدم عليها الفصائل سيقابله رد أميركي، وهذا الرد سيولد ردا آخر وهكذا سندخل في دوامة عنف لا قِبل للعراق فيها، معربا عن اعتقاده بأن هنالك اتفاقات بينية وغير مرئية بين الجانب الإيراني والجانب الأميركي، بوسطاء في المنطقة، لنزع فتيل هذه الأزمة.
تحييد العراق
ويكشف الشمري عن مساع حثيثة قام بها مصطفى الكاظمي منذ تسلمه رئاسة الوزراء، بهدف تحييد العراق في الصراع الأميركي الإيراني، وهي مهمة صعبة جدا، لكنها ليست مستحيلة.
وانطلق الكاظمي بحوارات لغرض هذا التحييد، داخليا مع الأجنحة السياسية، وحتى العسكرية، بحسب الشمري، من أجل الذهاب نحو التهدئة وتجنيب العراق مزيدا من تداعيات الصراع الأميركي الإيراني.
ورجح أن تكون زيارة الكاظمي الأخيرة إلى طهران، تأتي ضمن سياسة تحييد العراق عن أي لحظة احتكاك، رغم وجود فصائل جديدة متمردة تعمل على استهداف السفارة والمصالح الأميركية، بمعزل عن الرؤية الإيرانية الدافعة نحو التهدئة.
ويدخل العراق عامه الجديد وهو مشغول بأزماته السياسية والاقتصادية، وسيحاول أن يرسم ملامح مرحلة جديدة بعيدة عن التدخلات الخارجية، وسيكافح من أجل إعادة هيبة الدولة، بحسب عزيز.
ويبدي عزيز أمله في أن تكون الانتخابات المبكرة المرتقبة في يونيو/حزيران المقبل، وفق رؤية جديدة تحمل أماني التخلص من أزمات العراق السياسة والاقتصادية.
المصدر : الجزيرة