بينما ينظر الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى دمشق من قصره على جبل قاسيون، يجب عليه أن يكون ممتنًا لروسيا، والإيرانيين، وحزب الله، في أنه لا يزال في وضع يمكنه من التمتع برؤية هذا المنظر.
ففي أوائل عام 2013، بدا الأمر وكأن محاولة الأسد التي استمرت لمدة عامين، من أجل التمسك بالسلطة، كانت تقترب من نهايتها، وذلك حين وصلت قوات المتمردين إلى مشارف وسط دمشق، وكانت تستعد لـ”هجوم الربيع” الذي كان من المفترض أن يسقط النظام.
ولكن التحول في حظوظ الأسد جاء نتيجة لقرار حلفائه بأنهم سيعملون على حماية نظامه بكل الوسائل المتاحة. وبالنسبة لحزب الله، يمثل هذا الالتزام بإرسال آلاف المقاتلين إلى سوريا في أكبر تحول استراتيجي في تاريخ الحزب منذ ظهوره، بمثابة فصيل مدعوم إيرانيًا لمقاومة إسرائيل في لبنان الذي مزقته حرب الثمانينيات.
وساعد مقاتلو حزب الله المدربون تدريبًا جيدًا في عكس تيار الصراع، عن طريق الاستيلاء على مدينة القصير في محافظة حمص في يونيو 2013، قبل أن ينتقلوا لتأمين منطقة القلمون الاستراتيجية شمال دمشق. واليوم، ينتشر مقاتلو الحزب عبر غرب سوريا، من حلب في الشمال إلى درعا في الجنوب.
وقد يكون حزب الله أكثر مجموعة مسلحة غير تابعة للدولة شراسةً في العالم، ولكن تدخله في سوريا على مدى العامين الماضيين أجبره على تعلم كيفية التعامل مع مجموعة من التحديات العسكرية التي لم تكن لديه تجربة سابقة معها.
حتى ما قبل سوريا، كان حزب الله يركز دائمًا على عدو واحد فقط، هو إسرائيل، وكان مقاتلوه يعملون في بيئة جغرافية واحدة، هي التلال والوديان في جنوب لبنان. وعلى مر السنين، وضع حزب الله مجموعة من التكتيكات التي تهدف إلى إحداث نوع من توازن القوى أمام تفوق الجيش الإسرائيلي بفرقه المدرعة وقوته الجوية وقدرته التكنولوجية.
ولهزيمة الدبابات الإسرائيلية، حصل حزب الله على الكثير من الصواريخ الروسية المضادة للدروع. وللتهرب من سلاح الجو الإسرائيلي، حفر حزب الله شبكات معقدة من الأنفاق تحت تلال جنوب لبنان. وأما للضغط على الحكومة الإسرائيلية خلال فترة الحرب، فقد قصف حزب الله البلدات والمدن الإسرائيلية بصواريخ أطلقت من مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق المخبأة.
ولكن في سوريا، كان العدو الذي واجهه حزب الله، والبيئة القتالية التي عملت فيها قواته، مختلفًا جدًا عما اعتاد الحزب على التعامل معه. شبكات الأنفاق والصواريخ بعيدة المدى، ليست ذات فائدة تذكر ضد المقاتلين المتمردين المسلحين بأسلحة خفيفة، والذين هم مثل كوادر حزب الله، يحصلون على إلهامهم للقتال من القرآن، والذين اكتسبوا أيضًا خبرة قتالية قيمة بعد ثلاث سنوات من قتال الجيش السوري.
وعلاوة على ذلك، كان على حزب الله التعامل مع مجموعة متنوعة من المسارح الجغرافية البعيدة عن المواقع التي ألفها في جنوب لبنان، مثل البساتين، وحقول القمح، والمناطق شبه الصحراوية، والجبال الجرداء، والشوارع الضيقة، وأزقة المدن والبلدات السورية.
في جنوب لبنان، قاتل حزب الله عادةً في وحدات صغيرة من حوالي خمسة رجال. أما في سوريا، فقد تم نشر عناصر حزب الله في تشكيلات أكبر، وغالبًا ما كانوا يحاربون جنبًا إلى جنب مع وحدات أخرى من الجيش السوري وميليشيا قوات الدفاع الوطني الموالية.
وفي جنوب لبنان، تعبر كوادر حزب الله التضاريس سيرًا على الأقدام أو على الدراجات. أما في سوريا، فإن مقاتلي حزب الله يستخدمون أحيانًا الدبابات ومضادات الطائرات المتحركة “شيلكا”.
وحزب الله لديه أسطول صغير من الطائرات بدون طيار التي تقوم بمهمات الاستطلاع في الأجواء الإسرائيلية. أما في سوريا، فقد ذهب الحزب إلى أبعد من ذلك، واستدعى سلاح الجو السوري لتنفيذ الغارات ضد مواقع المتمردين.
وفي التسعينيات، اعتاد حزب الله على مهاجمة مركبات القوات الإسرائيلية والميليشيات اللبنانية المتحالفة معها في تلال جنوب لبنان. أما اليوم، فحزب الله هو من يسير المركبات في الجبال على طول الحدود الشرقية للبنان مع سوريا ويقوم بالدفاع عنها من هجمات المسلحين السنة من جبهة النصرة، وهي فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
وفي حين أن الحرب في سوريا قد وسعت من قدرات حزب الله القتالية، إلا أن معظم هذه المهارات الجديدة لن تكون ذات صلة بأي حرب مستقبلية للحزب مع إسرائيل. حزب الله سوف يعود إلى تكتيكات الوحدات الصغيرة التي جربها ويثق بها، ولن يقود الدبابات ضد الدبابات الإسرائيلية من طراز ميركافا Mk4s، كما أنه لن يدعو للقيام بغارات جوية ضد مواقع للجيش الإسرائيلي.
الميزة الرئيسة الوحيدة التي سوف يمتلكها حزب الله في المرة القادمة هي الخبرة القتالية. قبل حرب سوريا، لم يكن حزب الله في حالة قتال مستمر منذ التسعينيات عندما كانت إسرائيل تحتل جنوب لبنان.
ولكن منذ عام 2012، ولد جيل جديد كليًا من مقاتلي حزب الله في ساحات القتال في سوريا. وقد نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بانتظام عن كبار القادة العسكريين الإسرائيليين قلقهم بشأن تعزيز قدرات حزب الله، وما الذي سوف يعنيه هذا عندما سيواجه العدوان مع بعضهما البعض مرة أخرى.
ورغم ذلك، دفع حزب الله ثمنًا باهظًا أيضًا لتدخله في سوريا. يتوقع بأن هناك ما يقرب من 1000 من مقاتلي الحزب قتلوا هناك، مع وجود عدة مئات من الجرحى. وبعض هؤلاء القتلى أو الجرحى هم من قادة الحزب ومن محاربيه القدامى.
وعلى نطاق أوسع، ظهر خطاب حزب الله الثوري التقليدي، وأيديولوجيته في نصرة الشعوب المضطهدة، ودعواته إلى الوحدة بين المسلمين، كخطاب منافق. حيث تشوه هذا الخطاب بشدة في ضوء التدخل العسكري للحزب في سوريا، ودعمه للنظام السياسي الذي يهيمن عليه العلويون، والذي يستخدم التكتيكات القاسية لقمع المعارضة السنية أساسًا.
وفي حين وجدت استطلاعات الرأي لعام 2006، أن الشيخ حسن نصر الله، زعيم حزب الله، هو الشخصية الأكثر شعبية في العالم العربي، أصبح نصر الله وحزبه اليوم منارات لكراهية السنة في جميع أنحاء المنطقة، وتعرضت المناطق الشيعية في لبنان لهجمات من قبل المسلحين السنة، من خلال السيارات المفخخة، وإطلاق الصواريخ، والكمائن المزروعة على جانب الطريق.
وأما قاعدة حزب الله الشيعية، فقد بقيت موالية للحزب بشكل كبير، وقبلت حجة قيادته بأن الحزب يقاتل في سوريا للدفاع عن لبنان من خطر “التكفيريين”، وهو مصطلح يستخدم لوصف المتطرفين السنة الذين يعتبرون أولئك الذين لا يشاركونهم نفس التفسير المتشدد للإسلام مرتدين.
وبالتأكيد، كان هناك بعض القلق داخل المجتمع الشيعي في وقت سابق بشأن دور حزب الله في سوريا. ولكن، صعود جماعات مثل “الدولة الإسلامية” المتطرفة، وسلوكها الوحشي عبر مساحات شاسعة من العراق وسوريا، أجبر معظم الشيعة إلى الالتفاف حول راية حزب الله من جديد.
الإصابات بين الكوادر، وغضب السنة، وردود الفعل العنيفة ضد المجتمع الشيعي في لبنان، هي ثمن باهظ بالنسبة لحزب الله، ولكنه ثمن هو على استعداد لدفعه. في الواقع، ليس لدى الحزب الكثير من الخيارات. سقوط نظام الأسد سوف يمثل انتكاسة استراتيجية خطيرة لإيران، وتهديدًا وجوديًا محتملًا لحزب الله.
منذ اعترف نصر الله في مايو 2013، بأن حزب الله كان يقاتل في سوريا، ما زالت بعض التكهنات متداولة في وسائل الإعلام اللبنانية عن أن الحزب على وشك أن يسحب بعضًا أو كل قواته من سوريا ليعيدها إلى لبنان. لكن، الواقع هو أن حزب الله ملتزم، وبشكل كامل، بالصراع في سوريا. حزب الله سوف يبقى في سوريا طالما أنه، وإيران، يعتقدان بوجود حاجة له هناك.
نيكولاس بلانفورد – معهد الشرق الأوسط للدراسات (التقرير)
الكلمات الدلالية :حزب الله، الجيش السوري.،سوريا،روسيا ،ايران،العراق،السنة ،الشيعة،المليشيات اللبنانية.
http://goo.gl/vk7Eay