تركيا وكردستان العراق بعد عين العرب “كوباني”

تركيا وكردستان العراق بعد عين العرب “كوباني”

   Turkish army tanks take position on top of a hill near Mursitpinar border crossing in the southeastern Turkish town of Suruc

مقدمة

ألقت المواجهات المسلحة التي نشبت على حدود مدينة كركوك العراقية في 14حزيران/يونيو من العام الحالي بين مقاتلي “تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام” الذي بات يُعرف إعلاميًّا بـ” داعش”، وبين قوات “البيشمركة” التابعة لإقليم كردستان العراق بظلالها على سلوك الحكومة التركية.

وقد اشتدت هذه المواجهات بينهما، واتسعت رقعتها الجغرافية حتى وصلت الى بعد 60 كيلو متر مربع عن مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.

كما ألقى هجوم ذلك التنظيم أيضًا على مدينة عين العرب “كوباني”- ثالث المدن الكردية بسورية في 16 أيلول/سبتمبر من ذات العام بظلاله على سلوك الحكومة التركية اذ امتنعت في الحالة الأولى عن تقديم المساعدات العسكرية للإقليم- وهذا ما لم يرضه- نظرًا لطبيعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية المتميزة التي وصلت إلى مستوى الشراكة بينهما. أما في الحالة الثانية فلا تزال تركيا ترفض التدخل الأحادي الجانب الذي يقتصر على حماية أكراد سورية فقط ، ليشمل ذلك التدخل أيضًا إسقاط حكم الرئيس السوري بشار الأسد. وتكتفي بتقديم المساعدات الإنسانية المتمثلة بإيواء الذين أجبرتهم ظروف القتال على مغادرة ديارهم في عين العرب ” كوباني”. لذا تهدف هذه الورقة إلى التعرف على مدى تأثير ذلك الهجوم- الذي لا يزال مستمرا على كوباني، وعلى علاقة الحكومة التركية بإقليم كردستان العراق، وهل من شأنه فيما لو استمر الموقف التركي على ثباته في عين العرب ” كوباني”  أن يعيد العلاقات مع الاقليم إلى حالة من التوتر، كما كانت عليه في المدة الزمنية الواقعة  بين عامي 2002م-2007م؟ أم أن مصالحهما المشتركة تحتم عليهما التغلب على تناقضاتهما المرحلية؟  وللإجابة عن هذا السؤال نقسم البحث إلى عدة محاور:-

أولًا- الموقف التركي من هجوم “داعش” على مدينة عين العرب” كوباني”:

ينبع الموقف التركي من مدينة عين العرب تحديدًا، وسورية عمومًا، من حسابات وطنية جيوستراتيجية بالدرجة الأولى. فما إن بدأ هجوم تنظيم الدولة على مدينة عين العرب ” كوباني” حتى نشرت الحكومة التركية  قوات وآليات عسكرية في وضع دفاعي على حدودها المحاذية لها، ورفضت في البداية القيام  بأي دور يسهم في تعزيز المقاتلين الأكراد داخل المدينة، مع تأكيدها  في الوقت ذاته أنها جزء من التحالف الدولي لمحاربة” داعش”. كما أن الحكومة التركية أبدت شكوكها بشأن الاهتمام الأميركي الغربي المنقطع النظير بعين العرب دون الاهتمام بالمدن السورية الأخرى التي تخضع لسيطرتها، أو تلك التي تتعرض للاعتداءات من قبل السلطة الحاكمة في سورية، وهو ما عبر عنه بوضوح رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع نظيره الفرنسي ” فرانسو أولاند” في باريس بتاريخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الحالي، حيث تساءل:” لماذا كوباني دون مدن أخرى مثل إدلب أو حماة أو حمص …. بينما تخضع 40 في المئة من الأراضي العراقية لسيطرة التنظيم ؟ وقال: ” إن التحالف الذي يحارب تنظيم الدولة وحده في سورية، عليه أيضًا أن يحارب نظام بشار الأسد”. فالموقف التركي من عين العين ” كوباني” يرتكز على رؤية شاملة للحل؛ إذ قال أردوغان: ” نحتاج إلى إستراتيجية دولية؛ ليس لتدمير داعش فحسب، وإنما أيضًا لإجبار الأسد على التنحي عن الحكم وإنهاء الصراع في سورية، فالهدف الأول لا يمكن تحقيقه بنجاح بمعزل عن الثاني. وهذه الاستراتيجية  يجب أن تتضمن تأسيس منطقة آمنة في سورية لإيواء المدنيين وقوات المعارضة، على أن تجري حمايتها بواسطة مناطق حظر الطيران، وهي الاستراتيجية التي طالما اعتقدنا أنها حيوية للنجاح في سورية والعراق”. ومنع تفكك سورية، وبروز دولة كردية على حدودها ،كما تشترط الحكومة التركية دعم الولايات المتحدة الأمريكية ” لتغيير الحكم في سورية”، قبل أن تشارك بنفسها في قتال”داعش”، فهي ترى أنه عرض أكثر منه سببًا أساسيًا للمشكلات في الشرق الأوسط.

ونتيجة  للإصرار التركي على عدم التدخل بريًا بشكل منفرد ضد تنظيم الدولة  في العراق وبلاد الشام من دون وجود إستراتيجية  واضحة للتخلص من حكم الرئيس بشار الأسد، فإن إدارة الرئيس الأمريكي ” باراك أوباما” قامت في 20 تشرين الأول/ أكتوبر، بعملية إسقاط جوي للأسلحة للمقاتلين الأكراد، وهو ما أثار حفيظة الحكومة التركية، ويعد غضبها في هذا السياق مشروعًا، فهي ترى حليفها الأميركي يقدم دعمًا لمنظمات تعدهما دولتاهما “إرهابية”، أو مرتبطة بها، وتقوم بتسليحهم من دون التأكد من نواياهم، ودون تدريب مسبق، في حين أنها تفرض هذين الشرطين على الجيش السوري الحر. أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها بررت ذلك بالقول: إنه لا يمكن السماح بسقوط المدينة بيد “داعش” ، وأن ثمة مصلحة عليا هنا تُسوغ خطوتها تلك، مضيفة أنها تواصلت مع الحكومة التركية وأكدت لها أن ذلك لا يحمل أي تغييرات في الاستراتيجية الأمريكية نحو المسألة الكردية، وأن هذا الموقف مؤقت.

وللتخفيف من شدة الضغوط الداخلية والخارجية سمحت الحكومة التركية في 29 تشرين الأول/ اكتوبر من العام الحالي، بمرور مقاتلين من قوات ” البشمركه”، و من الجيش السوري الحر لتعزيز وضع الحامية الكردية في عين العرب” كوباني”. وما إن سمحت الحكومة التركية بذلك المرور حتى بدأت تثار العديد من التساؤلات عن حقيقة الخطوة المتعلقة بارسال القوات الكردية عبر تركيا وهل ستسمح فعليا بحصول تحولات استراتيجية على الارض في كوباني؟

وفي هذا الصدد هناك ثلاث وجهات نظر رئيسة ذات علاقة بالتصورات المفترضة للإجابة عن التساؤل السابق: –

الأولى: تشير إلى أن الحكومة التركية أرادت أن توجد مزيدًا من التعقيد في المشهد العسكري لمدينة عين العرب” كوباني” عبر اقحام قوات البيشمركة في ساحتها خاصة ان هناك اليوم حديثا فعليا في الأوساط الكردية يشير الى حصول تصادم في الرؤى بشأن موضوع القيادة الميدانية ومن يملك القدرة على التحكم بحركة هذه القوات وأدوارها التي تصر قوات حماية الشعب الكردي على أنها يجب ان تخضع لأوامرها المباشرة, في حين تصر حكومة إقليم كردستان على أنها قوات لاتزال تخضع للأوامر الصادرة من وزارة البيشمركة في الاقليم.

الثانية: تشير إلى أن الحكومة التركية أرادت أن تفكك التوافق الكردي الداخلي في مدينة عين العرب” كوباني” عبر اشتراط ارسال مقاتلين من الجيش السوري الحر، ليواكبوا قوات البيشمركة في مدينة عين العرب”كوباني”. ليحصل في هذا الموضوع تطوران مهمان، الأول: تمثل في إعلان بعض فصائل جبهة النصرة أنها لن تقاتل “داعش” في حال انضم الجيش الحر إلى الأكراد هناك , وهو ما يتزامن والاعلان عن وجود مقاتلين أكراد ذهبوا من إقليم كردستان العراق للقتال ضمن صفوف جبهة النصرة منذ أن بدأت بالعمل على الأرض السورية. ليشكل هذا الحدث نقطة تصادم محتملة بين أكراد جبهة النصرة والبيشمركة في تحضير لمشهد اقتتال كردي – كردي ستمتد آثاره إلى خارج الجغرافيا الضيقة لمدينة عين العرب “كوباني” باتجاه نطاقات كردستان المترامية. أما التطور الثاني: فقد تمثل في تضارب الصلاحيات بين القوات الكردية وقوات الجيش السوري الحر التي اتهمت بأنها تأتمر بأوامر الحكومة التركية وأنها تحمل مشروعا سياسيا وليس عسكريا , وهو مشروع يهدد الداخل الكردي في تصديه لـ”داعش”. لذلك تم الإعلان مؤخرا عن عودة بعض مقاتلي هذا الجيش إلى تركيا في ظل التضييق الكردي عليهم بفعل التوجس من الأدوار التي قد يقومون بها هناك.

الثالثة: التي تفسر السلوك التركي في هذا الموضوع مشيرة إلى أن الحكومة التركية أرادت ان تسحب البساط من تحت أقدام الأحزاب السياسية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني وتأزيم الموقف الامريكي هناك عبر ايجاد نوع من الفوضى داخل منظومة هذه الأحزاب ببناء  تحالفات جديدة تسهم في نشر مزيد من الاضطراب الداخلي في تفاعلاتها من موضوع الأزمة هناك. اذ أشارت الأنباء مؤخرا إلى أن تركيا أرسلت وفدا رفيعا إلى إربيل للتباحث مع الإقليم بشأن تحقيق مزيد من التقارب مع الجيش السوري الحر على حساب اضعاف الأدوار التي تؤديها قوات حماية الشعب الكردي والاتحاد الديمقراطي الكردي.

يبقى هناك تصور آخر هو الأقل احتمالا في مصداقيته بفعل الكوابح العديدة التي تحجم من تأثيره الفعلي يشير فيه بعضهم إلى ان الخطوة التركية  جاءت في حقيقتها استجابة للطلبات الأمريكية لتحقيق نوع من التقارب مع واشنطن، والتأكيد لبقية الأكراد بأنها مهتمة بمصير مدينة عين العرب “كوباني” وأنها تنسق مع القيادات الكردية للحيلولة دون سقوط هذه المدينة بيد “داعش”. وهي تريد من وراء ذلك إقناع الأكراد بالمضي قدما بموضوع التسوية الذي تتحدث عنها الحكومة التركية بطريقة يملأها الفتور في الأشهر الماضية.

وبناء على هذه التصورات، لم يسلم الموقف التركي من التشكيك به، إذا لو امتنعت الحكومة التركية عن التدخل تكون ” متواطئة” مع ” داعش”، وإذا سمحت لقوات “البشمركة”، بالعبور عبر أراضيها إلى مدينة العرب” كوباني” تكون تستهدف وحدة الصف الكردي.

ثانيًا- خلفية الموقف التركي من عين العرب” كوباني”:

تتعلق خلفية الموقف التركي من عين العرب”كوباني” بحساسية تركيا تجاه المسألة الكردية بشكل عام؛ فتركيا دخلت في صراع مرير مع الأكراد المطالبين بالاستقلال لأكثر من ثلاثة عقود، وهو  الصراع الذي سقط فيه عشرات آلاف الضحايا من الجانبين. وفي عام 2012م، أطلقت الحكومة التركية السابقة في عهد رجب طيب أردوغان عملية سياسية سلمية مع حزب العمال الكردستاني لوقف الصراع المسلح مقابل منح مزيد من الحقوق للأكراد الأتراك. غير أنّ تلك العملية لم تصل بعد إلى بر الأمان، وتخشى تركيا أن يسهم انتصار كردي سوري في عين العرب”كوباني” في إنعاش أحلام الانفصال التي تراود الأكراد الأتراك، خصوصًا أنّ أكراد العراق يتمتعون عمليا بالاستقلال.

والحكومة التركية لا ترى اختلافًا بين ” وحدات حماية الشعب” الكردية التي تدافع عن عين العرب”كوباني” وحزب العمال الكردستاني التركي، الذي تصنفه بأنه منظمة إرهابية. بالإضافة إلى أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تتبع له تلك الوحدات كان قد أغضب الحكومة التركية السنة الماضية عندما أعلن عن إنشاء حكم ذاتي في شمالي شرقي سورية بعد انسحاب قوات السلطة الحاكمة في سورية منها، كما أنه ما زال يرفض  الانضمام إلى المعارضة السورية التي تحاربها. بل إنّ المعارضة السورية تتهم الحزب بأنّ له علاقات تحالفية مع  حكم الأسد.

وبسبب هذه الحسابات والحساسيات، فإنّ الحكومة التركية تجد نفسها بين فكي كماشة. فمن جهة، يثير عدم مساعدتها للأكراد في عين العرب غضب حلفائها الغربيين، ويهدد بإفشال اتفاقية السلام مع أكرادها، وبخاصة بعد أن هدد زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، المعتقل بتركيا، بإنهاء محادثات السلام معها إن حدثت مذبحة للأكراد في كوباني.

ولم يك الموقف التركي ودوافعه وأسبابه المشار إليه آنفًا، بمنأى عن اتهامه من قبل الأحزاب كردية وحتى بعض أحزاب المعارضة التركية مثل حزب الشعب الجمهوري “بالتواطؤ” مع مقاتلي الدولة الإسلامية، لثنيها عن موقفها مما يجري في مدينة عين العرب” كوباني” قبل سقوطها النهائي بيد “تنظيم الدولة”، حيث تصاعدت المظاهرات الكردية في عدد من المدن التركية، وبخاصة في مناطق جنوبي شرقي الدولة ذات الأغلبية الكردية احتجاجًا على موقفها. وهو الأمر الذي أسفر عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى. وعلى الرغم من هذه المظاهرات إلا أن سياسة تركيا  لم تغير- لغاية الآن-  تجاه مدينة عين العرب” كوباني”.

وقد أثار طلب الأحزاب الكردية، وحزب الشعب الجمهورية الحكومة التركية للتدخل لمساعدة مدينة عين العرب” كوباني استغرابها، في الوقت الذي كانت تحذرها سابقًا من أي تدخل في الشأن السوري طوال السنوات الثلاث الماضية. فعندما أقرت الجمعية الوطنية التركية (البرلمان) مشروع قانون في تشرين الأول/ أكتوبر 2012م، يمنح المؤسسة العسكرية تفويضًا مدته سنة واحدة لنشر قوات برية تركية خارج حدود الدولة التركية، عارضه نواب حزب الشعب الجمهوري وحزب السلام والديمقراطية الكردي، واعتبر حزبا الشعب الجمهوري، والحركة القومية حينها أن السلطة الحاكمة في سورية تسلح حزب العمال الكردستاني وتجهز أحد فروع الحركة الكردية الانفصالية على طول الحدود التركية السورية من أجل الانتقام من سياسية تركيا تجاهها.

ومن المفيد الإشارة هنا الى أن مرد التباين بين الحكومة التركية من جهة والأحزاب الكردية والمعارضة التركية من جهة أخرى بشأن الحالة السورية، يعود إلى عدم اتفاقهما على تحديد مصدر التهديد الأول على الأمن القومي التركي وعلى مصالحهما الحزبية أيضًا، فالحكومة التركية ممثلة بحزب العدالة والتنمية ترى ان التهديد يكمن في بقاء حكم الرئيس بشار الأسد، أما الجهة الثانية ذات التوجهات القومية والفكرية المتناقضة فيما بينها منذ نشوء الدولة التركية المعاصرة وحتى وقتنا الحاضر -وهي المفارقة هنا- اتفقت على أن “تنظيم الدولة  في العراق وبلاد الشام” هو المصدر الأول للتهديد؛ لذ فهي تطالب الحكومة التركية بالتدخل ليس لإنهاء حكم الرئيس بشار الأسد، بل للقضاء على ذلك التنظيم ايضا.

ثالثا- انعكاس الموقف التركي على علاقاتها مع إقليم كردستان العراق”:

لم تمنع العلاقات الدبلوماسية المتقدمة والشراكة الاقتصادية بين الحكومة التركية وحكومة إقليم كردستان العراق، من استياء الأخيرة من الموقف التركي من عدم التدخل لمساعدتها في صد هجوم  مقاتلي”داعش” الذي اقترب من حدود الإقليم في حزيران/ يونيو الماضي، واستيائها أيضًا من عدم تماهيها مع الموقف الأمريكي والغربي الداعم للأكراد في قتالهم ضد مقاتلي”داعش” منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، في مدينة عين العرب ” كوياني” الواقعة محافظة حلب شمالي سورية.

وفي هذا الصدد يقول الكاتب السياسي” علي آيدين تاس باس” في صحيفة “ملييت” التركية” :”بأنه هناك خيبة أمل عميقة لدى الاقليم مع أنقرة” ويضيف :” لقد أصابتهم خيبة أمل من حجم المساعدة التي يتلقونها من أنقرة. في الواقع كانت أربيل على وشك السقوط والمعنويات كانت منخفضة، عندما تحدث الكرد مع تركيا بشأن التطورات الأحداث، فإن ما سمعوه من الجانب التركي كان نرغب بالمجيء ومساعدتكم على نحو قوي لكن لدينا 49 رهينة. وهذا لا يظهر فقط بوجود أزمة، لكن الأتراك قد أوضحوا أن هذا التحالف الإستراتيجي قد فشل في أول اختبار إسترايجي له، ولذا فأنه ليس تحالفًا إستراتيجيًا.”

وبحسب “نوراي ميرت” الباحثة في العلوم السياسية بجامعة إسطنبول فإن الهجوم الذي قام به مقاتلو”داعش” قد أضر بسمعة كل من حكومة إقليم كردستان العراق ورئيس الإقليم مسعود بارزاني. وتقول الباحثة” قد أضر بسمعة كل من حكومة إقليم كردستان كثيرًا على الصعيدين العسكري والدبلوماسي، وعلى نحو خاص حزب رئيس الإقليم مسعود بارزاني الذي يملك تحالفًا وثيقًا مع الحكومة التركية. لذا كان لتنظيم “داعش” تأثير هائل على العلاقات الكردية التركية عمومًا وعلى علاقات الرئيس مسعود بارزاني مع الحكومة التركية على نحو خاص.

أما عن استياء حكومة إقليم كردستان من الموقف التركي تجاه القتال في مدينة عين العرب ” كوباني” فقد تمثل بأن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني هو الذي طرح على الولايات المتحدة الأمريكية فكرة تقديم الدعم المسلح للأكراد عبر الإسقاط الجوي.

مما تقدم، نرى أن استياء حكومة  إقليم كردستان من الموقف التركي سواء في هجوم تنظيم ” داعش” على أربيل أم على مدينة عين العرب “كوباني” لن يصل إلى مستوى التوتر الدبلوماسي بينهما كما كان عليه في الفترة الواقعة  بين عامي 2002م ـــ2007م. فالمصالح المشتركة بينهما قد تجنبهما ذلك. وما أدل على ذلك مثل حجم التبادل التجاري بينهما الذي بلغ في نهاية عام 2013م، ما يقارب 11 مليار دولار أمريكي، ثم ان 70 بالمئة من مجمل التجارة الخارجية بين والعراق هي مع إقليم كردستان العراق، كما أن التجارة مع الإقليم تزيد على حجم التجارة مع سورية ولبنان والأردن معًا.

أما في مجال الشركات العاملة في كردستان العراق، فقد حازت الشركات التركية على النصيب الأوفر من الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المهمة بين الشركات الاجنبية العاملة في الإقليم. حيث زاد عددها في مجال المشاريع الخدمية والعقارية على أكثر من ألف  شركة تعمل فيه. وبهذا أصبحت تركيا الشريك التجاري الأول لحكومة إقليم كردستان العراق.

وقد اسهم التبادل التجاري بينهما إلى تسهيل الانتقال إلى مرحلة استراتيجية ذات أهمية كبيرة في التعاون الاقتصادي بينهما، وهو التعاون في مجال الطاقة بمعنى إقامة خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز من الإقليم إلى تركيا ثم تصديره للأسواق الدولية. إن تعاون تركيا مع حكومة كردستان العراق في مجال الطاقة، جعل منها لاعبًا رئيسًا في السياسة العراقية، وأضحى لديها الكثير من المكاسب نتيجة الانخراط فيها. وبخاصة في مجال الغاز الطبيعي.

أما إقليم كردستان فيسعى لاستخدام النفط والغاز لتأمين مستقبله الاقتصادي والإبقاء على مستويات النمو الحالية، وإعادة بناء البنية التحتية، والحصول على استقلالية نسبية عن الحكومة الاتحادية في بغداد باتخاذ القرارات المرتبطة بموضوع الطاقة، وبخاصة بعد الفشل في حلّ الملفات العالقة معها؛ ما عزز المصالح المشتركة وفرص التعاون بين أنقرة  وأربيل في مجالات الطاقة لاعتبارات كثيرة، لكن أهمها تعلق بالجغرافيا الطبيعية.

الخلاصة:

تحرص كل من الحكومة التركية وحكومة إقليم كردستان العراق بقدر الإمكان على تحييد ما جرى في هجوم تنظيم” داعش” على أربيل ومدينة عين العرب” كوباني” في التأثير السلبي على علاقاتهما الثنائية، فعلى الرغم من عدم رضا حكومة إقليم كردستان من الموقف التركي، وغضب الحكومة التركية من فكرة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني بإسقاط جوي للأسلحة للمقاتلين الأكراد في مدينة عين العرب” كوباني”، إلا أن ذلك لم يؤثر على علاقاتهما الثنائية في مختلف المجالات، وما عدم استجابة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس الإقليم مسعود بارزاني للبيان الذي أصدره حزب الاتحاد الوطني الكردستاني طالبًا فيه قيادة الإقليم بمراجعة علاقاته مع تركيا، ومُشككا في دورها الراهن إزاء ما تتعرض له مدينة عين العرب” كوباني “من هجوم تنظيم” داعش” إلا دليل على حرص حكومة الإقليم ورئيس الإقليم في الحفاظ على علاقاته المتميزة  مع تركيا في المرحلة الراهنة، والذي لم يلمها بعد على موقفها من عين العرب” كوباني” إلا أنه في ذات الوقت ستبحث حكومة إقليم كردستان العراق عن المزيد من الحلفاء كي لا تبقى مُعتمدة على الحكومة التركية لوحدها. وهي مسألة ستكون موضع اهتمام لدى كل من إيران والحكومة العراقية. ولعل الاتفاق الذي تم في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الحالي بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق- وفي هذا التوقيت- حول صادرات النفط مؤشر الى ذلك.

د.معمر خولي

الكلمات الدلالية :تركيا ، كردستان العراق ،البشمركة،داعش،عين العرب”كوباني”