لن تتسم علاقة الولايات المتحدة مع إيران بالسهولة أبدا، كما لن يكون حتى استعداد الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، إلى العودة للانضمام للاتفاق النووي الإيراني، المعروف أيضا باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، مفيدا كثيرا.
وقد أوضح بايدن أن هدفه يتمثل في امتثال إيران، بحسب ما ذكرته وكالة “بلومبرغ” للانباء. ولكن هل سيؤدي الغضب بشأن مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، والفرصة الضئيلة قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في حزيران/ يونيو المقبل، إلى استبعاد الدبلوماسية على المدى القريب؟ على الأرجح لا، وذلك لأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يعلم أن بلاده بحاجة إلى تخفيف العقوبات، ولكنه سيمارس الضغط على الولايات المتحدة من أجل تخفيف العقوبات قبل أن تقوم إيران بأي شيء.
ويمكن للإيرانيين العودة إلى الامتثال للاتفاق المبرم عام 2015، من خلال احترام القيود المفروضة على عدد أجهزة الطرد المركزي الخاصة بهم، والمستوى الذي يمكنهم تخصيب اليورانيوم إليه، وكمية اليورانيوم منخفض التخصيب الذي يمكنهم جمعه، وتفكيك سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وما إلى ذلك.
ومن جانب الولايات المتحدة، فإنها يمكنها تعليق العقوبات من جديد، مما سيوفر الفرصة لإغاثة اقتصادية تشتد حاجة الإيرانيين إليها. ولكن الأمر سوف يستغرق ما يتراوح بين أربعة وستة أشهر حتى تعود إيران للامتثال للاتفاق النووي.
ولكن، هل ستقدم الإدارة الأمريكية الجديدة على تخفيف العقوبات بينما تستمر إيران في انتهاك قيود “خطة العمل الشاملة المشتركة”؟ إن الإيرانيين لا يصرون على الاستمرار في ذلك فحسب، ولكنهم يطالبون أيضا بالتعويض عن تكلفة العقوبات التي فرضتها عليهم إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، مدعين ببعض التبرير أنهم استمروا في احترام التزاماتهم بموجب بنود “خطة العمل الشاملة المشتركة” لمدة عام كامل بعد أن توقف ترامب عن احترام التزامات الولايات المتحدة.
وحتى في حال رفضت الإدارة الأمريكية الجديدة تقديم تعويضات، ولكن قدمت تخفيفا فوريا للعقوبات، في ظل مجرد بدء إيران في اتخاذ خطوات للامتثال للقيود مرة أخرى، فإنه من المرجح أن يعترض المنتقدون الجمهوريون لـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” في الكونغرس، بحسب ما ذكرته “بلومبرغ”.
وسوف يفسرون أي تحركات تقلل من نفوذ الولايات المتحدة بأنها خطأ جوهري، بينما لا تمتثل إيران ولا تغير أيا من سلوكياتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.
ومن المثير للسخرية، أنه من المرجح أن يتسبب ذلك في حدوث مشكلة لكل من الرئيس المنتخب، الذي يرغب في استعادة الشراكة الثنائية في السياسة الخارجية، ولإيران، التي سوف يرغب قادتها في الحصول على ضمان بأن أي اتفاق لن يتم نقضه في عام 2024 في حال أدت الانتخابات الأمريكية وقتها إلى تولي إدارة مختلفة.
وسيتعين على إدارة بايدن التوفيق بين عدد من النزاعات إذا كان من شأن سياستها تجاه إيران أن تحظى بأي فرصة للنجاح.
أولا، ترغب الدول الأوروبية في أن تعود الولايات المتحدة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة”، بينما من المرجح أن يعارض معظم الجمهوريين في الكونغرس أي عودة إلى الاتفاق النووي الذي لا يتعامل مع أحكام الآجال المحددة، أو الصواريخ الباليستية، أو إثارة إيران للمشاكل في الشرق الأوسط.
ثانيا، سوف تشعر الإدارة الجديدة بوجود حاجة ملحّة لإعادة فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني، حتى بينما تتناول القضايا الأخرى، ولكنها لا تريد أن تجعل التفاهمات بشأن البرنامج النووي رهينة للتقدم الخاص بالصواريخ الباليستية أو التحديات الإقليمية.
ثالثا، يدرك الرئيس المنتخب أن كلا من إسرائيل والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ترغب في الحصول على تطمينات بشأن تحركات الولايات المتحدة تجاه إيران، خوفا من أن يتصرفوا بطرق من الممكن أن تؤدي إلى تعقيد الاستراتيجية الأمريكية.
إلا أن تلك الدول متشككة بشأن “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وتخشى أن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها مبكرا، كما أنها قلقة من أن تؤدي مصالح إدارة بايدن في عملية التفاوض إلى غض الطرف عن تهديدات إيران لجيرانها.
وأخيرا، حتى في الوقت الذي تسعى فيه إدارة بايدن إلى الحفاظ على نفوذها على إيران وإظهار التكاليف الباهظة لسلوكها السيئ، فإنها ترغب أيضا في أن تكون قادرة على تقديم حوافز لسلوك أفضل تجاه جيرانها الإقليميين، بحسب ما ذكرته “بلومبرغ”.
(د ب أ)