في مقال تحت عنوان: “ماكرون يغوص في المستنقع اللبناني”؛ قالت صحيفة لوموند الفرنسية إنه بعد صدمة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب الماضي، أصبح لبنان قضية رئيسية في الدبلوماسية الماكرونية (نسبة إلى الرئيس الفرنسي ماكرون). فبدعوته بلاد الأرز للتغيير السياسي، جذب الرئيس الفرنسي الجماهير، لكنه سرعان ما اصطدم بالقوة الجامدة للنظام السياسي اللبناني.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن ماكرون وعد الشعب اللبناني، في السادس من أغسطس/ آب، بالعودة إلى بيروت في الأول من سبتمبر/ أيلول للتحقق مما إذا كان القادة المحليون على قدر المهمة. وفِي التاسع من أغسطس/ آب، نظمت فرنسا مع الأمم المتحدة مؤتمرا دوليا لدعم الشعب اللبناني، تعهد فيه المشاركون بجمع أكثر من 250 مليون يورو كمساعدات طارئة. لكن، تم تحديد شرط واحد، وهو أن الأموال لن تمر عبر المؤسسات اللبنانية باستثناء الجيش. كما تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع العديد من القادة الأجانب، بمن فيهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، وذلك بهدف الحدّ من التدخل الخارجي في لبنان.
غير أن “لوموند” أوضحت أن هناك عاملاً آخر يلقي بثقله على الخطوة الفرنسية ويتمثل في إدارة ترامب، التي كلما يهمّها هي إيران وبرنامجها النووي وطموحاتها في المنطقة من خلال جماعات مسلحة كحزب الله. فبعد أسبوع من زيارة ماكرون لبيروت، أعلنت واشنطن فرض عقوبات على وزيرين سابقين من حلفاء حزب الله. ويبدو أن المقاربة الشاملة للإليزيه لا تتناسب وذوق الولايات المتحدة، التي انتقد وزير خارجيتها مايك بومبيو في أعمدة صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، “تمسك باريس بوهم أن هناك جناحاً سياسياً لجماعة حزب الله”. وفِي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون، وزعيم “التيار الوطني الحر” الحليف الرئيسي لحزب الله.
وقبل عودة ماكرون إلى بيروت بداية سبتمبر/ أيلول كما وعد بذلك، تحدث الإليزيه عن الحاجة إلى “تجميد الوقت السياسي” في لبنان. وتمت الدعوة إلى تشكيل “حكومة مهمة” من أجل قيادة الإصلاحات في البلاد. وبدا تعيين مصطفى أديب رئيس وزراء جديد، عشية وصول الرئيس الفرنسي، علامة إيجابية نادرة. غير أن الخلافات الداخلية سرعان ما عادت لتطفو على السطح من جديد، وتفاقمت بفعل العقوبات الأمريكية. وأمام عجزه، لم يصمد مصطفى أديب سوى بضعة أسابيع فقط، قبل عودة سعد الحريري.
ولَم ترَ أي حكومة النور، لتعود الطبقة السياسية إلى الانتظار. حيث باتت تراقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وذلك من أجل ”فهم” الموقف المستقبلي لواشنطن. فلبنان، يبقى “كازينو” حيث يراهن المرء انطلاقا من هوية موزع الورق، ويبرع قادة هذا البلد في هذا الأمر، كما تقول ”لوموند”، موضحة أن انهيار لبنان مستمر.
ومضت الصحيفة إلى القول إن باريس “تراهن على الحصان الخطأ”، موضحة أن المحاورين الذين التقى بهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيروت في الأول من سبتمبر/ أيلول الماضي، هم أوصياء على نظام فاسد يغذيهم، وليس لديهم مصلحة في إصلاحه أو إدانته. خاصة وأن ضغط الشارع لم يشتد بعد انفجار مرفأ بيروت في السادس من أغسطس/ آب المنصرم، رغم استقالة رئيس الوزراء حسان دياب بعد ذلك بستة أيام. كما أن المعارضة المدنية المنقسمة وغير المجسدة بما فيه الكفاية والمحبطة ببساطة، تحولت إلى التضامن الطارئ للمحتاجين والمشردين من جراء كارثة انفجار المرفأ.
وخلال زيارته إلى بيروت في بداية سبتمبر الماضي، رحب ماكرون باعتماد خارطة طريق وافق عليها الجميع، بشأن الجدول الزمني للإصلاحات، بما في ذلك مراجعة حسابات مصرف لبنان وحل أزمة الكهرباء وتشكيل هيئة لمكافحة الفساد. وقبل ذلك، كان من المقرر تشكيل الحكومة في غضون خمسة عشر يوماً، وهو موعد نهائي لم يتم الوفاء به ، آخر. “الإعلان عن التوقيت كان خطأ، كان لفتح الطريق أمام أولئك الذين لا يريدون الصيغة الفرنسية، لتخريبها” كما قال أحد المراقبين في غضون خمسة عشر يوما، وهو ما لم يتحقق كذلك.
وأوضحت “لوموند” أن سياسيين بارزين، في بيروت، يواصلون تقديم المبادرة الفرنسية على أنها طريق الخلاص؛ قائلة إنه إذا كانت الزيارة الثالثة التي كان مقررا أن يقوم بها ماكرون إلى لبنان في 22 ديسمبر/ كانون الأول الجاري هي في الأساس لتحية القوات الفرنسية الموجودة هناك قبل أن يتم إلغاء الزيارة بسبب إصابته بكوفيد-19. مع ذلك، فإن استثماره السياسي في بلاد الأرز خلال النصف الثاني من عام 2020، سيظل جزءاً رئيسياً من سياسته الخارجية، من خلال طموحه والكلمات التي استخدمها، والتي أدت إلى الاعتقاد “خطأً”، أن الطبقة السياسية المحلية أضحت تحت اشرافه، بينما كانت هذه الأخيرة تكافح من أجل بقائها. فتحطمت رغبة ماكرون في مواجهة واقع السياسة اللبنانية.
القدس العربي