يوشك عام 2020 على النهاية، محمّلاً بكمّ هائل من الأزمات والخيبات التي عصفت بالعراق سياسياً واقتصادياً وأمنياً، في حين يحاول العراقيون استقبال العام الجديد بنوع من الأمل الحذر لعله يكون مغايراً عن سابقه، الذي مثّل أحد أكثر الأعوام صعوبة خلال السنوات الأخيرة.
الاقتصاد في صدارة أمنيات العراقيين
وعلى الرغم من الأزمات السياسية والأمنية الحادة التي مرّت على العراق خلال عام 2020، إلا أن للاقتصاد الحيّز الأكبر من أمنيات المواطنين، الذين أثقلت كاهلهم هواجس كثيرة بهذا الشأن، بعد عام عصيب مليء بالإشكالات المالية.
على بعد أشهر قليلة من بداية العام الماضي، بدأ انتشار فيروس كورونا، الذي كان بمثابة إعلان حرب إضافية على العراقيين المتخمين بالأزمات والمفتقرين إلى مؤسسات رصينة تقلل من وطأة الضغوط عليهم.
واجه العراقيون عام 2020، إشكالات اقتصادية عدة وصلت إلى حد وصفه بـ”أحد أقسى الأعوام” التي مرت على البلاد منذ سنوات طويلة، إذ انعكست أزمة فيروس كورونا بشكل مباشر على معدلات الفقر والبطالة، وعطلت مجمل النشاطات الاقتصادية والاستثمارية، وأثرت بشكل مباشر في الاقتصاديات الصغيرة، فضلاً عن تسببها بانهيار أسعار النفط عالمياً، الأمر الذي أدى إلى إخفاق الحكومة أكثر من مرة في تسديد رواتب الموظفين في موعدها.
لم تقتصر الإشكالات على رواتب الموظفين فقط، بل استمر العجز في موازنة البلاد المعتمدة بشكل شبه كامل على النفط، ما اضطر الحكومة إلى الاقتراض مرتين لتسديد التزاماتها واجبة الدفع، إذ وصلت حدود الاقتراض الداخلي في العام الحالي إلى نحو 27 تريليون دينار (حوالى 18.5 مليار دولار)، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على معدلات التنمية والاقتصاد المحلي.
ويضاف إلى جملة التحديات الاقتصادية التي واجهها العراق، قرار الحكومة العراقية رفع سعر صرف الدولار أمام الدينار في الشهر الأخير من عام 2020، ليشكّل تحدياً إضافياً كبيراً أمام العراقيين، ويسهم في زيادة في الأسعار بشكل ملحوظ.
ربع سكان العراق تحت خط الفقر
يبدو أن معدلات الفقر في العراق كان لها نصيب واضح من تركة عام 2020 الثقيلة، فوصلت إلى حدود غير مسبوقة، بسبب انعكاسات الانكماش الاقتصادي بشكل مباشر على حياة المواطنين، الأمر الذي يثير بشكل كبير مخاوفهم ويحدد آمالهم للعام المقبل.
وفي تصريح قبيل السنة الجديدة، كشف المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي، الأربعاء 30 ديسمبر (كانون الأول)، عن ارتفاع نسبة وعدد المواطنين تحت خط الفقر بواقع مليونين و700 ألف شخص، بسبب جائحة كورونا، بحسب دراسة أعدتها الوزارة بالتعاون مع البنك الدولي ومنظمة “يونيسف”.
وقال الهنداوي إن “عدد الفقراء قبل الجائحة كان 6 ملايين و9 آلاف شخص، يضاف إليهم الرقم الجديد الذي تحقق بفعل الوباء”، مشيراً إلى أن “عدد الفقراء بالنسبة المئوية من المجتمع أصبح بواقع 31 في المئة، والعدد الكلي للفقراء بلغ 9 ملايين و600 ألف حتى الآن”.
تأتي كل تلك العوامل لتشكل ضغوطاً كبيرة أمام العراقيين نهاية العام الحالي، إذ باتت آمالهم مقتصرة على متطلبات الحياة الأساسية، في ظل المخاوف الكبيرة من استمرار انهيار الأوضاع اقتصادياً.
ويقول نواف إياد، وهو موظف في إحدى الشركات الخاصة، إن “آمالنا كعراقيين لم تعُد كما بقية شعوب العالم تتعلق بالرفاهية وتوفير معيشة أفضل، بل باتت مقتصرة على إيقاف التدهور والعودة إلى الوضع الذي سبق إشكالات العام الماضي”.
ويضيف، “هذا العام كان متعباً، ربما لا تفكر الدولة ومؤسساتها إلا في ما يرتبط بموظفي القطاع الحكومي، لكننا تأثرنا بشكل أكبر، فتوقفت أعمالنا في أكثر من مرة وخسائرنا باتت أكبر”.
وعن أمنياته للعام الجديد، يقول “يبدو أن الأمنيات لم تعُد متاحة للعراقيين، فأعوامنا متشابهة في ظل الوضع السياسي الحالي، إلا أنها بشكل عام تتعلق بتحسين الظروف الاقتصادية وتوفير فرص العمل التي باتت شحيحة، نظراً إلى عدم توفير الدولة أي اهتمام لقطاعات الأعمال”.
ربما لم تعُد آمال العراقيين كبيرة، بعد تراكم الخيبات خلال السنوات الماضية والشعور العام بعزلة السلطة عن مواطنيها، ما زاد من مناسيب المخاوف لديهم على حساب الآمال.
ويقول محمد علي، وهو سائق تاكسي، “لا أتمنى في العام المقبل سوى ألا تتكرر مأساة حظر التجوال التي رافقت انتشار فيروس كورونا”، مردفاً “خسرنا الكثير… والإشكالات الاقتصادية التي تسبب بها تفشي الوباء لا تزال أثارها فينا، خصوصاً أن الدولة غير معنية بحياتنا أو مدخولنا”.
ويضيف، “غالبية الكسبة غير المرتبطين بالدولة تضرروا، ووقعت عليهم ديون عدة نتيجة توقف الأعمال لأكثر من مرة، ونأمل ألا يتكرر هذا الوضع مرة أخرى… لا تتجاوز آمالنا سوى هذا الحدّ البسيط”.
الدولة وأولويات الشباب
الفساد وتراكم الأزمات السياسية والاقتصادية، جعلت من البحث عن تحوّل سياسي في العراق أمراً ملحّاً، ربما يتصدر قائمة أمنيات الشباب العراقي، إذ بلغت سطوة السلاح المنفلت على الدولة ذروتها خلال عام 2020، فضلاً عن الإخفاقات الكبيرة في إدارة البلاد.
ويرى الكاتب دياري الفيلي أن “الرغبة باتت شبه ملحة لدى المجتمع العراقي في حصول تحوّل سياسي حقيقي وتراجع سطوة الفساد وأدواته واستعادة الدولة مكانتها وحضورها”، مشيراً إلى أن هذه الرغبة “ربما تمثّل المحور الرئيس لأمنيات العراقيين في العام المقبل”.
ويضيف، “كثير من المواطنين يبحثون عن إعادة إنتاج المنظومة القيمية التي اهتز الكثير من مرتكزاتها، بعدما تحوّل الفساد إلى فعل ممنهج تمارسه أدوات الدولة، الأمر الذي عرّض العلاقة بين السلطة والمجتمع إلى اختلال كبير”.
ويتفق مراقبون عدة على أن تعافي الاقتصاد العراقي يمثل إحدى أبرز الأمنيات للعام المقبل، إذ يلفت الفيلي إلى أن “العام الحالي حمل الكثير من الإخفاقات في إدارة الأزمة الاقتصادية وجعلها في صدارة قائمة اهتمامات العراقيين”.
ولعل واحدة من أبرز الأمنيات المشتركة لدى العراقيين، بحسب الفيلي، ترتبط بـ”ضرورة إيجاد حلول للأزمات الدولية والإقليمية التي باتت تلقي بظلالها بشكل مباشر على العراق، وعلى رأسها الصراع الأميركي- الإيراني”.
مخاوف تقابل الأمنيات
وفي مقابل الأمنيات، تبدو مخاوف العراقيين من احتمال أن يكون عام 2021 مشابهاً لسابقه حاضرة، إذ يعتقد الفيلي، أنها “ترتبط بتراكم الأزمات وغياب التخطيط والسلوك العقلاني لقوى السلطة في البلاد وعدم ثقة الجمهور بإمكانية أن تقود تلك القوى حراك بناء الدولة الأمة”.
ويشير إلى ثلاثة مخاوف رئيسة لدى العراقيين ربما تعرقل أمنياتهم بعام أفضل، تتعلق بـ”انفلات القوى المسلحة وهيمنتها على الشارع والتفاعلات الاجتماعية وإخفاق الحكومة في إدارة الأزمة الاقتصادية بشكل جيد، فضلاً عن ملف الانتخابات المقبلة وإمكانية إجرائها في موعدها، بعيداً من تأثير السلاح والمال السياسي وجدوى تنظيمها في ظل سيطرة هذه العوامل على الوضع العام في البلاد”.
وبشأن الحراك الاحتجاجي ومآلاته خلال العام المقبل، يلفت الفيلي إلى أن “مستقبل الحركة الاحتجاجية في العام المقبل ربما يكون التساؤل الأبرز لدى طبقة الشباب العراقيين، وإمكانية أن تعيد إنتاج نفسها أو تتحوّل إلى حراك حزبي يخوض الانتخابات”، مبيّناً أن “الهاجس الأكبر لدى الشباب يتمثل في احتمالية أن يتشظى هذا الحراك من دون إحداث التغيير المرجو”.
ويختم أن “جملة المخاوف والأمنيات تلك تشكل محاور نظرة العراقيين إلى العام المقبل”، مشيراً إلى أنه “على الرغم من ارتفاع مناسيب اليأس لدى العراقيين، إلا أنها تحمل أيضاً بوادر أمل، خصوصاً أن التجربة العراقية تاريخياً تثبت أن اليأس يقود إلى انفجارات مجتمعية قد تعلن انتهاء مرحلة ما بعد 2003 وتؤسس لإنتاج مشهد سياسي واجتماعي جديد”.
مأزق حرية الصحافة
وكان لحرية الصحافة والتعبير عن الرأي في العراق نصيب كبير من الإشكالات خلال العام الحالي، إذ مثّل أحد أشد الأعوام قسوة في هذا الإطار، مع غياب أدوات الدولة وقصورها في توفير الحماية للصحافيين والناشطين.
وأجرت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، الأربعاء 30 ديسمبر، إحصائية حول عدد حالات الانتهاك التي طالت الصحافيين خلال عام 2020.
وذكرت الجمعية في تقريرها أن “305 حالات انتهاك حصلت ضد الصحافيين والصحافيات في مختلف المدن العراقية، وشملت أشكالاً عدة، وهي: اغتيال وتهديد بالقتل والتصفية الجسدية واعتقال واحتجاز واعتداء بالضرب ومنع وعرقلة التغطية ومصادرة معدات تصوير وهجمات مسلحة طالت صحافيين ومؤسسات إعلامية وإصابات للصحافيين والصحافيات، فضلاً عن إغلاق مؤسسات”.
وأشار التقرير إلى أن “الانتهاكات توزعت وفق المحافظات، فقد شهدت 17 محافظة أنواعاً من الانتهاكات ضد صحافيين وصحافيات، تتصدر لائحتها العاصمة بغداد، بوصفها الأكثر تضييقاً على حرية العمل الصحافي للعام الثاني على التوالي، بتسجيلها 61 حالة انتهاك، تليها كركوك بـ58 حالة”.
ولفت التقرير إلى أن “إقليم كردستان سجّل تراجعاً خطيراً في مجال حرية الصحافة، على الرغم من نفاذ قوانين محلية تدعمها إلى جانب الإعلام وحق الحصول على المعلومة، لا سيما بعد الاحتجاجات الأخيرة المطالبة بالإصلاح التي شهدها الإقليم”.
وبيّن التقرير أن “الساحة العراقية عاشت نوعاً جديداً من الانتهاكات تمثّل بمهاجمة وتهديد جماعة تنتمي لجهات تحمل أجندة سياسية، لعدد من وسائل الإعلام، كانت تهدف إلى الضغط على تلك الوسائل لتغيير خطابها”.
في السياق ذاته، يقول الكاتب والصحافي مصطفى المسعودي إن “الآمال معقودة على عام 2021 بألا يكون مشابهاً للعام الحالي الذي مثّل أحد أكثر الأعوام قسوة على حرية التعبير عن الرأي، وسط سيادة السلاح المنفلت واستمرار الانتهاكات بحق الصحافيين والناشطين وضعف أداء الأجهزة الأمنية لدورها وعجزها عن توفير الحماية”.
ويعبّر عن أمله في أن يكون عام 2021 “بداية لحسم ملف حرية الصحافة وإيجاد حلول للمأزق الكبير الذي مرّت به عام 2020، الذي جسّد ذروة الانتهاكات بحق الصحافيين وأصحاب الرأي والمؤسسات الإعلامية من قبل جماعات مرتبطة بأحزاب سياسية”.
آمال بعودة الاحتجاجات
وفي سياق آمال ناشطي الانتفاضة العراقية، فعلى الرغم من تراجع الحركة الاحتجاجية، إلا أن شبابها لا يزالون يحتفظون بنوع من الأمل والأمنيات في احتمالية تجدد حراكهم خلال عام 2021، بعد عام صعب تعرّض فيه حراكهم إلى هزات عدة، من استمرار للقمع والملاحقة والاغتيالات، وصولاً إلى التأثير المباشر لتفشي فيروس كورونا وانحسار الحراك بشكل كبير.
ويقول الناشط مهتدى أبو الجود إن “العزلة بين المجتمع والطبقة السياسية بلغت ذروتها خلال عام 2020، ولم يعُد الشباب يأملون في أن تخرج تلك الطبقة التي تمثل المأزق العراقي بحلول للأزمات”، مبيّناً أن آمال الشباب العراقي تتلخص بـ”انحسار تفشي فيروس كورونا خلال العام المقبل للعودة مرة أخرى إلى الاحتجاج”.
ويضيف، “بات الشبان العراقيون يؤمنون بأن الطريقة الوحيدة للتغيير وبناء الدولة تتمثل بالاحتجاج، سواء في العام المقبل أو الذي يليه”، مشيراً إلى أن “العودة إلى الساحات هي الحلم الوحيد الذي يراودنا في العام المقبل”.
وعلى الرغم من أمنيات عدة يحملها العراقيون في عام 2021، إلا أن بوادر انحسار الإشكالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لا تبدو متحققة حتى الآن، فضلاً عن التوترات الأمنية التي ما زالت تمثّل أحد أكبر العوائق في وجه الدولة العراقية.
أحمد السهيل
اندبندت العربي