في الفاتح من يناير/ كانون ثاني 1965، أُعلن عن انطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، متخذة من الكفاح المسلح وسيلة لتحرير كامل أراضي فلسطين التاريخية.
لكنّ تغيرات كبيرة، طرأت على فكر وسياسة وممارسات الحركة التي يتزعمها حاليا، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعد 56 عاما على تأسيسها، بحسب مراقبين.
ويرى المراقبون أن من أهم الإشكاليات التي تواجه الحركة حاليا “انغماسها في الحكم، والانقسام مع حركة حماس، والخلافات داخلها، بالإضافة إلى التطبيع العربي مع إسرائيل.
ويقول خليل شاهين، مدير “البحوث والسياسات” في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية “مسارات”، إن “فتح تواجه تحديات كبيرة ومستمرة، زاد صعوبتها الانقسام الفلسطيني”.
وتشهد الساحة الفلسطينية انقساما منذ يونيو/ حزيران 2007، عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، في حين تدير فتح الضفة الغربية، ولم تفلح العديد من الوساطات والاتفاقيات في استعادة الوحدة الداخلية.
وأشار شاهين إلى أن حركة فتح منغمسة في “حالة من الاستقطاب والانقسامات والخلافات”، مع حركة حماس من جهة، وأطراف داخلها من جهة ثانية.
ويقول إن الجزء الأكبر من ضعف قدرة “فتح” على استعادة مكانتها السابقة، سببه “التحول الذي طرأ على مهماتها وأهدافها منذ تأسيسها السلطة (عام 1994)، حيث انغمست في الحكم، فالكوادر الرئيسية من موظفي السلطة هم من فتح”.
وأضاف أن رئيس الحركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس “سعى إلى توسيع قاعدة الشبكة الموالية للسلطة والرئاسة، مع تعميق طابع الحكم الفردي في السلطة”.
وفي عام 2016، أجرت حركة “فتح” آخر انتخابات لاختيار أعضاء اللجنة المركزية، والمجلس الثوري لدورة تستمر ست سنوات.
وقال إن عباس “أدخل تحولات في بُنية الحركة، مما جعل الهيئات القيادية الأساسية في معظمها من موظفي ومسؤولي السلطة”.
وأشار إلى حالة “التشابك” بين السلطة وحركة فتح كتنظيم”، حيث “جرى استيعاب قياداتها في السلطة، وجاءت قيادات من السلطة إلى فتح، الأمر الذي أثار استياء قواعد الحركة”.
ويرى شاهين أن مجمل التحولات السابقة “جعلت برنامج الحركة يقترب من السلطة وحساباتها (…) مما يحد من القدرة على العمل الكفاحي والنضالي في مواجهة الاحتلال الذي وُجدت من أجله”.
حلفاء وتناقضات
ويلفت شاهين إلى القلق الذي خيّم على الحركة خلال العام الأخير، نتيجة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة “صفقة القرن”، ثم مسلسل التطبيع العربي مع إسرائيل، وما ترتب عليه من تغيير تحالفات الحركة والسلطة وتناقض هذه التحالفات”، بالإضافة إلى تهديد برنامجها السياسي القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967.
وأعلن ترامب في 28 يناير/ كانون الثاني 2020، خطة “صفقة القرن”، وتضمنت إقامة دولة فلسطينية في صورة “أرخبيل”، وعاصمتها “في أجزاء من القدس الشرقية”، مع جعل القدس المحتلة عاصمة موحدة لإسرائيل.
ووفق المحلل السياسي فإن “فتح” مع دخولها عاما جديدا في مسيرتها، وجدت نفسها أمام حلفاء يتصدرون مشروع التطبيع مع إسرائيل.
ويضيف موضحا: “فتح كانت تحسب نفسها ضمن محور الاعتدال العربي، وأنها حليفة طبيعة لدول الخليج والأردن ومصر، لكن نحن أمام حالة جديدة: ما بعد التطبيع”.
وخلال 2020 طبعت أربع دول مع إسرائيل هي المغرب والإمارات والبحرين والسودان، إضافة إلى الأردن (1994) ومصر (1979).
وهاجمت حركة “فتح” بشدة الإمارات والبحرين، عقب قراراتهما تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل، لكنها لاحقا خففت من حدة انتقاداتها للدولتين.
ويتابع شاهين: “لا تستطيع السلطة وفتح، الانتقال من محور لآخر، وفتح غير قادرة على الاندماج مع محور الاعتدال نفسه، لما فيه من استقطابات لا يُعرف إلى أين تتجه”.
وقال إن “فتح”، لا تستطيع الاندماج في محور الاعتدال “لأنه يضعف موقفها”، وفي نفس الوقت لا تستطيع أن تغادره خوفا من تبعات ذلك، ومنها سعي دول ذلك المحور إلى العمل على استبدال القيادة الفلسطينية الحالية.
وأكمل شاهين: “إذا استمرت قيادة فتح الحالية في رفض السلام الإقليمي والانخراط في عملية تسوية على حساب الحقوق، فإن هناك مخاوف من إسقاط القيادة ودعم أطراف أخرى في فتح مثل القيادي المفصول من فتح محمد دحلان”.
وخلال سبتمبر/ أيلول الماضي نقلت صحيفة “إسرائيل اليوم”، عن السفير الأمريكي فريدمان، قوله إن واشنطن تفكر في استبدال الرئيس الفلسطيني، بدحلان، قبل أن تعدل الخبر بالنفي.
وفي حينه، ردت اللجنة المركزية لحركة فتح بأن دحلان “مفصول من فتح منذ عام 2011، ومدان بقضايا ومتهم بجرائم ومطلوب للقضاء الفلسطيني ومن الشرطة الدولية”.
الاستفادة من المتغيرات
ويرى شاهين أن قيادة حركة فتح، ستحاول في العام الجديد “ضبط إيقاعها” مستفيدة من بعض المتغيرات كمغادرة ترامب وقدوم جو بايدن (20 يناير/ كانون ثاني)، إضافة إلى التوجه الإسرائيلي نحو الانتخابات (مارس/ آذار المقبل) إذ تراهن الحركة على فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة.
ومع مجمل التحولات الداخلية والخارجية، لا يرى المحلل الفلسطيني مفرا بالنسبة لحركة فتح، كمكون أساسي للسلطة من الانخراط في عملية التسوية السياسية (المفاوضات مع إسرائيل والمتوقفة منذ 2014)، حتى لو كانت بلا نتائج.
الانصهار في السلطة
من جهته، يتفق أسعد العويوي، أستاذ القضية الفلسطينية بجامعة القدس المفتوحة، مع شاهين، في أن حركة فتح “انصهرت بشكل كبير في السلطة الفلسطينية”، وهذا يعني أن “برنامج فتح ارتبط بشكل كبير جدا برنامج السلطة”.
وأضاف أن الاتفاقيات الدولية والثنائية مع إسرائيل “باتت تكبّل الحركة، وتكبّل أيضا مبادئها التي انطلقت من أجلها وهي التحرر والانعتاق من الاحتلال”.
ويرى العويوي أن حركة فتح لم تغير في برنامجها كحركة “وعليه يجب أن تبقى حرة في منطلقاتها وعملها، ومنسلخة عن برنامج السلطة”.
وحمّل المحاضر الفلسطيني “قيادة السلطة، التي هي قيادة فتح، المسؤولية عن الارتباط العضوي بين السلطة والحركة”.
وعلى الصعيد التنظيمي، يرى العويوي أن حركة فتح، لا زالت متماسكة، مشيرا إلى ما قدمته من “شهداء وجرحى، وأسرى الذين هم الأكثرية في سجون الاحتلال”.
وأضاف: “مبادئ ومنطلقات الحركة أكبر من أي قيادات، وفي النهاية عناصر فتح الوفية مرتبطة بمبادئ فتح ومنطلقاتها، حتى إنجاز التحرير الوطني والانعتاق من الاحتلال”.
ورغم أن صعوبة الظروف وموازين القوى لغير صالح الشعب الفلسطيني، فإن فتح –بحسب العويوي- “حركة براغماتية تتعامل مع الواقع حتى يتغير”.
وتطرق المحلل السياسي إلى المقاومة الشعبية التي تتبناها الحركة في مواجهة الاحتلال.
وقال: “المقاومة الشعبية ليست بالزخم المطلوب، المقاومة الشعبية هي أن ينزل آلاف الناس للشوارع، لكن حالة الانقسام أضرت بالفعل الشعبي الفلسطيني، الذي يجب أن يكون فعلا مستمرا على الأرض وليس نضالا موسميا”.
وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، في الفترة بين 8 و 11 ديسمبر/كانون أول، ونشر نتائجه مؤخرا، انقسامات حادة بين مؤيدي حركة فتح.
وبينت نتائج الاستطلاع أن القيادي الأسير في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي سيحصل على 25% من الأصوات في حال شكّل قائمة للانتخابات مستقلة عن قائمة فتح، في حين سيصوّت 19% فقط لقائمة حركة فتح الرسمية.
أما لو شكّل محمد دحلان قائمة انتخابية مستقلة عن قائمة فتح، فإنه يحصل على 7% من الأصوات و27% سيصوتون في هذه الحالة لقائمة “فتح” الرسمية.
(الأناضول)