أنهى لبنان 100 عام من تاريخه الحديث على انهيار شامل وأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية ونقدية. فعام 2020 هو الأسوأ على لبنان منذ المجاعة الكبرى في أوائل القرن الماضي، والتدهور الاقتصادي العميق الذي يفوق بمستواه ذلك المسجل خلال الحرب الأهلية.
عام 2020
– فقدت الليرة 80 في المئة من قيمتها وتربّع لبنان على عرش الدول التي تعاني من التضخم الأعلى بعد فنزويلا بمستويات بلغت أكثر من 350 في المئة.
– ارتفعت نسب الفقر عام 2019 من 28 إلى 55 في المئة والفقر المدقع عند 23 في المئة.
– ترنّح الاقتصاد، فتقلّص الناتج المحلي من 55 مليار دولار إلى حدود 19 مليار دولار.
– تراجع الدخل الفردي في لبنان من 7600 دولار أميركي إلى 2700.
الأحداث الأبرز خلال العام
يناير – فبراير (كانون الثاني – شباط)
عام 2020 الذي بدأ على وقع أحلام المنتفضين بتغيير النظام القائم الذي أوصل الدولة اللبنانية إلى الإفلاس، استهل العام مع سعر صرف للدولارعند حدود 2000 ليرة من سعر صرف رسمي ما زال ثابتاً عند 1515 ليرة للدولار.
وشهدت بداية العام تشكيل حكومة سُمّيت بحكومة اختصاصيين، لينتهي العام الأسوأ مع حكومة مستقيلة وسعر صرف يفوق 8500 ليرة للدولار، بعدما كان وصل إلى مستوى عشرة آلاف ليرة للدولار الواحد.
في فبراير، نالت حكومة حسان دياب الثقة، فيما يسيطر الغموض على حال الاقتصاد والمستقبل الاقتصادي والاجتماعي، وفاجأت المصارف المودعين بتخفيض سقف السحوبات بالدولار، وبات يُمنع عليهم سحب أكثر من 600 دولار شهرياً.
كما طلب لبنان رسمياً من “صندوق النقد الدولي” أن يرسل وفداً فنياً للمساعدة في وضع خطة مالية واقتصادية ونقدية شاملة لإنقاذه.
مارس (آذار)
ومن أبرز ما طبع العام 2020، تخلّف الدولة اللبنانية عن سداد مستحقاتها في بداية شهر مارس للمرة الأولى في تاريخها، ما عزل البلاد عن النظام المالي العالمي وأطلق شرارة شح الدولار وتدهور سعر الصرف.
وللمرة الأولى في تاريخ لبنان أيضاً، توقفت المصارف خلال شهر مارس عن إعطاء ورقة الدولار للمودعين، فأصبح سحب ودائع الدولار يتم بالليرة اللبنانية، كما تم تقييد سقوف السحوبات إلى مستويات متدنية في ظل أزمة سيولة تعاني منها المصارف، التي تواجه خسائر بالمليارات بسبب توقف الحكومة عن سداد التزاماتها.
أبريل (نيسان)
وشهد الشهر الرابع الكشف عن الخطة الإنقاذية للحكومة اللبنانية التي طرحت وللمرّة الأولى، تصوراً عن خسائر الدولة، فأقرّها مجلس الوزراء بالإجماع، وذلك بعد التوقف غير المنظم عن السداد وبالتعاون والتعاقد مع شركة “لازارد” الدولية. كما وافقت على تأجيل تحرير سعر صرف الليرة أمام الدولار.
الخطة الإنقاذية أغضبت الشارع والقطاع الخاص والمؤسسات المالية، كونها لحظت اقتطاعات واسعة على الودائع، فيما غابت عنها الإصلاحات الفعلية بمؤسسات الدولة المهترئة، التي يتآكلها الهدر والفساد. فسقطت الخطة وسقط معها مهندسوها من مدير عام وزارة المالية إلى المستشارين.
كما شهد شهر أبريل إقرار قانون الإثراء غير المشروع مع تعديلاته، وكُلّفت شركة “ألفاريز أند مارسال” (Alvarez and Marsal) الأجنبية التدقيق في حسابات مصرف لبنان.
وسجّل البلد خلال هذا الشهر سابقة في أسواق النقد، عبر ثلاثة أسعار صرف متداولة بالسوق:
– السعر الرسمي في المصارف عند 1515 ليرة.
– سعر السوق في البنك للمودعين الصغار: 2600 ليرة.
– السعر في السوق السوداء عند حوالى 3000 ليرة للدولار الواحد.
مايو – يونيو (أيار – حزيران)
ومن المحطات البارزة خلال الشهر الخامس، دخول لبنان رسمياً في مفاوضات مع “صندوق النقد الدولي” للحصول على مساعدات وخطوط ائتمان طارئة للحدّ من التدهور الحاصل.
وفي يونيو، ارتفع سعر الصرف بشكل كبير، فزاد على 4000 ليرة للدولار الواحد، فيما رفضت سويسرا طلب لبنان تجميد أموال محوّلة لديها بعد انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، في ظل ضغط شعبي متزايد حول استفادة الطبقة الحاكمة وأصحاب المصارف من تهريب أموالهم إلى الخارج، في وقت كانت البنوك مقفلة والمودع يترنح غير قادرٍ على سحب أمواله او الحصول على جزء منها.
اقرأ المزيد
الانهيار في لبنان استراتيجية منظمة
الحدث اللبناني 2020: انفجار مرفأ بيروت
كيف ستنتهي سيطرة إيران في لبنان؟
عقبات ولادة حكومة لبنان عادت إلى المربع الأول
كما شهد هذا الشهر وللمرة الأولى في تاريخ لبنان، اكتظاظ الناس أمام محال الصيرفة للحصول على 200 دولار بسعر مدعوم، بحسب تعميم صدر عن المركزي أتاح هذه القيمة للعموم بسعر مدعوم.
يوليو – أغسطس (تموز – آب)
وعُلّقت خلال شهر يوليو المفاوضات بين ممثلي “صندوق النقد الدولي” والوفد اللبناني، بسبب عدم تحقيق أي تقدم بعد ستة أسابيع من التفاوض. كما انطلقت رحلة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، مع توقيع العقد مع شركة “Alvarez & Marsal”.
أما سعر صرف الدولار في السوق السوداء، فسجّل أعلى مستوياته على الإطلاق ليلامس مستويات عشرة آلاف ليرة للدولار.
أما خلال شهر أغسطس، فانفجار المرفأ وضع نقطة سوداء في تاريخ لبنان وعام 2020… الانفجار الذي دمّر جزءًا كبيراً من العاصمة بيروت وقتل أهلها، كبّد الاقتصاد اللبناني خسائر مباشرة وغير مباشرة تصل إلى 15 مليار دولار.
سبتمبر – أكتوبر (أيلول – تشرين الأول)
وأرست تصريحات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التحذيرية حول نفاذ الدعم مع نهاية العام، حالة من الهلع لدى المواطنين، ما دفع التجار إلى رفع الأسعار في الأسواق وبشكل هستيري. وهرع الناس إلى تخزين الأدوية والمواد العذائية المدعومة في المنازل.
من جهة أخرى، أثار التعميم رقم 154 الصادر عن مصرف لبنان، الذي يطلب من المصارف حثّ عملائها، الذين قاموا بتحويلات تفوق قيمتها الـ500 ألف دولار أو ما يوازيها بالعملات الأجنبية إلى الخارج منذ أول يوليو 2017، على إعادة 15 في المئة من القيم المحوّلة وإيداعها في “حساب خاص” مجمّد لمدة خمس سنوات، عاصفة من السجالات والمواقف المتناقضة.
كما انطلقت خلال سبتمبر المرحلة الأولى من التدقيق الجنائي الذي تقوم به شركة “Alvarez & Marsal”.
وفي أكتوبر، بدأت مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، ورفض البنك المركزي تسليم شركة التدقيق الجنائي المستندات المطلوبة، بسبب قانون السرية المصرفية، في وقت استمر سعر صرف الدولار، مرتفعاً إلى مستويات 9000 ليرة للدولار.
نوفمبر – ديسمبر (تشرين الثاني – كانون الأول)
ومع تعثّر وصول شركة التدقيق الجنائي إلى كامل المستندات المطلوبة، ولإنقاذ العقد، مُدّدت المهلة المحددة لتسليم المستندات المطلوبة للتدقيق الجنائي إلى ثلاثة أشهر.
والأبرز إعلان وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على رئيس “التيار الوطني الحر” والنائب جبران باسيل، وفق قانون “ماغنتسكي”.
أما مع نهاية عام المآسي، فتوقّع “البنك الدولي” أن يعاني لبنان من ركود شاق وطويل، وأن يتباطأ النمو الاقتصادي الحقيقي إلى ناقص 19.2 في المئة عام 2020.
كما كشف المصرف الدولي عن أن الفقر سيواصل التفاقم على الأرجح، ليصبح أكثر من نصف السكان فقراء بحلول 2021، فيما من المتوقع أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 194 في المئة، ارتفاعاً من 171 في المئة نهاية 2019.
منظمة الأغذية العالمية (الفاو)، صنفت لبنان ضمن البلدان المهددة بشدّة بالجوع الحاد.
و”يونيسف” حذرت من أن نسبة الفقر في لبنان ستزيد على 55 في المئة، بينما 80 في المئة من العائلات تحت خط الفقر.
2021… أكثر من 80 في المئة من الشعب فقير
سيذكر التاريخ أن عام 2020 هو العام الأسوأ اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً على لبنان، وذلك منذ نشأته بحسب الأستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي جاسم عجاقة. فلم يحدث في التاريخ أن تزامنت كل الأزمات في بلد معيّن كما حصل في البلاد خلال هذا العام، الذي بدأه على وقع فراغ حكومي، ومن ثم أثقلته جائحة كورونا التي شلّت حركة الاقتصاد، وسلسلة قرارات لحكومة الرئيس حسان دياب، وصولاً إلى استقالتها بعد تفجير مرفأ بيروت. ومنذ ذلك الوقت، ولبنان يعيش من دون حكومة قادرة على وقف أخطر أزمة هي أزمة الفقر الذي يتطوّر بدينامية خطيرة، قد تضع أكثر من 80 في المئة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر في الأشهر القليلة المقبلة، إذا لم تتخذ إجراءات جدّية لتأمين شبكة أمان اجتماعي.
أخطاء حكومة دياب
اقتصادياً، أخذت حكومة دياب ثلاثة قرارات يمكن تصنيفها في خانة الأكثر ضرراً على الاقتصاد اللبناني بحسب عجاقة، وعلى رأسها قرار اتخذ في السابع من مارس 2020 بوقف دفع سندات اليوروبوندز، الذي حرم لبنان من آخر مصدر له من الدولارات. وتشير أرقام البنك المركزي إلى أنه منذ ذلك التاريخ، ارتفعت وتيرة سحب النقد حتى أصبحت الكتلة النقدية المتداول بها تفوق الـ24 تريليون ليرة، وهو رقم هائل بالنسبة إلى اقتصاد بحجم الاقتصاد اللبناني.
القرار الثاني الذي أخذته حكومة دياب هو تخفيض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، ما ضرب هيكلية الليرة لدرجة أن سعر صرف الدولار انتقل من 2500 ليرة للدولار الواحد إلى أكثر من 4000 ليرة، ولم يُعاود بعدها النزول عن هذا المستوى. وباللغة الاقتصادية، فإن التوقعات (الأكيدة) للاعبين الاقتصادين دفعتهم إلى التخلّص من الليرة لصالح العملة الخضراء، ما شكلّ تغييراً هيكلياً في دينامية سعر الصرف في السوق السوداء.
القرار الثالث تجلّى بضرب مفهوم الاقتصاد الحرّ عبر مصادرة رأسمال المصارف ومصرف لبنان، وتحميلهم قسماً من الدين العام، ما شكّل خطراً كبيراً على الودائع بحكم أن رأسمال المصارف هو لحماية الودائع بالدرجة الأولى. وهذا الأمر أفقد القطاع المصرفي (إضافة إلى الممارسات التي قامت بها إدارة البنوك مثل الاستنسابية) كل الثقة به، وأصبح الهمّ الأول للمودع سحب أمواله منها.
2021… الأسوأ أكثر ترجيحاً
عام 2021 سيبدأ مسيرته مُثقلاً بأحداث عام 2020! ووفق عجاقة، هذا يعني أن الوضع مرجّح إلى التدهور، خصوصاً على الصعيد الاجتماعي، إذ إن محدودية احتياط مصرف لبنان معطوفة على استمرار التهريب، ستؤدّي إلى تضاعف القدرة الشرائية للمواطن. والأهم في الأمر أن الرقابة المشددة على السوق غابت إلى حدٍ ما مع ممارسة التجّار أبشع أنواع الجشع، وتحميل المواطن أسعار السلع على سعر دولار السوق السوداء، في حين أن بعض البضائع هي بضائع مدعومة من قبل مصرف لبنان. كما أن البعض منهم، حمّل المواطن القيمة الضريبية على القيمة المضافة على سعر دولار السوق، في حين أن الدولة تستوفي هذه الضريبة على سعر الصرف الرسمي.
بالتالي بحسب عجاقة وفي ظل غياب أي تعديل في الرقابة، فإن هذه الممارسات ستستمر وتزيد الوضع سوءاً! من هنا نتوقع أن يكون هناك سيناريوهان:
-الأول ينص على أن تشكيل حكومة تستوفي الشروط الدولية، سيؤدّي إلى حلحلة على صعيد المساعدات المالية الدولية وتحرير قسم من أموال مؤتمر “سيدر”. وهذا إن حصل يعني أن الحكومة بإصلاحاتها ستوقف التدهور وسيكون لبنان على موعد مع النمو عام 2022.
والثاني ينصّ على “الستاتيكو” أي فراغ حكومي أو تشكيل حكومة لا تحظى بدعم دولي، بالتالي فإن الوضع سيستكمل مساره الانحداري إلى مستويات قد يفقد لبنان معها السيطرة الأمنية على الاحتجاجات الشعبية، وتكون البلاد بذلك قد تحوّلت إلى واقع شبيه بما يحصل في ريو دي جانيرو أو فنزويلا.
جيسي طراد
اندبندت عربي