فرص المواجهة في الخليج

فرص المواجهة في الخليج

ارتفع منسوب التوتر في منطقة الخليج خلال الأسابيع القليلة الماضية، وسط تهديداتٍ متبادلة بين الولايات المتحدة وإيران بردود قاسية، في حال مهاجمة أحد الطرفين الآخر. وبلغ التوتر ذروته منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد استهداف مليشيات عراقية موالية لإيران السفارة الأميركية في بغداد برشقاتٍ صاروخيةٍ اضطرّت على الأثر واشنطن إلى تعزيز قدراتها العسكرية في المنطقة، تحسباً لتصعيد محتمل.

وتعود أسباب تصاعد التوتر بين الطرفين إلى التصورات الموجودة لدى كل منهما عن حسابات الآخر، والتهديدات التي يمثلها تجاهه، فالتوقعات السائدة داخل إدارة الرئيس ترامب هي أن إيران تخطّط للانتقام، لمقتل رجلها العسكري الأول ورمز نفوذها الإقليمي، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، في مطار بغداد مطلع عام 2020، وأن القيادة الإيرانية المحرجة من استمرار استهداف رموزها، وآخرهم رئيس برنامجها النووي، محسن فخري زادة، قد تجد فرصتها الأخيرة لردٍّ يحفظ لها ماء الوجه قبل وصول إدارة بايدن إلى الحكم، حيث تأمل طهران أن تنهج نحوها سياسة مختلفة، تتضمّن العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، وهي، أي إيران، لا تخطّط لإفساد هذه الفرصة. في المقابل، تعتقد طهران أن ترامب الذي يبذل محاولات أخيرة للبقاء في البيت الأبيض قد يعمد، في حال الفشل، وهو سيفشل حتماً، إلى تدمير فرص التقارب المحتمل بينها وبين إدارة بايدن، من خلال توجيه ضربة عسكرية لها. لهذا السبب، عمدت إيران إلى إرسال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، العميد إسماعيل قاآني، إلى بغداد مرتين خلال أقل من شهر، حيث شدّد، في اجتماعه، بقادة المليشيات العراقية التابعة له، على ضرورة تجنب استهداف أي مصالح أميركية في العراق، بعد أن كادت طهران تخطئ في حساباتها مجدّداً، وتعطي ترامب ذريعة لضربها من خلال استهداف السفارة الأميركية. لا بل وصل الأمر بإيران أن تبرّأت من أي عمل ضد السفارة الأميركية، ورفعت الغطاء عن قادة الملشيات المتهمين بذلك، عندما أصدرت الحكومة العراقية مذكّرات اعتقال بحق بعضهم.

تفعل إيران ذلك، وهي تدرك أن قاسم سليماني دفع حياته ثمناً لمحاولة اقتحام السفارة الأميركية في بغداد العام الماضي، مغفلةً حساسية واشنطن المفرطة بهذا الشأن، وإصرار كل إدارة أميركية منذ أيام رونالد ريغان (1981-1989) بعدم السماح تحت أي ظرفٍ بتكرار تجربة اقتحام السفارة الأميركية في طهران عام 1978 وأخذ موظفيها رهائن.

خلاف ذلك، إذا التزمت إيران، وهي ستلتزم على الأرجح، بخطوط واشنطن الحمراء، ومنعت حلفاءها من مهاجمة أهداف أميركية في العراق، حتى موعد خروج ترامب من البيت الأبيض، فسوف ينتهي التوتر الحالي إلى لا شيء، فإيران لا يعرف عنها أي مسلك انتحاري، وقاعدة نظامها الذهبية، على الرغم من كل الضجيج الذي يصدر عنه، هي تجنّب مواجهة مع واشنطن بأي ثمن، علماً أن آخر مواجهة عسكرية وقعت بين الطرفين ظلت محدودة، على الرغم من أنها حصلت في ذروة الحماس الثوري الإيراني، عندما دمّرت البحرية الأميركية في إبريل/ نيسان 1988 الأسطول الإيراني، بعد أن تعرّضت إحدى السفن الحربية الأميركية التي كانت تقوم بحماية ناقلات النفط الكويتية لانفجار بلَغم بحري زرعته إيران، ويعتقد أنّ هذه المواجهة هي التي أقنعت الخميني بقبول قرار مجلس الأمن رقم 598 الذي دعا إلى وقف إطلاق النار في الحرب مع العراق، بعد أن ظل يرفضه منذ صدوره في يوليو/ تموز 1987.

لا يبدو ترامب مشغولاً في أيام ولايته الأخيرة بإيران، أو مهتماً بدخول مواجهةٍ معها، فمعركته الكبرى هناك مع خصومه في واشنطن، وليس هنا في الخليج، وهو يبدو حريصاً كل الحرص على إعطاء الانطباع لقاعدته الشعبية بأنه الرئيس الوحيد، منذ أيام كارتر الذي لم يورّط بلاده في مواجهة عسكرية خارجية.

يبقى أنه، في حال وقع خطأ في الحسابات، وهو أمرٌ قائم، وحصل ترامب على سببٍ لضرب إيران، فالأرجح أن تتقبّل إيران الضربة وتمتنع عن الرد، فالامتناع هنا يغدو حكمة، كما دائماً، وإيران لديها “بحور” لا تنضب منها، طالما أنها تنجح في حفظ النظام، حتى لو غرقت البلاد كلها، وهذا ديدن الأنظمة “الممانعة” لشعوبها.

مروان قبلان

العربي الجديد