عمت الفرحة أجواء المواطن الخليجي وعلى الأخص القطري والسعودي وكل من تأثر بالأزمة الخليجية لنجاح المصالحة الخليجية.
سنوات ثلاث من الحصار طرحت عبرها شروط قاسية على دولة لا حدود برية لها سوى مع المملكة العربية السعودية. الصراع كما بدأ عام 2017 لم يكن له أساس حقيقي ومنطقي، فلا قطر شكلت تهديدا لأي من محيطها، ولا الإخوان المسلمون كانوا في سيادة المشهد العربي عام 2017، ولا شكلوا خطرا على دول عربية وأخرى خليجية كما توهمت تلك الدول، كما أن إيران لم تتغير معادلتها منذ 2017، وهي لن تتغير إلا بحوار بناء. كما أن تركيا لم تكن تشكل ولا تشكل تهديدا لمنطقة الخليج. السؤال لو كان هناك جرد وتقييم: ماذا استفادت الدول من الأزمة التي لم يكن لها أساس؟
في الحالة القطرية إن التمسك بالثوابت وبناء التحالفات الدولية والاقليمية، بما فيها القاعدة التركية أتى بنتائجه، فقد قدمت تركيا غطاء سياسيا وأمنيا وإقليميا للدوحة
ورغم توقيع كل الدول التي قادت الأزمة كمصر والإمارات والبحرين إضافة للسعودية على الإتفاق، إلا أن السعودية تبدو الأكثر حماسة للحل. وقد يعكس ذلك ظروفا مستجدة، لكن على الأغلب ستسود هذا الاتفاق البرودة السياسية من جهة، ولكن من جهة أخرى الكثير من الدفء بين المواطنين. إن أفضل جانب في الحل هو الذي يعني المواطنين وحركتهم، فقطر امتداد طبيعي لكل ما يحيط بها، والعكس صحيح، إن البعد الشعبي هو الأهم، لأنه يتجاوز كل ما تقدمه المواقف السياسية القائمة على المصالح الظرفية التي قد تتغير بين ليلة وضحاها.
إن الكثير من الشكوك والمخاوف التي أثارتها الأزمة الخليجية سوف تلاحق تفكير القادة. الشك، التخوف، عدم الاعتماد المتبادل، السيناريوهات البديلة، التمسك بالسياسات الناجحة التي أدت للصمود أمام هذا النمط من المقاطعة، التمسك بالخطوط السياسية التي تسمح بتشريح السياسة في الإقليم لتأمين فهم علمي للاتجاهات الإقليمية والعالمية. هناك دروس كثيرة ستتطور من كل ما وقع منذ 2017.
في الحالة القطرية إن التمسك بالثوابت وبناء التحالفات الدولية والإقليمية، بما فيها القاعدة التركية أتى بنتائجه، فقد قدمت تركيا غطاء سياسيا وأمنيا وإقليميا للدوحة، واكتشف ترامب أن في قطر قاعدة عسكرية أمريكية هي الأهم مما وضع حدودا للتصعيد ضد قطر، بل تبين أن قطر ملتزمة بمواجهة الإرهاب بصورة متقدمة نسبة لعدد من دول الإقليم، كما أن وقوف الكويت وعمان على الحياد أكد أن الحصار غير مقنع للشعوب والدول. لهذا بدأت تسقط الكثير من الهجمات الإعلامية والتهم، ولم يتبق سوى التحدث عن الجزيرة، التي تمثل شكلا متقدما للإعلام في البلاد العربية. لهذا من المطالب 13 وصل الوضع لمبدأ رفع الحصار مقابل سلام بارد. في الجوهر وصل الجميع للمكان الذي دعا إليه منذ البداية الشيخ صباح الأحمد رحمه الله، ألا وهو عدم مس السيادة في العلاقات بين الدول.
و بحكم شدة ارتباط منطقتنا بالمنظومة الأمريكية (المنقسمة على نفسها مرضيا) فإن المشهد الخليجي يثير تساؤلات عن وجود كوشنر المغادر للبيت الأبيض في 20-1-2021. وجود كوشنر يؤكد بأن في الإتفاق ترتيبات للمرحلة القادمة، فهل دخل تحالف اليمين الأمريكي العنصري والإنجيليين الأمريكيين وإسرائيل مرحلة جديدة لا ستباق التعامل مع رئيس جديد( بايدن) وسياسة جديدة تجاه إيران، وحالة جديدة من التهدئة في منطقة الشرق الأوسط تجاه التيارات الشعبية وحالة حقوق الإنسان التي وصلت أدناها. هناك ضغوط أمريكية قادمة على الإقليم، لكن هل تصبح منطقة الخليج أرضا لصراع الجمهوريين والديمقراطيين؟ وما أثر ذلك التوغل؟. قد يكون هذا ذكاء، لكنه تمكين لقوى أمريكية تعيش نزاعا حقيقيا في الولايات المتحدة.
إن المصالحة عودة للعقل و للبراغماتية، إنها عودة للواقعية ومحاولة للتمسك ببعض الاستقلالية، وابتعاد بنفس الوقت عن الفرض والقوة والحلول الصفرية التي سادت فترة 2017. هنيئا للشيخ صباح الأحمد على جهده الذي لم يره، وهنيئا لمؤسسة الخارجية الكويتية ووزيرها الشاب على المثابرة، وهنيئا لكل مؤمن بالمدرسة العقلانية في العلاقات بين الدول العربية.
د.شفيق ناظم الغبرا
القدس العربي