الفقر في بعض المدن العراقية وصل الى 50%

الفقر في بعض المدن العراقية وصل الى 50%

 

الباحثة شذى خليل*

الفقر من أخطر المشاكل الاقتصادية التي تواجه العالم، لما له من انعكاسات مريرة على حياة الناس الصحية والاجتماعية والتعليمية، وبرزت ظاهرة الفقر للعيان في العراق في فترة التسعينيات من القرن الماضي، لأسباب تتعلق بالحروب الداخلية والخارجية مع فرض الحصار الاقتصادي على العراق من قبل المنظمات الدولية.
هناك عدة أسباب للفقر تختلف باختلاف الظروف والأوضاع الاقتصادية السائدة في العالم، ومنها، الأزمات الاقتصادية التي انتابت العالم مثل أزمة الغذاء وأزمة الطاقة والأزمة المالية لعام 2008، والأهم “العولمة” وانعكاساتها في تركيز الثروة والتجارة بيد الدول المتقدمة التي تمتلك زمام الأمور في الاستثمار الأجنبي المباشر والذي تذهب 80 % من عوائده إلى هذه الدول.
الإرهاب ومحاربته، حيث أدى إلى استنزاف الموارد المادية وكذلك تدميره للبنى الاقتصادية التحتية، وكذلك خلق بيئة طاردة للاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، والنقص في المساعدات الدولية وقلة القروض للدول النامية.
أما الاحتباس الحراري، فله آثار سلبية في التصحر والأعاصير والجفاف، مما أدى الى ضعف إنتاجية القطاع الزراعي.
وهناك أسباب أخرى للفقر أغلبها مرتبط بواقع العراق ومعاناته من الحروب والسياسات التي انتهجتها الأنظمة السابقة وهي كالآتي:
• انخفاض دخل الأسرة مما ينعكس في عدم قدرتها على الاستهلاك.
• كبر حجم العائلة بالقياس إلى مواردها.
• قلة توفر فرص العمل لأفراد العائلة (بطالة وبطالة مقنعة).
• ارتفاع نسبة الأمية ومستوى التخلف.
• تدني المستوى الأمني بسبب الإرهاب وقلة الخدمات.
في حين يرى آخرون أن أسباب الفقر في العالم العربي والعراق جزء منه تعود إلى عدة أسباب منها:
• التقلبات والتراجع في أسعار النفط والتي انعكست على دور الدولة في أدائها المجتمعي.
• التضخم وانخفاض القوة الشرائية بسبب السياسات النقدية المتبعة.
• تحول الأموال الى الجانب العسكري مما خلق تراجع في الجانب الاستثماري الذي له مردودات جيدة في التشغيل وتوليد الدخول للقوى العاملة.
• العولمة وانفتاح العالم التكنولوجي، مما قلل من فرص العمالة غير الماهرة.
• الزيادة في عدد السكان بما لا يتناسب مع نمو اقتصادي يواكب فرص العمل والتشغيل.
• تحرير التجارة الخارجية والانفتاح على العالم في ظل عدم القدرة على المنافسة.
في العراق وعلى الرغم من الثروة النفطية الهائلة إلا أن شخصا واحدا من بين كل خمسة أشخاص لا يزال يعيش تحت خط الفقر، في بلد يعاني من استشراء الفساد وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب.
تشير معلومات البنك الدولي إلى أن عدد سكان العراق بلغ 38.5 مليون نسمة، وأن خط الفقر محدد بـ3.2 دولارا في اليوم.
من جانبها، تشير إحصاءات وزارة التخطيط، إلى أن نسب الفقر في المحافظات العراقية في عام 2018 سجلت 1.2% في السليمانية، و3.8% في أربيل، و5.8% في دهوك، و9.1% في كركوك، و34.5% في نينوى، و10.8% في النجف، و12% في بغداد، و14.8% في بابل، و14.8% في البصرة، و26.1% في واسط، و42.3% في ميسان، و44.1% في الديوانية، و52.5% في المثنى، و40.8% في ذي قار.
أكد المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، ان إحصاءات العمل تشير إلى المزيد من التدهور في أوضاع سوق العمل، حيث سجل معدل مشاركة الشباب بين 15 – 24 عاماً تراجعاً ملحوظاً، وزاد معدل البطالة نحو الضعفين في المحافظات المنكوبة بالإرهاب، حيث سجلت 21% مقارنة بباقي المحافظات البالغة 11%، وتتوجب الإشارة هنا إلى أن الفقر والبطالة ازدادا في المحافظات الجنوبية كذلك بسبب السرقات المليارية وليس الإرهاب الذي لم يمتد إلى الجنوب.
وتدل الأرقام بوضوح على تدهور الوضع الاقتصادي في المحافظات الجنوبية، رغم تزعم أحزابها في البرلمان والوزارات منذ 2003.
وتشير الإحصاءات، إلى أن نسبة الفقر في العراق وصلت إلى 41.2% في المناطق المحررة (من الإرهاب) و30% في المناطق الجنوبية، و23% في الوسط، و12.50% في إقليم كردستان، كما أوضحت الإحصائيات، أن 48% من سكان العراق أعمارهم أقل من 18 عاماً، منهم 23% من فئة الفقراء، وتشير معلومات إحصائية إلى أن 5% نسبة الأطفال الفقراء في كردستان و50% نسبة الأطفال الفقراء في المحافظات الجنوبية.
وحسب أرقام رسمية تتجاوز نسبة الفقر في بعض المدن العراقية الـ 50% ووفق المسح للفقر لعام 2018، فإن محافظة المثنى ، تعد الأولى بأعلى نسبة فقر تصل إلى 52%، والتي تليها الديوانية 48% وميسان 45% وذي قار 44%.
وبلغت نسبة الفقر في محافظة نينوى 37.7%، تليها ديالى 22.5%، واسط 19%، صلاح الدين 18%، الأنبار 17%، البصرة 16%، النجف 12.5%، كربلاء 12%، بابل 11%.
وكانت نسبة الفقر الأقل في العاصمة بغداد 10%، تليها، دهوك 8.5%، كركوك 7.6 في المئة، أربيل 6.7%.
مؤشرات الفقر:
توجد مؤشرات لقياس الفقر، منها مؤشر تعداد الرؤوس وفجوة الفقر وشدة الفقر، بالإضافة إلى مؤشر الفقر البشري والذي يعكس هذا المؤشر تقارير دولية ان الفقر يتكون من ثلاثة أوجه هي :
1. الحرمان من الحياة المديدة موفورة الصحة، وتقاس بالاحتمال القائم عند الولادة لعدم البقاء على قيد الحياة حتى بلوغ سن الأربعين.
2. الحرمان من المعرفة والقراءة، ويقاس بمعدل الأمية بين البالغين.
3. الحرمان من مستوى الرفاه الاجتماعي، ويقاس بمتوسط النسبة المئوية لكل من المحرومين من مياه الشرب النقية، والعاجزين عن الوصول للرعاية الصحية، وناقصي الوزن لصفوف الأطفال دون سن الخامسة.
ازدادت نسبة الفقر في العراق بعد جائحة كورونا بسبب تفشي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط في السوق العالمية، منذ 24 فبراير/شباط 2020، وإغلاق الحدود لغالبية دول العالم، وتقليص الأنشطة الاقتصادية، مما أدى إلى انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية، ومن ثم إحداث شلل تام لكل أنشطة الاقتصاد العراقي، فضلًا عن الافتقار إلى تطبيقات خطط من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة طيلة السنوات العشرين الماضية، والتي من شأنها وضع مرتكزات أساسية لتطويق التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة التي تحولت إلى مأزق يواجه صنَّاع القرار السياسي والاقتصادي في العراق.
البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية من بين الجهات الدولية التي يجري التنسيق معها لتنفيذ برامج في العراق لتجاوز الأزمة الحالية، كتمويل القروض والتدريب والتأهيل وإنجاز المشاريع الطارئة للمناطق التي استعادتها القوات العراقية من تنظيم داعش الارهابي.
وتفرض السلطات العراقية بين الحين والآخر إجراءات حظر التجوال بسبب تفشي فيروس كورونا وارتفاع عدد الإصابات إلى أكثر من 51 ألفا و524 حالة إصابة، في حين تجاوزت أعداد الوفيات حاجز 2050 وفاة.
إن الظروف الذاتية والموضوعية التي يمر بها الاقتصاد العراقي تحتاج إلى ترابط وثيق جدًّا بين الدولة والقطاع الخاص وأطراف العمل، من حيث التخطيط والتمويل والتنفيذ والمتابعة، مع استمرار الأولوية لدور الدولة عدة سنوات لاحقة، ولحين تحقيق تطور ملموس بالاقتصاد الوطني لتجاوز التداعيات السلبية لهذه المرحلة، ويتطلب تنشيط قطاع التجارة الخارجية والاستفادة من قدرات العراق الاقتصادية، وبالذات النفطية منها، تطبيق سياسة اقتصادية مرنة تتجاوز تأثيرات الأيديولوجيات، وتعطي الأولوية للمصلحة الوطنية عبر إقامة علاقات اقتصادية مع الدول المجاورة كافة، وبما يحقق المصلحة الاقتصادية بالدرجة الأساس.
ختاما.. في ضوء التطبيقات العملية التي يشهدها العراق في الميدان الاقتصادي، وبخاصة منذ سنة 2003 وحتى 2020، فإن ظاهرة الفقر فيه لم تعد مشكلة اقتصادية وقتية أو اجتماعية عابرة، بل تحولت إلى مأزق دائم يواجه صانع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وعندئذ لابد من التفكير مليًّا في إعادة النظر بكل المؤسسات والضوابط التي هيمنت على دوائر صنع القرار، تمهيدًا لإقرار معالجات ذات جدوى اقتصادية مثمرة لإشكالية ظاهرة الفقر، سواء أكان ذلك في المدى المنظور أم على الصعيد الاستراتيجي.

و حدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث و الدراسات الاستراتيجة