أين نجح ترامب عالميّا وأين أخفق؟

أين نجح ترامب عالميّا وأين أخفق؟

تدور نقاشات أميركية داخلية هذه الفترة حول تقييم السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال عهد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. وتتمركز نقاط الجدل الرئيسية حول مدى قدرته على تصحيح مسار الدولة ورسم مسار أفضل لبلده بالنظر إلى اختلاط الأبعاد الفردية بالخطط الاستراتيجية التي عرفت تقلبات على عدة مستويات واتسمت اتجاهاتها بالتناقض، رغم أنه لا يمكن الخروج بتقييم موضوعي شامل لتلك السياسة في مخرجاتها الكلية.

واشنطن – يركز الباحثون على جرد كل التفاصيل التي رافقت فترة تولي الرئيس دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة وخاصة على المستوى الخارجي، حيث كانت مليئة بالمفارقات والمتناقضات إلى درجة أن أغلب الوقائع تدل على أنها كانت فاشلة قياسا بالسياسات التي اتبعها أسلافه.

ويمكن ملاحظة أن خطوات ترامب لم تختلف من حيث المبدأ عمّن سبقوه في البيت الأبيض. لكن عند التعمق أكثر، يبدو جليا أن قراراته أثارت غضب المجتمع السياسي الأميركي، كما أن القصور رافق أجندته حينما يتعلق الأمر بما يحدث في الشرق الأوسط أو حتى بالمواجهة مع القوتين العظميين روسيا والصين، أو حتى مع ممارسة الضغط على إيران.

ورغم الدعم الشعبي لسياسة خارجية أقل طموحا وأكثر واقعية، لم يكن ترامب قادرا على ترجمة غرائزه إلى سياسة خارجية ناجحة، لذلك يثير ستيفن أم. والت، وهو أستاذ روبرت ورينيه بيلفر للعلاقات الدولية بجامعة هارفارد، العديد من التساؤلات حول فترة حكم ترامب بكل ما تحمله من متناقضات.

أخطاء فادحة
استخلص والت أن معالجة ترامب للسياسة الخارجية اعتمدت على عيوبه الشخصية، فعبقريته في الترويج وقدرته على تحدي المعايير الحالية لم تستطيعا التغلب على جهله بمعظم مجالات السياسة، فضلا عن قلة خبرته الحقيقية وقصر انتباهه وعدم أمانته وعدم قدرته على وضع المصلحة الوطنية قبل حاجته إلى الاهتمام والتملق.

وبالمقارنة مع الدول الأخرى، تساءل والت حول ارتفاع قوة الولايات المتحدة ومكانتها وتأثيرها العالمي في عهده، وكيف أن تعامل ترامب مع السياسة الخارجية لفت الأنظار إلى كازينوهاته المفلسة، أو شركة ترامب شاتل للطيران، أو جامعة ترامب، أو غيرها من المشاريع التجارية التي فشل فيها.

وللوصول إلى تقييم موضوعي، يجب التركيز على ما وعد ترامب بفعله استنادا على برنامجه السياسي لتطبيق مبدأ “أميركا أولا”. فقد نشأت سياسته الخارجية من الشعور بالظلم، واعتقد أن بقية العالم يستغل بلده وأن الحلفاء عليهم دفع الثمن الكامل مقابل تلقيهم حماية من الولايات المتحدة ومواجهة الخصوم وهزيمتهم، مع إيلاء القليل من الاهتمام للمجاملات الدبلوماسية.

وعندما وصل إلى البيت الأبيض، وأعلن عن ملامح سياسته الخارجية، بدا واضحا أنه سيرمم العلاقات التي أفسدتها إدارة سلفه باراك أوباما وسيتدارك المزالق التي أدخلت فيها الإدارة الأميركية السابقة واشنطن، لكن بدا الحصاد على عكس المتوقع.

لقد أراد ترامب أن يمنع الصين من سرقة الوظائف الأميركية ويبعد بلده من تحت سقف “الصفقات السيئة” مثل اتفاقية باريس للمناخ والاتفاقية النووية مع إيران، ووصف نفسه بأنه مفاوض رئيسي، ووعد بالتوصل إلى صفقات تجارية جديدة من شأنها أن تخلق حقبة جديدة من الازدهار.

ويؤكد والت في تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، أن ترامب تبنى فكرة أن الولايات المتحدة لن تلعب دور المغفل بعد الآن، فهي ستخرج من عملية “بناء الدولة” وستشن حملة على الهجرة وستعيد بناء المؤسسة الدفاعية الضعيفة وستدفع المكسيك إلى دفع ثمن بناء جدار على الحدود الجنوبية.

هنا يشير والت إلى أن ترامب قدم رؤية مغرية وعدت بنجاح غير منقطع عبر بذل جهد إضافي

ضئيل أو بدون جهد. ولن تتطلب استعادة الهيمنة الأميركية تضحية شخصية، أو وحدة وطنية، أو حتى إستراتيجية مدروسة جيدًا. ولكن كانت ستتطلب فقط وضع شخص عبقري ومستقر من الناحية النفسية على رأس القيادة “لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” لكن سياسته لم تخل من الأخطاء الفادحة.

وتتمثل سياسته الفاشلة الأكثر وضوحا في ترك اتفاقية باريس للمناخ، والتي كانت على الأقل خطوة أولى مفيدة نحو معالجة أكبر خطر طويل الأجل تواجهه البشرية. وكان من الخطأ أيضاً التخلي عن اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، في حين أنه كانت هناك محاولة لموازنة الصين في نفس الوقت. أما الخطأ الأكبر فكان ترك الصفقة النووية مع إيران.

ومع أن الكثير من الإيرانيين تضرروا نتيجة العقوبات الأميركية، إلّا النظام الديني لا يزال في السلطة، بل واكتسب المتشددون نفوذاً أكبر واستأنفت طهران تخصيب اليورانيوم، وزادت من مخزونها ثمانية أضعاف، وقلصت وقت الاختراق إلى النصف.

ويواصل ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو والعناصر المتشددة في اللوبي الإسرائيلي الإصرار على أن السياسة المتمثلة في فرض “ضغط أقصى” تعمل بشكل جيد، لكن مثل هذه الادعاءات ما هي إلا هراء لا فائدة منه.

رغم أن ترامب يمكن أن يدعي تحقيقه لبعض النجاحات في السياسة الخارجية، إلا أن سجله العام غير مبشر ولا يحفل بالكثير، حيث أصبح أعداء الولايات المتحدة أكثر خطورة مما كان عليه الأمر في 2016، والولايات المتحدة أصبحت أضعف وأكثر انقسامًا، والعلاقات مع العديد من حلفاء الولايات المتحدة انحدرت إلى الأسوأ.

ويمكن لترامب أن يدعي تحقيقه عددا من الإنجازات الحقيقية، منها أنه لم يبدأ أي حروب جديدة، ولم ينشئ دولا فاشلة جديدة. وقد يبدو هذا وكأنه مستوى منخفض، لكن لا أحد من أسلافه الثلاثة يستطيع تقديم ادعاء مماثل. ولقد تفاوضت إدارته مثلا على عقد اتفاقية تجارية جديدة مع كوريا الجنوبية وعقد نسخة محدثة من اتفاقية “نافتا”، رغم أن أيًّا من الاتفاقين لم يمثل تحسنًا كبيرًا.

ومن خلال التلميح المتكرر إلى أن الولايات المتحدة قد تخرج من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، شجع ترامب جهود الأوروبيين لتحمل المزيد من المسؤولية في مجالهم الدفاعي وربما أقنع بعضهم بالموافقة على طلبات الولايات المتحدة بعدم استخدام شركة هواوي الصينية لتشييد بنيتهم التحتية الرقمية.

ويمنح بعض المراقبين إدارته الفضل في إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، مع أن الخطوة لم تفعل شيئًا يُذكر لدفع قضية السلام في الشرق الأوسط، ولكن تتطابق هذه القائمة المتواضعة من النجاحات مع قائمة طويلة من حالات الفشل التي لحقتها.

فمع الصين حاول إقناع رئيسها شي جين بينغ بممارسة المزيد من الضغط على كوريا الشمالية، لكن ترامب لم يفلح. كما حاول إقناع بكين بإجراء إصلاحات هيكلية كبرى وإنهاء ممارساتها التجارية والاستثمارية الطموحة، وأطلق في النهاية حربا تجارية مكلفة في محاولة لإجبار بكين على الامتثال، لكنه لم ينجح لأن الصينيين تكيّفوا مع الواقع الجديد.

لذلك، ليس من المستغرب أن العلاقات مع الصين قد تدهورت باطراد على مدى السنوات الأربع الماضية، وهذا التراجع ليس خطأ ترامب بالكامل. فهو من نواح كثيرة مرتبط بالهيكل الناشئ للنظام الدولي، ولكن خطأه هو تدهور موقف واشنطن داخل هذا الهيكل وفشلها في الاستفادة من زلات بكين.

ولم يكن تعامل ترامب مع القوة العظمى الأخرى روسيا أفضل بكثير، حيث أخبر مؤيديه في عام 2016 أنه “ستكون لدينا علاقة رائعة مع فلاديمير بوتين وروسيا”، ولا يزال احترام ترامب الثابت للرئيس الروسي أمرًا غامضًا. ومع ذلك لم يبذل ترامب أي جهد جاد لتحسين العلاقات أو حتى دق إسفين بين موسكو وبكين، رغم أن القيام بذلك سيكون له معنى جيوسياسي جيد.

وبصرف النظر عن معاقبة عدد قليل من المسؤولين الروس، لم يفعل ترامب الكثير لتحدي الكرملين. وبدلا من ذلك، تعرض للمساءلة بسبب محاولته تعزيز احتمالات إعادة انتخابه عبر حجب المساعدات الأميركية لأوكرانيا حتى تحاول كييف الإيقاع بعائلة الرئيس المنتخب جو بايدن.

وجاءت سياسة ترامب تجاه روسيا بنتائج عكسية، فموسكو لا تزال تتدخل في أوكرانيا إلى اليوم ولا تزال تدعم نظام بشار الأسد في سوريا، كما أن أصابع الاتهام تتجه نحوها باعتبارها الجاني المحتمل في الاختراق الإلكتروني الهائل الذي أضر بشبكات الكمبيوتر التابعة للحكومة الأميركية. وهنا يتساءل روبرت حول ما كان سيقوله ترامب لو حدث هذا في عهد أوباما.

وقدّم تعاملَ ترامب غير المهذب مع كوريا الشمالية مثالاً آخر على عدم كفاءة سياستة الخارجية، فبعد تبادل بعض الاستهزاءات الطفولية على تويتر مع الزعيم كيم جونغ أون، أدرك أنه يجب أن يتجه إلى الدبلوماسية. وبدلاً من تنظيم مفاوضات منهجية للحد من البرامج النووية والصاروخية لبيونغ يانغ، اختار عقد قمتين استعراضيتين.

ومن خلال اقتناعه بأن سحره الشخصي ومهاراته في إبرام الصفقات يمكن أن يقنعا كيم بالتخلي عن رد الفعل النووي الذي يعتمد عليه بقاء نظامه، إلا أن ترامب لم يحقق شيئاً.

وعلى الرغم من أن القمم أنتجت هذا النوع من الاهتمام الإعلامي الذي كان يتوق إليه ترامب، إلا أنها نجحت فقط في تعزيز مكانة كيم والتأكيد على سذاجة ترامب، حيث فقد الرئيس اهتمامه بهذه القضية بمجرد فشل حيلته في العلاقات العامة، واستمرت ترسانة كوريا الشمالية النووية وقدراتها الصاروخية في التحسن منذ ذلك الحين.

في خضم ذلك كله لا يمكن تجاهل تأثير ترامب المدمر على العناصر الأساسية لقوة الولايات المتحدة، والتي يعتمد عليها أمنها ورفاهيتها في نهاية المطاف. وفي ما يتعلق بفايروس كورونا، أثبت ترامب كفاءته في كيفية عدم التعامل مع حالة طوارئ خطيرة.

لقد أعلن حالة التأهب حتى قبل ظهور المرض، ثم عاد ونفى أنها كانت أزمة خطيرة، وشجع علانية على عدم ارتداء الأقنعة وغيرها من الإجراءات الوقائية، وأصر على أن الفايروس سيختفي “مثل السحر”، وأثبت أنه غير قادر على تنسيق حملات الاختبار، ونظام التتبع الذي كان ربما احتوى الوباء منذ شهور.

ويقول والت، إن فشل ترامب لم يتسبب فقط في خسارة أرواح الأميركيين بأعداد تفوق ضحايا الحرب العالمية الأولى وحرب فيتنام والحرب الكورية مجتمعة، ولكنه تسبب أيضًا في إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الأميركي وألحق أضرارًا بالغة بصورة الكفاءة الأميركية.

علاوة على ذلك، وعلى الرغم من تعهده المبكر بإعادة بناء عصب القوة الأميركية، لم يفعل ترامب الكثير لتحسين البنية التحتية للولايات المتحدة، كما أن سياسات الهجرة الخاصة به جعلت من الصعب على الشركات الأميركية توظيف أفضل المواهب من الخارج.

وبدلاً من تشجيع الوحدة الوطنية ونشر شعور احترام الوطن بين الأميركيين، أمضى ترامب سنواته الأربع في المنصب في زرع انقسامات أكبر وعمل على إزاحة كبار المسؤولين في وزارة الخارجية ومؤسسات الأمن القومي الأخرى، تاركًا المناصب الرئيسية إما شاغرة أو مشغولة بموظفين ذوي مؤهلات سيئة. وفي عالم مليء بالتحديات المعقدة، لم يكن هذا أقل من نزع السلاح الدبلوماسي من جانب واحد.

وكانت النتيجة النهائية مأساوية، فلدى ترامب غريزة بشأن عدد من القضايا وقام بتحدي بعض المعتقدات الراسخة. ولقد كان محقًا في اتهام الأوروبيين بإهمال مجالهم الدفاعي، وكان محقًا في اتهام الصين بالتخلي عن بعض التزاماتها التجارية، وكان محقًا في معارضة الجهود لبناء الدولة في أراضٍ بعيدة ذات أهمية إستراتيجية ضئيلة أو معدومة بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

لقد واجه ترامب معضلة كبيرة منذ البداية، حيث أدت انتقاداته للسياسة الخارجية الأميركية إلى عزل معظم النخبة بمن في ذلك العشرات من المسؤولين الجمهوريين المخضرمين وتركته مع عدد قليل من المساعدين ذوي الخبرة لتوظيف إدارته.

إن توظيف أشخاص من الخارج عديمي الخبرة سيؤدي حتما إلى حدوث الكثير من أخطاء المبتدئين، وإن تعيين الأشخاص الذين يعرفون كيفية تشغيل الأجهزة الحكومية سيمكنهم من مواصلة السياسات التي وعد بإنهائها. وكانت هذه المشكلة واضحة بشكل خاص في مجال الأمن القومي، حيث كانت معرفة ترامب محدودة، وهو ما ساعد في تفسير ردود أفعاله غير المنتظمة في قضايا مثل الناتو وسوريا وإيران وأفغانستان.

والنقطة الثانية المهمة أن ترامب كان مقيّماً ضعيفًا للموهبة، فلقد اختار مرارًا كبار المسؤولين الذين لديهم إما خبرة قليلة أو معدومة في الحكومة، على سبيل المثال، ريكس تيلرسون، جاريد كوشنر ومسؤولين ذوي تاريخ شخصي متقلب مثل مايكل فلين، لاري كودلو، ومسؤولين ذوي أفكار حمقاء مثل بيتر نافارو، ستيف بانون، أو ذوي تاريخ طويل من الإخفاقات السياسية مثل إليوت أبرامز وجون بولتون.

وفي نهاية المطاف، لم يعد المعيّنون التقليديون غاري كوهن، جيمس ماتيس، وإتش آر ماكماستر محبوبين، تاركين سياسة الأمن الخارجي والوطني في أيدي مسؤلين من الدرجة الثانية أو المتشددين مثل روبرت أوبراين أو ريتشارد غرينيل.

كما أثبت ترامب أيضا أنه رئيس فظ، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، جاحد للجميل، تمكن من التورط في تعيين أربعة رؤساء أركان وأربعة مستشارين للأمن القومي في أقل من أربع سنوات، إلى درجة أن أحد الموظفين وصف البيت الأبيض بأنه “أكثر بيئة عمل سمّية على هذا الكوكب”.

ووصلت معدلات دوران التوظيف داخل الإدارة إلى مستويات غير مسبوقة من الناحية التاريخية طوال فترة توليه المنصب، فمحاولة إدارة عالم معقد في خضم مثل هذه الفوضى كان من شأنها أن تفرض على بسمارك أو لينكولن أو روزفلت ثمناً يجب دفعه، وكان ترامب بعيدًا كل البعد عن هؤلاء الإستراتيجيين الأذكياء وعن دهائهم.

أثبتت الصفات التي طغت في بعض الأحيان على حياته المهنية المتقلبة، في تلفزيون الواقع، وحتى أثناء الحملة الانتخابية، أنها غير مناسبة تمامًا لمهام الحكم خاصة في عالم السياسة الخارجية الذي لا يرحم. وفي النهاية، حتى المزايا العديدة المتبقية للولايات المتحدة لا يمكن أن تعوض عدم كفاءة ترامب الفطرية.

ولحسن الحظ، يبدو أن الناخبين الأميركيين توصلوا إلى هذا الأمر أيضا، فترامب هو الرئيس الوحيد الذي لم تتجاوز معدلات الموافقة الشعبية عليه 50 في المئة، وخسر محاولة إعادة انتخابه رغم أن الهيئة الانتخابية تسهل فوز الجمهوريين.

في الواقع، حقق المرشحون الجمهوريون لمقاعد مجلسي النواب والشيوخ أداء أفضل مما كان متوقعًا في انتخابات نوفمبر الماضي، بينما هُزم الرجل الذي كان على رأس القائمة بهزيمة ساحقة ولا يلوم ترامب أحدا سوى نفسه، وهذا قد يكون سبب رفضه قبول ذلك.

ومن نواح عديدة، ضيّع ترامب فرصة الرئاسة من بين يديه، حيث أخطأ أسلافه في الإدارة، وأتيحت الفرصة أمام ترامب لوضع السياسة الخارجية للولايات المتحدة على أسس أسلم. ولقد أوضح عامة الناس أنهم لا يريدون الانعزالية، لكنهم يريدون سياسة خارجية أكثر تحفظًا ونجاحا.

وكان بإمكان ترامب البناء على قاعدة الدعم هذه والعمل مع حلفاء الولايات المتحدة لتحقيق توازن أفضل في التزامات البلاد، وأن يبني على الاتفاق النووي الإيراني للتحرك نحو موقف أكثر عدالة وتوازنًا للقوى في الشرق الأوسط وإنهاء الحرب الأفغانية على الفور، وكذلك العمل مع الاقتصادات المتقدمة الأخرى لمواجهة الصين معا والعمل على إصلاح منظمة التجارة العالمية بدلاً من محاولة تدميرها.

وإذا تم تنفيذ هذه الخطط بشكل صحيح، فإن التحول إلى إستراتيجية كبرى أكثر واقعية كان سيحافظ على الولايات المتحدة آمنة ومزدهرة، وكان سيحرر الموارد اللازمة لمعالجة الأولويات الملحة في الداخل. ولو تحرك ترامب في هذا الاتجاه، لأصبحت البلاد أفضل حالًا اليوم، ولم يكن ترامب ليضطر إلى إيجاد مكان جديد للعيش فيه في غضون ثلاثة أسابيع.

لكنها كانت أكثر من مجرد فرصة ضائعة، لأن أخطاء ترامب الفادحة جعلت الولايات المتحدة في حالة أسوأ بكثير مما كانت عليه عندما تولى منصبه. وبالنسبة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن وفريقه، فإن لديهم الآن قدرًا هائلاً من أعمال الإصلاح التي يتعين عليهم القيام بها. أما الخبر السار فهو أنه لن يكون من الصعب عليهم إنجاز ما هو أفضل مما فعله سلفهم.

العرب