البشرية ألهبت كوكبها.. فأين تنوي العيش مستقبلا؟

البشرية ألهبت كوكبها.. فأين تنوي العيش مستقبلا؟

تتهاون الدول والشركات في الالتزام بخفض الغازات الدفيئة التي تسببت ولا تزال تتسبب في التغييرات المناخية، التي تؤدي بدورها إلى ازدياد حرارة كوكب الأرض، وينذر ارتفاع درجة الحرارة لسنة 2020 بالخطر القادم، إذ كانت سنة كوارث طبيعية تهدد حياة البشر ومستقبلهم.

باريس – قالت وكالة كوبرنيكوس للتغيّر المناخي التابعة للاتحاد الأوروبي، الجمعة، إن العام الماضي يقف على قدم المساواة مع سنة 2016 باعتبارهما الأكثر دفئا في التاريخ، عند غروب شمس العقد الأشدّ سخونة في العالم وتفاقم تبعات التغيّر المناخي.

وبشتاء وخريف دافئين بشكل استثنائي في أوروبا، كان 2020 أشدّ الأعوام سخونة على الإطلاق للقارة، فيما اعترى هجير الحرارة العالية منطقة القطب الشمالي، وظلت الزيادات في تركيز ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي السبب الرئيسي في سخونة الأرض.

يجمع العلماء على أن أحدث البيانات تبرز الحاجة إلى قيام الدول والشركات بخفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري على وجه السرعة بحيث تتحقق أهداف اتفاقية باريس لعام 2015 لتجنب تغيّر كارثي في المناخ.

وقال ماتياس بيتشكي، مدير الإدارة المختصة بالفضاء في المفوضية الأوروبية، “تثبت لنا الأحداث المناخية غير العادية في 2020 وبيانات خدمة كوبرنيكوس للتغير المناخي، أنه لم يعد لدينا متسع من الوقت”. وتشتمل برامج الفضاء التابعة للاتحاد الأوروبي على أقمار كوبرنيكوس لمراقبة الكوكب.

وقالت فريا فامبورج كبيرة علماء كوبرنيكوس، “الحل هنا هو تقليل كمية الانبعاثات”.

ويفترض أن تنشر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قريبا أرقاما معززة تجمع بيانات عدد من الوكالات الرسمية، وقد توقعت في ديسمبر الماضي أن تكون سنة 2020 بين السنوات الثلاث الأعلى حرارة.

ففي أوروبا التي شهدت موجة حرارة استثنائية، كانت سنة 2020 الأشد حرا بأشواط، إذ سجلت معدل درجات حرارة أعلى بـ0.4 درجة مئوية من معدل سنة 2019، و1.6 درجة أعلى مع الفترة المرجعية 1981-2010، أي 2.2 درجة أعلى من الحقبة ما قبل الصناعية.

ويتجاوز هذا الاحترار أصلاً بالتالي أهداف اتفاق باريس، لكن هذه الأهداف تخص الكوكب بأسره ومن المعروف أن ارتفاع درجة حرارة اليابسة أسرع من ارتفاعها في المحيطات، وأن بعض المناطق ترتفع درجة حرارتها بشكل أسرع، كالقطب الشمالي، حيث كانت درجات الحرارة في عام 2020 أعلى بست درجات مئوية عن المعدّل المرجعي.

وقالت وكالة كوبرنيكوس، إن القطب الشمالي وشمال سيبيريا استمرا في الاحترار بسرعة أكبر من الكوكب ككل في عام 2020، مع وصول متوسط درجات الحرارة في أجزاء من هذه المناطق لأكثر من 6 درجات مئوية فوق المستوى المستخدم كخط أساس للقياس وهو متوسط حرارة 30 عاما.

واستمر غطاء الجليد البحري في القطب الشمالي بالتآكل، وسجل في يوليو وأكتوبر الماضيين أرقاما قياسية لأدنى رقعة من الجليد البحري.

وفي هذه المنطقة القطبية الشمالية نفسها، وخصوصا في سيبيريا، اتسمت سنة 2020 أيضاً بموسم نشطت فيه حرائق الغابات على نحو استثنائي، وانبعث منها 244 ميغاطن من ثاني أكسيد الكربون، أي “أكثر بما يفوق الثلث مقارنة بالرقم القياسي المسجّل عام 2019”.

أما في ما يتعلق بالفترات وليس بسنة واحدة، فتعد تلك الممتدة من 2015 إلى 2020 الأشد حراً على الإطلاق، في حين أن العقد الأخير (2011-2020) هو أيضاً الأكثر دفئاً منذ بداية العصر الصناعي.

ولم يستغرب مدير كوبرنيكوس، كارلو بونتمبو، “أن يكون العقد الفارط الأكثر حرا على الإطلاق”، معتبرا، أن ذلك “يذكّر مجددا بالحاجة الملحّة إلى خفض الانبعاثات بمقدار طموح سعيا إلى تفادي الآثار الضارة للمناخ في المستقبل”.

وقد بدأت هذه الآثار الضارة تصبح ملموسة في كل أنحاء الكوكب، ومن تجلياتها ذوبان الجليد البحري وموجات الحرارة الاستثنائية وهطول الأمطار الغزيرة، وموسم الأعاصير القياسي الأخير في منطقة البحر الكاريبي.

وقال آدم سميث،عالم المناخ في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة، إن التكلفة في الأرواح والأضرار المادية تتزايد بسرعة.

وأضاف سميث، الذي يتتبع كوارث المناخ التي تسبب أضرارا تزيد قيمتها على مليار دولار، “أصبحنا بحاجة إلى قاموس آخر لمساعدتنا في توصيف استمرار ظهور هذه الظواهر المتطرفة وزيادتها عاما بعد آخر”.

إلا أن الأسوأ لم يأتِ بعدُ، فقد ارتفع معدّل حرارة الكوكب إلى ما لا يقل عن 1.1 درجة مئوية عمّا كان عليه قبل العصر الصناعي، مترافقا من الآن مع عدد من الكوارث المناخية.

ومع ذلك، لا تزال الالتزامات الحالية للدول في ما يتعلق بالحد من انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة دون أهداف اتفاق باريس الذي يرمي إلى إبقاء ارتفاع معدّل الحرارة تحت مستوى درجتين مئويتين، وإذا أمكن 1.5 درجة مئوية.

2020 اتسمت بحرائق الغابات التي انبعث منها 244 ميغاطن من ثاني أكسيد الكربون

ورغم التدابير المتخذة لاحتواء جائحة كورونا وتباطؤ النشاط الاقتصادي الذي أدى إلى انخفاض قياسي بنسبة 7 في المئة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عام 2020 (وفقاً لمشروع الكربون العالمي)، فإن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي واصل تزايده وفقاً لبيانات كوبرنيكوس المأخوذة من الأقمار الاصطناعية، وبلغت “ارتفاعا غير مسبوق” قدره 413 جزءا في المليون بنهاية مايو 2020.

وقال رئيس خدمة مراقبة الغلاف الجوي في كوبرنيكوس فنسان هنري بيوش، إن “الارتفاع الطفيف لتركّزات ثاني أكسيد الكربون عام 2020 مقارنة بما كانت عليه عام 2019، لا يُجيز العيش على الأمجاد. فما دام صافي الانبعاثات العالمية لم يخفض إلى الصفر، سيستمر تراكُم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وسيسبب المزيد من التغير المناخي”.

أما ستيفان رامستورف من معهد بوتسدام للأبحاث في تأثير المناخ فقال، إن “ثاني أكسيد الكربون يتراكم في الغلاف الجوي مثل الماء في حوض الاستحمام. إذا قللنا تدفق الصنبور بنسبة 7 في المئة، فإن المستوى يرتفع بشكل أبطأ، لكنه يستمر في الارتفاع. وعلينا إغلاق الصنبور لتحقيق الاستقرار المناخي”.

العرب