حلول تقليص الانبعاثات الكربونية تثير جدلا واسعا

حلول تقليص الانبعاثات الكربونية تثير جدلا واسعا

باريس – تتفق الجهات المشاركة في مفاوضات المناخ المنعقدة منذ الاثنين في مدينة بون الألمانية برعاية الأمم المتحدة على أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كثيرة في العالم، لكنها تختلف على أفضل طريقة للحد منها، إذ يسعى بعضها إلى حظر الوقود الأحفوري، في حين يطالب البعض الآخر باحتجاز انبعاثاته أو حتى استعادة ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء المحيط.

وثمة تحديات وجودية في هذا الإطار، فحتى لو تمكنت البشرية من حصر الاحترار المناخي بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بمعدلات ما قبل الثورة الصناعية، وهو أمر غير مضمون بتاتا، سيظل مئات الملايين من الناس يواجهون ظواهر مناخية مدمرة، وموجات جفاف وفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحر.

وهناك ثلاث طرق لتقليل كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي: التوقف عن حرق الوقود الأحفوري، أو التقاط ثاني أكسيد الكربون بعد الاحتراق مباشرة لمنعه من التسرب إلى الهواء؛ أو إزالته من الغلاف الجوي بمجرد وجوده هناك.

وقال رئيس اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ سايمون ستيل الاثنين “يجب تفعيل جميع الرافعات التي في حوزتنا، لكن العلم واضح جدا: الطريقة الأسرع والأكثر فاعلية للوصول بنا إلى أهدافنا تتمثل في تقليل جميع أنواع الوقود الأحفوري والتخلص التدريجي منها”.

هذا الرأي لا يحظى بإجماع. وهناك معسكران كبيران في هذا المجال: المعسكر الأول هو الاتحاد الأوروبي (ألمانيا على وجه الخصوص)، ومعه بريطانيا والعديد من الدول النامية والدول الجزرية الصغيرة التي تريد التخلص بسرعة من النفط والغاز والفحم، يواجهه المعسكر الثاني المتمثل في الدول الرئيسية المنتجة للنفط والغاز والتي تفضّل التركيز على تقليل الانبعاثات، من دون التخلي عن الوقود الأحفوري الذي يولّدها.

ومن بين مؤيدي معسكر “خفض الانبعاثات” رئيس شركة النفط الإماراتية العملاقة “أدنوك” سلطان الجابر، الذي أثار اختياره من جانب دولة الإمارات لرئاسة مؤتمر المناخ العالمي “كوب 28” الذي تستضيفه الإمارات نهاية العام الجاري، انتقادات من نشطاء في مجال البيئة وبعض المسؤولين السياسيين. وبدفع من الجابر، جرى الترويج لتقنيات كانت في ما مضى هامشية.

وتقسم هذه التقنيات إلى فئتين رئيسيتين، وغالباً ما يتم الخلط بينهما.

الفئة الأولى هي التقاط الكربون الناتج عن الاحتراق، عند مخرج محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز أو مصانع الإسمنت وأفران الصهر، ثم تخزينه في تجاويف تحت الأرض، أو لإعادة استخدامه كمادة خام. وهذا لا يسمح بإضافة أيّ كميات من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.

والفئة الثانية هي القضاء على الكربون الموجود بالفعل في الهواء، مع الأشجار أو التربة التي تمتصه من خلال عملية التمثيل الضوئي (99.9 في المئة من ثاني أكسيد الكربون الذي يتم امتصاصه حاليا)، ولكن أيضا مع آلات لا تزال قيد التجربة تمتص ثاني أكسيد الكربون، لكنها قليلة جداً ومكلفة.

وهذه الآلات التي تجذب أكبر قدر من الاهتمام والدولارات من المستثمرين؛ هي تتيح تحديد حجم الكربون المزال بشكل موثوق أكثر، مقارنة بمشاريع الغابات، التي قد تكون عرضة للاحتيال أو التلاعب.

وفي الأسبوع الماضي، اهتز هذا القطاع الصغير لكن المزدهر، بفعل “مذكرة إحاطة” من حوالي 100 صفحة صاغها فريق عمل تابع للأمم المتحدة، أظهرت ميلاً إلى معارضة تقنيات احتجاز الكربون مباشرة من الجو.

وجاء في المذكرة أن “فعالية أنشطة التخلص القائمة على الهندسة لم تثبت تقنيا واقتصاديا، خصوصا على نطاق واسع، وقد تكون لها مخاطر بيئية واجتماعية غير معروفة”.

وقد أثار ذلك ردود فعل قوية من أعداد كبيرة من الشركات والجمعيات المتخصصة في إزالة الكربون، بالإضافة إلى الكثير من المجموعات البحثية.

ويقول ألدن ماير من مركز أبحاث المناخ “إي 3 جي” إن “هذا يظهر أن هناك الكثير من الأموال على المحك”.

كيف يمكن إذن تحقيق التوازن؟ يقول جوناثان فولي المدير التنفيذي لمشروع “دروداون” الذي يقيِّم حلول خفض الكربون إنه “من غير المرجح أن تنجح إزالة الكربون باستخدام الآلات على نطاق واسع”.

ويشدد على أن “أكثر من 95 في المئة مما يتعين علينا القيام به هو تقليل الانبعاثات”، فيما “أقل من 5 في المئة يمرّ بإزالة الكربون، و90 في المئة من هذه الإزالة يجب أن تكون قائمة على الطبيعة، مثل الاستعادة البيئية والزراعة المتجددة”.

ومع ذلك، ليس هذا ما خططت البلدان للقيام به بحلول عام 2050، وفق ما خلص باحثون في دراسة نشرت نتائجها مجلة “نيتشر كلايمت تشاينج” لتحليل التزامات الدول.

ولا تزال معظم الدول الغنية تتوقع “انبعاثات متبقية” كبيرة بحلول عام 2050، تبلغ نسبتها في المعدل 18 في المئة من الانبعاثات الحالية، وتفترض أن التكنولوجيا ستوفر حينها إمكانات لإزالتها. لكنها تصطدم بانبعاثات مضاعفة تفوق توقعاتها، ومنها ما تسببه الحروب والنزاعات أيضا.

وقال علماء متخصصون في المناخ إن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب، خلال أول 12 شهرا منه، في إحداث نفس كمية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تقريبا الناجمة في دولة بحجم بلجيكا في نفس الفترة.

وتقدر الحسابات أن أكبر نسبة من الانبعاثات، والتي تبلغ نحو 50 مليون طن، ستنجم عن إعادة الإعمار بعد الحرب، عندما يتعين إعادة بناء محطات الطاقة والصناعة والمباني.

وتأخذ الحسابات أيضا في الاعتبار التسريبات من خطوط أنابيب نوردستريم وعوامل مثل الانبعاثات التي تسببها الطائرات التي تسلك مسارات التفافية طويلة عبر آسيا منذ فرض العقوبات ضد روسيا.

العرب