أثارت سلسلة من الهجمات المتتالية في البادية السورية تساؤلات، ووضعت علامات استفهام بشأن أهميتها ومدى تأثيرها؛ إذ إن الحديث هنا يتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية، الذي عاود نشاطه شرقي سوريا عبر هجمات نفذها ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية الموالية لها.
وجاءت الهجمات بعد ركود كبير نسبيا لأنشطة التنظيم منذ مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في أكتوبر/تشرين الأول 2019. فهل يحاول التنظيم النهوض مجددا، أم أنها “رقصة المذبوح”؟
ظهور جديد
لم يتوقف تنظيم الدولة منذ خسارته الكبرى في سوريا والعراق عن هجماته في البادية السورية، لكنها في الوقت ذاته وُصفت بالمتواضعة مقارنة بما كان ينفذه سابقا.
لكن الأسابيع القليلة الماضية كشفت عن مفاجأة فجرها التنظيم من خلال هجومين نوعيين، استنادا إلى أعداد الضحايا وموقعهما؛ فقد ترك الأول أكثر من 30 قتيلا للنظام السوري والمليشيات الموالية له أثناء نقل عناصر لهما بحافلة من دير الزور إلى تدمر بريف حمص الشرقي.
وتميزت العملية الثانية بتوقيتها وموقعها؛ إذ جاءت بعد أقل من 48 ساعة من الهجوم الأول، وتحديدا قرب مدينة السلمية بريف حماة، الأمر الذي أوضح أن نشاط التنظيم بدا أكبر مما كان عليها بعد الانحسار على يد التحالف الدولي.
وفي هذا الصدد، أكد الصحفي بشير العباد -في حديثه مع الجزيرة نت- أن تنظيم الدولة على الأغلب مسؤول عن الهجمات الأخيرة، بهدف التأكيد على أنه لا يزال موجودا، مشيرا إلى أن التنظيم يحمل شيئا من القوة ويقلق النظام السوري، لكنه ليس بالشكل الذي كان عليه سابقا.
من جانبه، اعتبر المحلل العسكري العقيد المنشق خالد المطلق -في تصريح للجزيرة نت- أن التنظيم أعاد إنتاج نفسه في البادية بإستراتيجية جديدة قائمة على حرب العصابات.
تشييع قتلى قوات النظام بعد هجوم تنظيم الدولة على حافلة على طريق دير الزور (الصحافة السورية)
التمدد
التجربة السابقة لتنظيم الدولة تجعل السؤال الأكثر أهمية عما إذا كان بوسعه التمدد مرة أخرى أم لا؟ وذلك في ظل حديث وزارة الدفاع السورية عن تحركات التنظيم في البادية وعمليات التصدي له.
لكن العقيد المطلق استبعد قدرة التنظيم على التمدد مجددا، “لأن تأسسيه قائم على ما وصفها بحرب العصابات وليس كجيش منظم”، وقال إن التنظيم ينشط في الأماكن التي أنكفأ إليها في السلسلة الشرقية لجبال تدمر ومنطقة المثلث بين الرقة والسخنة وحماة، بالإضافة إلى الريف الغربي من دير الزور، وجميعها في مناطق النظام السوري، أما نشاط التنظيم في مناطق ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية فهو أقل بكثير.
اعلان
ويرجع الصحفي العباد ذلك إلى تأسيس التنظيم مواقع له قبل الانحسار في البادية بعيدا عن سيطرة ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية، مؤكدا أن عمليات التنظيم في مناطق ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية قائمة على خلايا تنفذ عمليات اغتيال أو تفجير حسب الحاجة والأهمية بالنسبة له.
وهنا يشير المحلل العسكري خالد المطلق إلى أن نشاط التنظيم في مناطق ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية أكثر صعوبة بسبب وجود عدة عوامل، منها أجهزة تتبع حديثة تملكها تلك القوات، واتفاقيات تعقدها سرا مع التنظيم لعدم استهداف مناطقها.
آثار تعرض صهاريج النفط لهجوم من قبل تنظيم الدولة في ريف السلمية وسط سوريا (مواقع التواصل)
هجمات مختلفة
طبيعة الهجمات تساعد في تحديد منفذها في حال لم يعلن عن نفسه، وهذا ما حدث في هجمات متعددة لا يعلن التنظيم عن تبنيها، لذلك أكد الصحفي العباد أن هناك نوعا من الهجمات لا علاقة للتنظيم بها، فهي تجري بين المليشيات الإيرانية نفسها، من خلال أكمنة وتفجيرات لأسباب متنوعة، منها الخلاف على الغنائم أو السرقات.
ونقلت وسائل إعلام سورية معارضة بيانا قالت إن التنظيم نشره، وكشف فيه عن العمليات التي نفذها خلال 2020، وبلغت نحو 600 في مختلف أنحاء سوريا، منها نحو 500 في المنطقة الشرقية من البلاد.
ورغم المبالغة في هذه الأرقام، فإن العمليتين الأخيرتين أثبتتا أن نشاطا غير عادي ومقلقا بالنسبة للنظام يحدث في البادية السورية من قبل التنظيم.
الجزيرة