فريق بايدن في الشرق الأوسط يعكس توجهاته إزاء العراق وإيران 

فريق بايدن في الشرق الأوسط يعكس توجهاته إزاء العراق وإيران 

بعد تصديق الكونجرس الأمريكي على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، بات واضحًا أن العالم كله بشكل عام والعراق وإيران بشكل خاص يهيئان نفسيهما الآن للتعامل مع إدارة جديدة مختلفة، وبدأ ينشغل بالبحث عما قد تحمله السياسة الخارجية الأميركية في المرحلة المقبلة من عناصر التغير والاستمرارية.
إذا احتكمنا إلى السجل التاريخي لتطور السياسة الخارجية الأميركية طوال العقود الماضية، فسوف يسهل علينا أن نصل إلى نتيجةٍ مفادها أن عناصر الاستمرارية فيها تطغى غالبا، إنْ لم يكن دائما، على عناصر التغير، من دون أن تتأثر كثيرا بانتقال السلطة من رئيسٍ إلى آخر، أو من حزبٍ إلى آخر، إلا في أضيق الحدود.

يمضي بايدن قدما في السير على خطى الرئيس الأسبق باراك أوباما، ومن المتوقع أن يعلن تعيين مزيد من قدامى المحاربين في إدارة الأخير في الأسابيع المقبلة، خصوصا بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ في انتخابات الإعادة الضيقة في جورجيا، مما فتح الطريق أمام مرشحي الرئيس المنتخب للموافقة عليها.

وما أدل على هذا السير قيام الرئيس المنتخب جو بايدن في تعيين  بريت ماكغورك منسقاً لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي. وقد رأى منقذ داغر الباحث في معهد واشنطن بأن هذا التعيين يرسل أكثر من رسالة:

1- العراق ومن بعده سوريا لازالا يحضيان بأهمية بايدن.

2- عودة المياه لمجاريها بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران أصعب مما اعتقد البعض.

3- عودة الصراع بين الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي على ملفات المنطقة واردة.

والسؤال الذي يطرح الآن من هو بريت ماكغورك؟

هو محام ودبلوماسي أمريكي عينه أوباما في 23 أكتوبر/تشرين أول 2015 ليكون المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش” خلفا للجنرال جون ألين، بعدما كان نائبا له منذ 16 سبتمبر/ أيلول 2014.

قبل ذلك عمل ماكغورك نائبا لمساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون العراق وإيران، وقاد مفاوضات سرية مع إيران بين أكتوبر 2014 ويناير/ كانون الثاني 2016، أدت إلى الإفراج عن أربعة سجناء أمريكيين من سجن إيفين في طهران، كان من بينهم مراسل صحيفة “واشنطن بوست”، جيسون رضائيان.

كذلك عمل ماكغورك مساعدا خاصا للرئيس السابق جورج دبليو بوش ومديرا لشؤون العراق وأفغانستان، أما في عهد أوباما، فعمل مستشارا خاصا بالمجلس الأمن القومي وكبير مستشاري سفير الولايات المتحدة إلى العراق.

في يناير 2004 عاد ماكغورك ليعمل في القطاع الحكومي مستشاراً قانونيًا في سلطة الائتلاف المؤقت، ومستشارا قانونيا لسفير الولايات المتحدة في بغداد.

خلال تلك الفترة ساهم في صياغة مسودة الدستور العراقي المؤقت والقانون الإداري الانتقالي، وأشرف على الإجراءات القانونية لانتقال الحكم من سلطة الائتلاف المؤقتة إلى الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة رئيس الوزراء إياد علاوي.

في العام 2005 انتقل ماكغورك للعمل في مجلس الأمن القومي الأمريكي مديرًا لشؤون العراق، ثم عمل مستشارا خاصا للرئيس الأمريكي ومدير شؤون العراق وأفغانستان.

عام 2006 كان ماكغورك أول من دعا إلى تغيير جذري في السياسة الأمريكية تجاه العراق، وروج لفكرة زيادة عدد القوات الأمريكية هناك والتي بدأت بالفعل في يناير 2007.

أشار إليه الرئيس جورج دبليو بوش في كتابه “نقاط القرار” على أنه جزء من فرقة المحاربين الشخصية للرئيس والتي أدت إلى إحداث استراتيجية جديدة وإعادة الحرب إلى مسارها في العراق.

بعد ذلك طلب الرئيس بوش من ماكغورك قيادة المفاوضات مع حكومة العراق بجانب السفير ريان كروكر، لوضع أسس اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية لضمان الاستمرارية في ذلك النهج السياسي بعد نهاية ولايته.

وفي العام 2009 كان ماكغورك أحد السياسيين الثلاثة الذين انتقلوا من إدارة الرئيس بوش إلى إدارة الرئيس أوباما وتولى منصب مستشار الرئيس الأمريكي ومستشار سفير الولايات المتحدة في العراق.

حصل على جائزة الشرف المتميزة وجائزة الشرف العليا من الخارجية الأمريكية تقديرا لجهوده في العراق، كذلك منح جائزة الخدمة المتميزة وجائزة ثناء الخدمات المشتركة من قبل مجلس الأمن القومي الأمريكي.

ترك العمل في القطاع الحكومي خريف 2009 ليشغل منصب زميل مقيم في معهد هارفارد للسياسات، حيث أشرف على مجموعة دراسية تعنى ببحث المواضيع المتعلقة بدراسة أعلى مستويات الخطورة في المداولات.

كما شغل منصب زميل الشؤون الدولية في مجلس العلاقات الخارجية، ثم دعي بعد ذلك للعمل في القطاع الحكومي مرتين، الأولى كانت بعد أزمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة صيف 2010، وفي صيف 2011 بسبب تعثر المفاوضات الخاصة بتمديد الاتفاقية الأمنية والتي كانت قد أبرمت بنجاح مع الحكومة العراقية عام 2008.

تم تعيين ماكغورك في أغسطس/ آب 2013 نائبا لمساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران في مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية.

وفي 13 سبتمبر 2014 أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تعيين ماكغورك سفيرا ونائبا للمبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة “داعش”، وبعدها بثلاثة أيام التقى السفير ماكغورك في البيت الأبيض مع الرئيس أوباما وجنرال مشاة البحرية المتقاعد جون ألين لمناقشة استراتيجية بناء تحالف دولي لمكافحة “داعش”.

وفي 3 ديسمبر 2014 عقد اجتماع في العاصمة البلجيكية بروكسل وتم تشكيل تحالف رسمي من 62 دولة لدعم العراق ومساعدة الحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي، في محاربة “داعش” بالإضافة إلى خمسة أطر عسكرية ودبلوماسية لدعم هذا الجهد.

في يناير عام 2016 زار الدبلوماسي ماكغورك شمال سوريا كجزء من بعثة مكافحة “داعش” والتقى مسؤولين من تنظيمي “ب ي د” و”ي ب ك”.

ما بين أكتوبر 2014 ويناير 2016 كان ماكغورك المفاوض الرئيسي في مفاوضات سرية ومكثفة أجريت مع إيران لإطلاق سراح أربعة سجناء أمريكيين وإعادتهم إلى الولايات المتحدة.

ملامح سياسات بايدن في الشرق الأوسط من خلال تعيين ماكغورك

تتيح لنا قراءة السيرة الذاتية لماكغورك، والمهام الحساسة التي اضطلع بها وأشرف على تنفيذها في المنطقة، استقراء طبيعة المهام التي ستسند إليه مستقبلا من جهة، واستبيان ملامح الاستراتيجية الأمريكية لإدارة بايدن من جهة أخرى.

تشير سيرته الذاتية إلى أنه كان معاصرا ومتابعا لدخول “داعش” إلى الموصل، وأنه كان ينتقل بشكل غير رسمي بين سوريا والعراق، وعند اجتياح “داعش” المشبوه للموصل، كان ماكغورك موجودا في أربيل، وقبلها في عين العرب “كوباني”.

من سيرته الذاتية، يبدو جليا أنه من أشد المتحمسين لتسليح المليشيات الكردية الانفصالية المسلحة، وساهم في تقديم كافة أشكال الدعم والتخطيط والتوجيه لإبعاد الشبهات عنها، وإكسابها صفة سياسية تحت مسميات شتى.

وكانت تلك المسميات تارة باسم قسد “قوات سوريا الديمقراطية”، وتارة أخرى باسم “مسد”، لكن لا يخفى على عاقل الأهداف الانفصالية لتلك المليشيات التي تخطط إلى الانفصال عن سوريا وإقامة دولة تمتد من حدود العراق شرقا وشمال سوريا وجنوب تركيا، وتنتهي بالبحر المتوسط حتى يكون لها منفذ بحري.

هذا المشروع الذي كان يسير بخطى متسارعة تحت رعاية وإشراف ماكغورك، كان على وشك تحقيق أهم مراحله في السيطرة على الشمال السوري بكامله، لولا قيام تركيا بعملية “درع الفرات”، التي قطعت أوصاله، وقضت على حلم الميليشيات الانفصالية بالاقتراب من ساحل البحر المتوسط.

ثم أتبعت تركيا عملية “درع الفرات” بعملية “غصن الزيتون” ثم عملية “نبع السلام”، لتقضي على الأحلام الانفصالية لتلك المليشيات، ولتبطل مفعول خطط تقسيم سوريا والعراق.

لا يخفي ماكغورك علاقته الحميمة بالميليشيات الكردية الانفصالية، وظهر مرة بتاريخ 1 فبراير/شباط 2016، وهو يسلم جائزة لأحد قادة “ب ي د/ بي كا كا”، ومرة أخرى في 17 مايو/أيار 2017، وهو في اجتماع مع قادة ما يسمى بحماية الشعب “ي ب ك”.

وقد استقال من منصبه كمبعوث للتحالف الدولي ضد “داعش” بعد قرار الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سوريا، وأدان أكثر من مرة تخلي الإدارة الأمريكية عن (الأكراد) في ظل الهجمات على مناطق بشمال شرق سوريا، مما دفع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، للقول: “إن ماكغورك يدعم بوضوح (بي كا كا) ووحدات (ي ب ك)، إنه يعمل ضدنا”.

ما من شك بأن ماكغورك عقل سياسي بارز ويتمتع بخبرة طويلة في المفاوضات السرية وله باع طويل فيها، وتتيح له معرفته بلغات المنطقة – يتكلم العربية والفارسية – سهولة التواصل وعقد الصفقات السرية والعلنية، وهذا يؤهله ويجعل منه خبيرا مخابراتيا مؤهلا لترتيب شؤون المنطقة لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

تشير الاختيارات والتعيينات أن بايدن يعتزم اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه تركيا، وسياسات الرئيس رجب طيب أردوغان، وأنه يعتزم قيادة السياسة الإيرانية بالدبلوماسية بدلاً من العقوبات والقوة العسكرية.

وفي أثناء توليه ملف العراق، دعم بريت ماكغورك بالتعاون مع بعض الدول العربية مجموعة من الشخصيات السُنية في الانتخابات النيابية السابقة، لتشكل – فيما بعد- كتلة نيابية صلبة للوقوف في وجه النفوذ الإيراني، لكن ما حدث عكس ذلك تمامًا، فمبجرد فوز تلك الشخصيات في تلك الانتخابات فبدلًا أن تنضم إلى كتلة الإصلاح التي هي الكتلة الوطنية ” الصدريون، والحكمة، وأسامة النجيفي، وإياد علاوي، وبعض الليبراليون” كانت المفاجأة بانضمامهم إلى كتلة البناء وهي الكتلة الحليفة لإيران في العراق.!

مع المنصب الجديد لبريت ماكغورك سيكون العراق جزء من اهتماماته الواسعة، فالعراق لن يكون اهتمامه الوحيد كما كان في السابق، لكن هذا لا يمنع قيامه بعدة زيارات له في قادم الأيام لاسيما أولًا أن بريت ماكغورك تجمعه علاقات مع برهم صالح رئيس جمهورية العراق، ومصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراق، وثانيًا، وأن العراق مقبل على انتخابات نيابية حاسمة في حزيران/ يونيو القادم، ستحدد نتائجها بشكل كبير مستقبل العراق.

أما المسؤول الحالي عن ملف العراق منذ  هو السفير الأمريكي ماثيو تولر، ويعتبر ماثيو أكثر المنتقدين للسياسات الإيرانية ونفوذ طهران في العراق وسورية والمنطقة العربية، فهو من الشخصيات السياسية الواقعية وتعامل مع الاعتداءات المتكررة ضد السفارة الأمريكية من قبل المليشيات الولائية وفق مبدأ ضبط النفس، نعم، هو يحسب على الجناح الحمائمي في الدبلوماسية الأمريكية لكن ذلك لا يمنع أن يتحول إلى ” سفير حربي” إذا استدعت المصلحة الأمريكية العليا ذلك. هذا السفير قاب قوسين أو أدنى من إنهاء خدمته الدبلوماسية في العراق، ويبدو أن ” ديفيد هيل” هو المرشح لسفير الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وهو من الشخصيات الدبلوماسية المرموقة في وزارة الخارجية الأمريكية.

أما الشخصية الدبلوماسية الثالثة التي من المقرر أن تكون ضمن فريق جو بايدن، ” جوي هود” وهو مساعد مساعد وكيل وزير الخارجية، ومسؤول عن ملف العراق في تلك الوزارة، عمل كدبلوماسي في العراق في فترة زمنية سابقة، حيث كان نائبًا للسفير الأمريكي في العراق، وقائمًا للأعمال فيه لفترة قصيرة.

قد يكون من الصعب، في هذا الحيز، رصد كل أوجه التغيرات المحتملة في السياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن، غير أنه يمكن من خلال تلك التعيينات المرتقبة فهم التوجهات العامة إزاء العراق وإيران فهناك اعتبارات كثيرة متشابكة ومعقدة، تدفع الولايات المتحدة إلى العمل بكل الوسائل الممكنة، لضمان عدم امتلاك إيران السلاح النووي. ولتحقيق هذا الهدف لن يكون أمامها سوى الاختيار من بين بدائل ثلاثة: الاستمرار في السياسة التي ينتهجها ترامب، وتستهدف إجبار إيران على إعادة التفاوض حول برنامجها النووي، من خلال ممارسة أقصى قدر من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية المتاحة. الذهاب إلى حد الصدام العسكري وإعلان الحرب على إيران، خصوصا إذا فشل البديل الأول، أو اتضح عجزه عن تحقيق الأهداف المأمولة. محاولة احتواء إيران بالوسائل الدبلوماسية من خلال العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، تمهيدا لإغرائها بإعادة فتح باب التفاوض بشأن القضايا الخلافية، وفي مقدمتها برنامج إيران الصاروخي، وسياسة إيران ونفوذها في المنطقة، غير أن الطريق أمام بايدن لن يكون ممهدا على هذا الصعيد، لأسباب عديدة، أهمها أن إسرائيل، ومعها الدول العربية الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، ستقاوم بكل السبل عودة الولايات المتحدة إلى الانخراط في الاتفاق النووي مع إيران، وستدفع في اتجاه العمل على اعتماد الخياريْن الآخرين: العقوبات القصوى أو شن الحرب على إيران. وأمام هذين الخيارين يدرس العراق مواقفه لتجنيب نفسه نتائج ذلك الخياران.

وحدة الدراسات العراقية