يبدو وكأنه قد مرّ وقت طويل، منذ أن أجريت الانتخابات الرئاسية في سوريا في الثالث من يونيو (حزيران) 2014. أمور كثيرة تغيرت في الإقليم، ونشأت تحالفات وانتهت أخرى. وتغيرت سياسات ونوايا من كانوا يعدّون حلفاء للنظام السوري ومن هم اللاعبون الأساسيون على الساحة السورية اليوم، تشابكت المصالح وتعقدت لدرجة أنه حتى الحلفاء غرقوا في المستنقع السوري، فتبدلت أدوارهم ليتحولوا إلى خصوم يتناتشون الجبنة السورية، ما سيكون له أثر على مستقبل نظام دمشق ووحدة سوريا، علماً أن الكثيرين من السوريين الموجودين في الخارج والداخل، لا يعولون على تغيير جذري قد يحصل في الانتخابات المقبلة.
المسودة الروسية
تعد الانتخابات الأخيرة التي أجريت 2014 أول انتخابات متعددة المرشحين منذ وصول حزب البعث إلى السلطة في انقلاب 1963، ووفقاً لقانون الانتخابات، بحسب الدستور الجديد، الذي اعتمد في أعقاب الاستفتاء الدستوري السوري 2012، فقد تغيّرت طبيعة الانتخابات الرئاسية من استفتاء إلى اقتراع متعدد المرشحين، ووفق هذا القانون الذي اعتمده البرلمان السوري في أوائل عام 2014، يقصر الترشح على الأفراد الذين عاشوا في سوريا على مدى السنوات الـ10 الماضية، بالتالي يمنع المنفيون من الترشح، وكانت مسودة المشروع الروسي للدستور السوري (2017) قد حددت قواعد لانتخاب رئيس الجمهورية السورية وبقائه في السلطة، تسمح للرئيس الحالي، بشار الأسد، بتولي هذا المنصب، نظرياً، حتى عام 2035. ويعني هذا نظرياً أن الرئيس السوري الحالي، الذي يتولى منصبه منذ عام 2000 وتمت إعادة انتخابه عام 2014 لسبع سنوات أخرى، يمكنه، وفقاً للمسودة الروسية، أن يشغل كرسي الرئيس مرتين أخريين على الأقل، أي أن يتولى هذا المنصب حتى عام 2035 في حال إجراء انتخابات رئاسية في عام 2021، أي عندما تنتهي صلاحياته، وفقاً لقواعد الدستور الذي أعدته روسيا. وتعقد الانتخابات المقبلة بين 16 أبريل (نيسان) و16 مايو (أيار) 2021، ومن الأسماء التي أعلنت عن ترشحها بشار الأسد، مرشح حزب البعث، وجمال سليمان، ممثل ومرشح تيار الغد السوري، وفهد المصري، مرشح مستقل، وعبدالله الحمصي، مرشح مستقل.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين قد صرح في الرابع من يناير (كانون الثاني) الحالي، أن دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في سوريا، تقوض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية في هذه الدولة، وأضاف في حديث لوكالة “نوفوستي”، “على الرغم من العوامل السلبية والقيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، تواصل العمل في جنيف اللجنة الدستورية الخاصة بسوريا”، وتابع، “في غضون ذلك، تظهر تصريحات في بعض المحافل الدولية حول التبني العاجل لدستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا. وهذا يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم، وفي الوقت نفسه يقوضون استقرار عمل مؤسسات الدولة السورية”.
الثوار والنظام جميعهم خسروا
في مقال للكاتب جورج مالبرونو في صحيفة “Le Figaro” بتاريخ 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعنوان “أنقذ بشار الأسد سلطته، لكنه يحكم حقلاً من الخراب”، يطرح مالبرونو أسئلة عدة، “هل ستتخلى موسكو عن الأسد؟ هل تستطيع إيران الانسحاب؟ وهل سترد تركيا على العقوبات الأميركية الأخيرة بشن هجوم جديد على أعدائها الأكراد السوريين؟ قبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية في دمشق تستمر المسلسلات الدرامية السورية في تأجيج التكهنات”، يتحدث خلال المقال مع المعارض السوري ميشال كيلو (82 سنة) اللاجئ في فرنسا، ويخلص إلى نتيجة أن عام 2021 هو عام التجديد لبشار الأسد، ما لم تجد روسيا بديلاً، وهذا احتمال ضئيل، فسوريا بلد يجب أن يبقى تحت السيطرة، يقول كيلو، “الثوار والنظام جميعاً خسرنا، رفض النظام الحل السلمي في بداية الثورة، وفقدت الثورة وحدتها، قوضها نفوذ الإسلاميين. جاؤوا بأسلحتهم، وامتصوا ثورة الحرية لقيادة ثورة مضادة”، وبرأي المعارض السوري أنهم كانوا “ساذجين”، “كان لا بد من إيجاد حل مع النظام، قبل أن يصبح الصراع بين الأطراف السورية جزءاً صغيراً من الحرب”، “لكن النظام لم يكن يريد ذلك أبداً، وكان من الصعب معرفة الأمر، وأعتقد الناس أن الأميركيين سيتدخلون”.
ويردف قائلاً، “في النهاية، لم نفهم نحن ولا النظام أن المعارضة التي ننخرط فيها ستختفي بتدخل قوى عظمى مثل روسيا وتركيا وإسرائيل وإيران والقوى الإقليمية”، واستمرت الحرب منذ ذلك الحين، ولكن من أجل لا شيء، لا يمكن للنظام ولا لنا نحن، المعارضين، أن نقرر ما نريد، تركيا تقرر عنا وبالنسبة للنظام من يقرر هو إيران وروسيا، وإذا كان الرئيس السوري قد سحق الثوار فذلك بفضل دعم إيران وروسيا فقط.
بحسب مالبرونو، يلعب النظام من أجل بقائه، ويمارس قمعاً دموياً، تنازل عن المدن ولم يكن لديه خيار سوى طلب المساعدة من حلفائه، “حزب الله” اللبناني عام 2013، ثم إيران وميليشياتها الأفغانية والعراقية، وأخيراً روسيا اعتباراً من عام 2015، لم يتردد النظام في لعب الورقة الجهادية، واستغلال التقاعس الدولي، للقيام بقصف ضواحي دمشق بالغاز في صيف 2013، “تمت إبادة الشعب ولم يسلم أنصار الأسد من الإبادة”، يقول كيلو. وتبعاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، “قتل 117 ألف مدني و22 ألف طفل، وفقد كل من النظام 130500 مقاتل، و”حزب الله” 1700 مقاتل، والمتمردين 57000 و67500 جهادي، ولا تشمل هذه الحصيلة 88 ألف شخص ماتوا تحت التعذيب في سجون النظام”، “الحدود الدولية لسوريا في أيدي الأجانب بنسبة 80 في المئة، لا يسيطر النظام إلا على المعابر المؤدية إلى كسب، شمال لبنان، وقليلاً على طول الأردن، إلا أن الحدود هي أحد الرموز الرئيسة لسيادة أي بلد”.
العالم ملزم بإعطاء بديل للسوريين
يقول فابريك بالانش، العالم الجغرافي والمتخصص في الجغرافيا السياسية لسوريا ولبنان والشرق الأوسط بشكل عام، “استسلم الروس في إيجاد بديل عن الأسد”، باعتراف الجميع، كما أن الأسد لا يسهل عليهم الأمر، لكن التدخل الروسي في سوريا منح موسكو مزايا”، يضيف الباحث، “وجود موطئ قدم في البحر المتوسط، ومحطات رادار في تدمر، واختبار معدات عسكرية لبيعها في العالم، وكوسيط بين إسرائيل وإيران، الروس واقعيون، يعرفون أن سوريا غير قابلة للإصلاح مع الأسد، لكن من دونه ستحل الفوضى”، “لكن الأسد يعرف تماماً أن أفضل حام له، هي إيران التي لن يتركها”.
يعترف ميشال كيلو أنه على المدى القصير، لا شيء جيداً للمعارضة وصحيح أن الروس موالون للأسد، لكن إذا ما قال لهم الأميركيون، لنجلس إلى طاولة واحدة لإيجاد اتفاق قد ينشأ أمل جديد لإنهاء الجحيم السوري، ومع هذا، فإن كيلو “لا يأمل بشيء من إدارة بايدن”، ولكن بعد 10 سنوات من التضحيات، في هذه الحرب المتقلبة، لا يزال هناك شيء واحد مؤكد بالنسبة لكيلو، “أن الناس لن يعودوا إلى الأسد إذا اختار العالم إبقاء الأسد. كما أن العالم ملزم بإعطاء بديل للسوريين”.
الداخل السوري
ماذا عن الداخل السوري، كيف يتحضر وماذا يقول؟ من سيترشح بوجه الأسد من داخل سوريا؟ وهل الانتخابات ستكون شكلية صورية؟ أم أنها حقيقية؟
يقول عضو المجلس الشعب السوري أحمد مرعي، “القراءة السورية للانتخابات الرئاسية هي أنها استحقاق دستوري، يجب أن يتم بوقته ووفق الشروط المنصوص عليها في قانون الانتخابات ووفق الدستور”.
وعن وجود مرشحين، يشير إلى أن هذا الأمر يحدده قانون الانتخابات كما حصل عام 2014، كان هناك مرشحون بالإضافة إلى الأسد، ويعتقد مرعي أن هذه المرة أيضاً، سيكون هناك أكثر من مرشح، ويضيف أن “هذا الاستحقاق مرتبط بصورة سوريا إلى الخارج بعد حرب دامت 10 سنوات للقول إن سوريا وصلت إلى برّ الأمان، وتستطيع أن تجري كل استحقاقاتها الدستورية، أيضاً يظهر الموقف الأميركي واضحاً من هذه الانتخابات، عبر زيادة الضغوط من أجل فرملة هذا الاستحقاق، أو قراءته من زاوية أخرى، خصوصاً أن كل الضغوطات الأميركية لم تجدِ نفعاً”.
وعن شكلية أو حقيقة هذه الانتخابات، يرى عضو الشعب السوري أن “لكل بلد طبيعته الخاصة، وهذه الانتخابات ليست شكلية صورية بل حقيقية، بما تعنيه أن هناك انتخابات تجرى كل سبع سنوات، ويقول السوريون كلمتهم”، ويشير إلى أن دور المعارضة السورية سيكون وفق ما يقرره الدستور ونظام الانتخابات.
أما عن السؤال إذا ما كانت السيدة أسماء الأسد زوجة الرئيس الحالي ستترشح، يقول، “حتى اللحظة لم ينطلق سباق الرئاسة”.
الأسد يستعين بالأصدقاء اللبنانيين
وكان راج بعض المعلومات عن تواصل مقربين من الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية (الذي يفاخر بصداقته مع الأسد) مع معارضين يعيشون في الخارج، وهذا الكلام أكده أكثر من مصدر سوري معارض.
وللتأكد من صحة هذه المعلومات تواصلت “اندبندنت عربية” مع معارضين مستقلين في المغترب، ويقول أحد المصادر (الذي تمنى عدم ذكر اسمه)، أنه بالفعل، تواصلت معه شخصية من جماعة فرنجية كما سماها، وقالت له إن الأسد عنده نية لمسامحة المعارضين الذين سيعودون إلى سوريا، ولن يحاسبوا أو يعتقلوا.
ماذا عن دور المعارضة السورية الموجودة في الخارج؟
لا يعول المصدر نفسه على دور كبير للمعارضة في الانتخابات المقبلة المؤلفة من هيئة التفاوض والإئتلاف ومنصتي القاهرة وموسكو، وهيئة التنسيق، والعسكريين ومستقلين، ويقول، “إنهم لم يتفقوا على أمور شكلية إلى الآن، منها الجمهورية السورية أو الجمهورية العربية السورية، النشيد الوطني، ما هي ألوان العلم السوري، وغيرها من الأمور”، لكن يعوّل على السياسات المتغيرة في المنطقة والتي أدت إلى تسارع الأمور، خصوصاً بعدما بدأت اتفاقيات السلام مع إسرائيل، إضافة إلى اتفاقية “العلا” التي نصت صراحة على “إخراج القوات الإيرانية، ولم تشر إلى تركيا”، بحسب المصدر.
ويشرح أيضاً أن “سوريا كما نعرفها قد تغيرت، وما يهم النظام حالياً هو السيطرة على “سوريا المفيدة” وهي المنطقة التي تمتد من دمشق إلى القلمون وحمص ودرعا وحماة، وصولاً إلى طرطوس واللاذقية وحتى الحدود التركية”، “لكن سوريا” هذه لا تزيد على 25 في المئة من مساحة سوريا الكاملة، أما سوريا الأخرى المفيدة اقتصادياً والتي تستحوذ على قرابة 70 في المئة من الثروة الوطنية وأهمها منطقة الجزيرة الخاضعة للنفوذ الكردي، والتركي والأميركي، وما تبقى من المعارضة المسلحة، وهذا ما يجعل السلة الغذائية ومصادر الطاقة خارج سيطرة النظام، ما يحول “سوريا المفيدة” سياسياً الخاضعة للاحتلالين الروسي والإيراني إلى عبء عليهما، لأنهما لا يملكان الموارد الكافية لمساعدة النظام على الصمود، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
رسائل إلى إسرائيل
ويعلق على ما تناقلته وسائل الإعلام عن لقاء جمع الأسد بمسؤول أمني إسرائيلي، وبحضور عسكري واستخباراتي روسي في قاعدة حميميم في سوريا، ويقول قد يكون صحيحاً وقد لا يكون، لكن يشير إلى أن الأسد “يعي تماماً أن هناك توجهاً دولياً لإقصائه عن الحكم، عدا عن أن نظامه في حال تآكل، لذا هو قد يكون بدأ بإرسال رسائل إلى الإسرائيليين في محاولة لاستمالة الغرب، ومنها ما قام به رجل الأعمال الأردني، حسن إسميك، عندما قال للغرب ولإسرائيل، إن دمشق أصبحت تدرك عبء التحالف السوري- الإيراني، والمأزق الخطير الذي تعيشه سوريا، هو لا سلم ولا حرب، والعقبة الأساسية في الحل السوري هي إيران ونفوذها في سوريا”، وهذا من عادات الأسد، أي الدفع برجال أعمال لقول ما يريد ومن ثم التنصل منهم”، ومع هذا يضيف، “إسرائيل ليست مهتمة باتفاق مع نظام الأسد الذي أصبح ممجوجاً متآكلاً، بل تفضل عقد تحالف مع نظام يقوده سني مستقل”.
سوسن مهنا
اندبندت عربي