قبلت الحكومة العراقية على مضض تأجيل موعد الاقتراع النيابي العام الذي كان مقررا في السادس من يونيو القادم إلى العاشر من أكتوبر 2021، بعد تأكيد مفوضية الانتخابات حاجتها إلى المزيد من الوقت لاستكمال جميع المتطلبات الضرورية، في خطوة قال مراقبون إنها تمنح الأحزاب التي تأسست في أجواء الحركة الاحتجاجية وشعاراتها فرصة الاستعداد للمشاركة من موقع قوة في مواجهة تيارات الإسلام السياسي ذات الثقل في البرلمان.
وسبق لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن اختار السادس من يونيو 2021 موعدا للانتخابات المبكرة، التي كانت أحد أبرز مطالب حراك أكتوبر الشعبي الواسع في 2019.
واختار الكاظمي هذا الموعد كي يتجنب تأثير أشهر الصيف الحارة على مزاج الناخبين، حيث يستمر ملف الكهرباء في تشكيل أحد أكبر تحديات الحكومات المتعاقبة على إدارة البلاد.
وكان رئيس الوزراء العراقي يأمل أن تُجرى الانتخابات بداية يونيو، وهو باكورة الأشهر الحارة جدا في البلاد؛ إذ أن دخول يوليو وأغسطس بدرجات حرارة تناهز الـ50 درجة مئوية، مع شلل شبه تام في منظومة الطاقة الوطنية، يعني أن الناخب سيكون ناقما جدا على الحكومة بعد انتهاء الصيف، ما قد يدفعه إلى تصويت عقابي ضدها وضد كل من يمثلها.
لكن الكاظمي اضطر إلى قبول هذه المجازفة وإعلان العاشر من أكتوبر موعدا جديدا للانتخابات المبكرة، لمنح المفوضية الفرصة الكافية لتسجيل الأحزاب والكيانات المتنافسة وتحديث سجلات الناخبين الذين يحق لهم أن يشاركوا في الاستحقاق الانتخابي.
وتريد الحكومة أن تعوض تداعيات قرار تأجيل الانتخابات بمنح أكبر عدد من الأحزاب الجديدة التي تأسست في أجواء الحركة الاحتجاجية فرصة خوض السباق الانتخابي، وأن تقنع أكبر عدد من الناخبين بضرورة تحديث بياناتهم لتتسنى لهم المشاركة.
ويسود اعتقاد مبني على مخرجات تجارب انتخابية سابقة في العراق، بأن الأحزاب التقليدية تملك جمهورا محدودا، هو الذي اعتاد التصويت لها في كل اقتراع.
وبسبب تفشي الفساد السياسي في أوساطها وفشلها في ترشيح شخصيات ملائمة لشغل المواقع التنفيذية، لم تتمكن هذه الأحزاب من تطوير قواعدها الشعبية، وبقي الجمهور الذي يصوت لها هو الجمهور الذي ترتبط مصالحه بها مباشرة، ولاسيما في ما يتعلق بالجانب الوظيفي.
زيادة الإقبال على تحديث السجلات الانتخابية تشعر أحزاب الإسلام السياسي بالخطر
زيادة الإقبال على تحديث السجلات الانتخابية تشعر أحزاب الإسلام السياسي بالخطر
لذلك يعتقد مراقبون أن الإقبال الشعبي الكبير على المشاركة في الاقتراع العام قد يضع الأحزاب العراقية التقليدية -وهي في معظمها تنحدر من خلفيات على صلة بالإسلام السياسي- في ورطة.
وعندما قاطع معظم العراقيين الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 2018، كانت أحزاب الإسلام السياسي الشيعي والميليشيات المسلحة التابعة لإيران هي الرابح الأكبر، وهو أمر تخشى حكومة الكاظمي تكراره.
وبالرغم من أن احتجاجات أكتوبر 2019 حركت المياه السياسية الراكدة وأطلقت سقوفا عالية لطموحات التغيير لدى الشارع، إلا أنها تلاشت قبل أن تحقق أهدافها، ما أعاد الكثير من محركاتها إلى مربع اليأس الذي كان سببا في مقاطعة اقتراع 2018.
ولكن المؤشرات التي توفرها عملية تحديث سجلات الناخبين تؤكد وجود إقبال شبابي واضح للحصول على بطاقة المشاركة في الاقتراع.
وقالت مصادر في مفوضية الانتخابات إن “نسب تحديث سجل الناخبين في أوساط الشبان مرتفعة حتى الآن”.
ولا تتوفر أرقام دقيقة لعدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت في انتخابات 2021، لكن التقديرات تشير إلى أن الرقم هو 25 مليونا، بعد إضافة مواليد الأعوام 2001 و2002 و2003، الذين بلغوا الآن السن القانونية للمشاركة، وهي 18 عاما.
وفي حال تأكدت زيادة الإقبال على تحديث السجلات الانتخابية استعدادا للتصويت في صفوف الشبان، فإن على أحزاب الإسلام السياسي أن تشعر بالخطر فعلا.
وشكل الشباب العمود الفقري لاحتجاجات أكتوبر 2019 الشعبية الحاشدة، وتحملوا الجانب الأكبر من التضحيات خلالها، حيث رفعوا شعار استعادة الوطن من إيران وأحزابها الطائفية وميليشياتها المتورطة في جرائم واسعة.
ويقول مراقبون إن هؤلاء الشبان في حال خرجوا للتصويت في العاشر من أكتوبر القادم، قد يكونون على موعد مع تغيير مصير البلاد الغارقة في العنف والفوضى والظلام والفقر.
صحيفة العرب