رفضت دوائر فلسطينية مقربة من رئيس السلطة الوطنية محمود عباس الاستجابة لنصيحة مصرية أردنية حول توحيد حركة فتح لدخول الانتخابات المقبلة بصورة أكثر تماسكا، تمكنها من تقليص نفوذ حركة حماس في قطاع غزة.
وأرجعت الرفض إلى أن جسم الحركة حاليا يستطيع المنافسة بقوة في الضفة الغربية، ولن يكون لقمة سائغة في مواجهة حماس بغزة، وأي مصالحة داخلية في هذا التوقيت ستفهم على أن الرئيس أبومازن وفتح في موقف ضعيف، ومضطران لمصالحة مع شخصيات انفصلت أو فُصلت من الحركة، ما يمنح انبطاعات قاتمة عن قياداتها.
وقالت “القناة 11” الإسرائيلية إن القاهرة وعمّان تضغطان على أبومازن لوقف الانقسام وتوحيد صفوف مرشحي فتح قبل الانتخابات لأجل الفوز على حماس.
وأشارت إلى أن رئيسي المخابرات المصرية عباس كامل، والأردنية أحمد حسني، طالبا خلال زيارتهما رام الله، الأحد، أبومازن في حضور رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، بترشح فتح على قائمة واحدة ومن دون انقسامات.
ويعد تيار الإصلاح، الذي يقوده القيادي الفتحاوي محمد دحلان، الأبرز الذي يحتفظ بمسافة عن القيادة الحالية ولم يمانع في دخول الانتخابات بقائمة موحدة، غير أن ردود الفعل على هذا الطرح لم تكن إيجابية، ما يعني أن تيار الإصلاح يخوض المنافسة بمفرده، معتمدا على ما راكمه من حضور لافت خلال السنوات الماضية في الضفة وغزة.وتخشى القاهرة وعمّان تكرار مشهد الانقسام الذي أعقب انتخابات عام 2006، ما يؤثر على الوضع الفلسطيني العام، أو تكتسح حماس الانتخابات في غزة وتحصل على نسبة كبيرة من المقاعد في الضفة، وتشكّل حكومة فلسطينية بمفردها، أو بتحالف بسيط مع فصائل أخرى، وتزداد الشروخ في الجدران الفلسطينية.
وقللت مصادر سياسية، تحدثت معها “العرب”، من إمكانية التفاهم بين فتح وحماس، واقتسام مناطق النفوذ مناصفة، لأن حماس يمكن أن تتفق على هذه القاعدة الآن، وينقضها كوادرها عند التصويت، حيث تدرك أنها في وضع سياسي أفضل من فتح.
أنتوني بلينكن: نحن مع حل الدولتين، لكن تنفيذه صعب على المدى القصير
وأضافت المصادر أن فوز حماس الكبير غير مستبعد، في ظل استمرار تشرذم فتح، وارتياح إسرائيل لنتيجة من هذا النوع، يمكن أن تؤثر سلبا على استئناف مفاوضات لا ترحب بها تل أبيب، خاصة أن وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن أكد الثلاثاء أمام الكونغرس دعم إدارة الرئيس جو بايدن لحل الدولتين، وإن لفت إلى أن تنفيذ هذا الخيار سيكون صعبا على المدى القصير.
وتجد مصر والأردن في ملامح الزخم الأميركي بارقة أمل لاستئناف عملية السلام، ويعلمان أنه سوف تكون هناك صعوبة إذا فازت حماس بارتياح، فقد تدخل المفاوضات في تعقيدات القبول والرفض حول ما يمكن طرحه قبل الجلوس على الطاولة.
ويساعد توحيد فتح على تعزيز فرص الفوز في الانتخابات، ويقطع الطريق على مناكفات حماس المنتظرة على أكثر من مستوى، بل ويحفظ للحركة الأم مركزيتها في القضية الفلسطينية، ويعيد إليها الحيوية قبل أن تدخل في منزلقات جديدة.
وتهدف التحركات الحثيثة إلى تشكيل مشهد فلسطيني على درجة من التفاهم حول الخطوط العريضة للمفاوضات، والاستفادة من فترة جس النبض الأميركية لتهيئة الأجواء أمام حالة فلسطينية قادرة على التعايش مع المستجدات.
ويرخي إصرار فتح على عدم توحيد صفوفها بظلال سلبية على ملف المصالحة الذي تستعد القاهرة لتدشينه في أوائل فبراير المقبل، والاتفاق على النقاط الرئيسية في ملف الانتخابات، والتي يمكن أن تواجه بعراقيل عند الدخول في تفاصيلها.
ويقول مراقبون إن أبومازن في موقف يوحي بأنه أمام مأزق سياسي، بسبب إصراره على عدم المصالحة داخل حركته الأم، وقبوله بالمصالحة مع حماس التي تتناقض ثوابتها مع الكثير من مكونات خطابه الأساسي، ما يعني أن الرجل ومن يلتفون حوله يفضلون نار حماس على جنة من كانوا في خندق واحد معهم في يوم من الأيام.
وقد تكون لهذه الحالة ارتدادات قوية على فتح، لذلك فحماس أكثر المستفيدين من استمرار التشرذم، فهو رأس الحربة الذي يمكنها من تحقيق فوز مريح في الانتخابات.
وكشفت مواقف حماس الأخيرة عن قدر لافت من الليونة في حواراتها مع فتح في المحطات التي التقيتا فيها، في الدوحة وإسطنبول تحديدا، وتمثل هذه المرونة المصطنعة فخا، تتمكن به حماس من خداع فتح التي يروج بعض قادتها إلى أنهم في موقف أفضل يمكنهم من الفوز في الانتخابات دون الحاجة إلى لمّ الشمل الفتحاوي.
ويكمن التحدي الدقيق في تشجيع قطاعات شبابية على التصويت، وخروج الكتلة الصامتة في غزة للاقتراع، كي لا تنفرد حماس بالسيطرة على المجلس التشريعي ويصاب العمل السياسي الموحد بالعقم، وتتعثر المفاوضات، ويستمر مشهد الانقسام، وتواصل إسرائيل انتهاكاتها، ويغلق الباب أمام القوى الدولية الراغبة في إحياء عملية السلام بصورتها السابقة.
صحيفة العرب