تقلص الفجوة بين الفقراء والأغنياء لا يعني أن العالم صار أكثر مساواة

تقلص الفجوة بين الفقراء والأغنياء لا يعني أن العالم صار أكثر مساواة

لندن – يعيش العالم منذ سنوات حربا متعدّدة الأبعاد بين الطبقات الاجتماعية، ما أشعل فتيل الاحتجاجات في العديد من الدول. ولم يقتصر الأمر على البلدان النامية المتعوّدة على الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، بل ضربت الاحتجاجات أيضا الدول المتقدّمة، وأعادت بين ثناياها طرح مسألة عدم المساواة بين الناس.

ومع أن أغلب المراقبين لتطورات الوضع العالمي الذي يعيش مرحلة مخاض عسيرة اختاروا نفس التوصيفات الكلاسيكية من قبيل إبراز التحديات وخيبات الرأسمالية أو الليبرالية المتوحشة، لكنهم غفلوا في جانب كبير ضمن تحليلاتهم عن ذكر أهم العناصر المساهمة في توسّع الفجوة بين طبقات المجتمع، أو بين رؤوس الأموال والطبقة المتوسطة والفئات الأكثر فقرا.

وتعتبر قضية عدم المساواة في الدخل من بين القضايا التي تحظى بمناقشات حامية حاليا، كما أنها إحدى القضايا التي كثيرا ما يساء عرضها. فطوال أعوام عكف اليساريون على إدانة أوجه التفاوت الآخذة في التوسع التي أعقبت الأزمة المالية. ومع ذلك أظهرت دراسة حديثة أن فجوة الدخل العالمية تقلصت تدريجيا بالفعل بين عامي 2008 و2013.

ويقول المحلل الاقتصادي الإيطالي فرديناندو جوليانو في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إن المسألة الأخرى التي يجب التصدي لها تتعلق بفايروس كورونا، فهناك باحثون ومنظمات دولية بما في ذلك جوزيف ستيغليتز الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد والأمم المتحدة يشعرون بالقلق من أن العالم بات مكانا أقل مساواة بسبب الجائحة والأزمة الاقتصادية الناجمة عنها، وهم يعتقدون أن الدول الأكثر ثراء في وضع أفضل بالنسبة إلى القدرة على حماية نفسها.

فرديناندو جوليانو: الجائحة كشفت أن التقارب من جانب الدول النامية مستمر

ويؤكد جوليانو أن هذا غير صحيح، فهناك دراسة جديدة لأنغوس ديتون الأستاذ بجامعة برينستون والحاصل أيضا على جائزة نوبل في الاقتصاد، توضح أنه في 2020 حدث العكس، فمع انتشار الجائحة في الدول ذات الدخل المرتفع بصورة غير متكافئة، تقلصت الفجوة بين الفقراء والأغنياء.

ولا يتعلق ذلك بالتفاوتات الكبيرة في ما بين الدول الأكثر ثراء نفسها، ولكن يوضح على الأقل أن التقارب الأخير من جانب الدول النامية مستمر. ولا يعد هذا الأمر بالضبط سببا يدعو للابتهاج في نهاية عام مرهق تفشت فيه الجائحة، فهو يكشف الفشل الذريع لكثير من الحكومات الغربية في حماية مواطنيها أكثر مما يكشف عن نجاحات الدول الأكثر فقرا، فقد كشفت الجائحة فجوات هائلة في أنظمة الصحة العامة في الدول الغنية.

ويكشف ديتون في دراسته أن الدول التي تتمتع بدخل أعلى للفرد عانت من حالات وفاة أعلى بسبب الجائحة، وهذه النتيجة قد يقابلها عدم الإفصاح بشكل كامل عن المتوفين في الدول الأكثر فقرا.

ومن الممكن أن تتغير هذه النتيجة إلى العكس مع استمرار تفشي الجائحة وقدرة الدول الأكثر ثراء على الحصول على اللقاحات بصورة أفضل، لكن العدد الكبير لوفيات الجائحة في بعض الدول الثرية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والسويد ما زال ملفتا للنظر.

وتوضح الدراسة أن الدول التي اتخذت موقفا أكثر تساهلا بالنسبة إلى الإغلاق على أمل حماية اقتصادياتها لم تستفد كثيرا، أما الدول التي شهدت العدد الأكبر من الوفيات هي أيضا تلك التي كانت صاحبة أكبر انخفاض متوقع في إجمالي الدخل المحلي، حسب توقعات صندوق النقد الدولي.

ويعتقد جوليانو أن الانخفاض في التفاوتات على مستوى العالم يأتي في أعقاب اتجاه بدأ في عام 2007، لكنه ظهر أكثر وضوحا في العام الماضي عما كان متوقعا قبل الجائحة. وإذا ما تم تقييم الدول المختلفة وفقا لعدد سكانها، سيُلاحظ أن هناك زيادة طفيفة في عدم المساواة، ولكن كل هذا مدفوع بالصين التي تعاملت مع الجائحة بشكل أفضل من غيرها.

وهذه الدراسة لا تعني أن العالم أصبح أكثر مساواة على مستوى كل دولة على حدة، ففي الولايات المتحدة هناك دليل على أن الركود الذي سببته الجائحة قضى على الوظائف ذات الدخل المنخفض أسرع من الوظائف ذات الدخل المرتفع.

قضية عدم المساواة في الدخل تعتبر من بين القضايا التي تحظى بمناقشات حامية، كما أنها إحدى القضايا التي كثيرا ما يساء عرضها

وعلى سبيل المثال، تشعر السويد بالقلق من أن السياسة النقدية الفضفاضة توسع فجوة الدخل وتؤدي إلى ظهور أعداد كبيرة من المليونيرات السويديين، كما أن هناك اختلافات واضحة بالنسبة إلى القطاعات؛ فالذين يعملون في قطاع السياحة كان حظهم أسوأ من العاملين في قطاعات أخرى.

ومن المهم أيضا مراعاة كل دولة على حدة عند النظر إلى التحسن في العالم النامي، فحتى لو كان الدخل في هذه الدول أقل كثيرا من الدخل في الدول الأكثر ثراء، من المحتمل أن يكون الأمر أكثر إيلاما لأن نسبة أكبر من السكان قريبة من خط الفقر. وتوقع البنك الدولي في العام الماضي أن تدفع الجائحة ما بين 88 و115 مليونا آخرين إلى الفقر المدقع.

ویظهر مؤشر الالتزام بالحد من اللامساواة لعام 2020 الصادر عن منظمة أوكسفام بوضوح كیف أن غالبیة بلدان العالم لم تكن مستعدة لمواجهة الجائحة، ومع انخفاض مستویات الإنفاق على الرعایة الصحیة العامة وضعف نظم الحمایة الاجتماعیة وحقوق العمال، وجد هؤلاء أنفسهم من غیر مبرر عرضة للضعف بطریقة وحشیة.

وتقول المنظمة التي تتخذ من لندن مقرا لها، إن فشل الحكومات في معالجة اللامساواة يجبر الناس العادیین الآن على تحمل وطأة الأزمة ودفع ثمن أعلى مما ینبغي بكثیر، فمن أصل 158 بلدا شملتها الدراسة الاستقصائية للمؤشر، تنفق 26 دولة فقط النسبة الموصى بها، أي 15 في المئة من میزانیاتها للصحة لمكافحة الجائحة.

وما زال الوقت مبكرا لتتوفر صورة كاملة عن الأضرار الاقتصادية طويلة المدى الناجمة عن الجائحة، خاصة بالنسبة إلى فرص الأطفال الأكثر فقرا الذين تعين عليهم التكيف مع غلق المدارس.

ويقول جوليانو إنه مع ذلك، تذكّر دراسة ديتون بالحاجة إلى إلقاء نظرة عن كثب للأرقام قبل وضع أي افتراضات بشأن التأثير الاقتصادي للجائحة. وتماما مثل جائحة كوفيد – 19، ألحق هذا الركود ضررا بالاقتصاد العالمي بطرق محيرة.

العرب