الحوار الوطني لإنقاذ تونس أم لإدامة سيطرة الأحزاب على السلطة

الحوار الوطني لإنقاذ تونس أم لإدامة سيطرة الأحزاب على السلطة

تونس – لم يخف الاتحاد العام التونسي للشغل، صاحب مبادرة الحوار الوطني، خيبة أمله من عدم تحمّس السياسيين لإنجاح هذا الحوار وإخراج البلاد من الأزمة الخانقة التي تعيشها في وقت يعتقد مراقبون أن على الاتحاد أن يضغط لتغيير الأوضاع جذريا بدل أن يفضي تدخله في كل مرة إلى إنقاذ السياسيين.

وقدم اتحاد الشغل مبادرة لإجراء حوار وطني يضم الفرقاء السياسيين بهدف التوصل لاتفاق واسع حول إصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة تحتاجها البلاد للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها، في تكرار لتجربة الحوار الوطني سنة 2013.

لكن الأمور الآن مختلفة، وحتى لو نجح الاتحاد عبر أوراق ضغط مختلفة في تحقيق تفاهمات، فإنه سيسلّم البلاد مجددا لطبقة سياسية تعيد التلاعب بها وفق أجنداتها الداخلية والخارجية المتناقضة.

ويقول مراقبون إن الاتحاد نجح سنة 2013 في الوصول إلى مبادرة مكنت البلاد من الخروج من الأزمة السياسية الخانقة التي عاشتها، بعد موجة من الاغتيالات طالت معارضين بارزين، وهجمات إرهابية استهدفت قوات الأمن والجيش، وذلك خلال حكم الترويكا بزعامة حركة النهضة الإسلامية.

وعزا المراقبون نجاح الاتحاد في فرض انتقال سياسي سلس إلى وجود شخصية بحجم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، فضلا عن تحركات شعبية كبرى وتحالفات سياسية متنوعة دفعت حركة النهضة إلى التخلي عن الحكم والقبول بحكومة وحدة وطنية.

ويرى اتحاد الشغل ذو النفوذ القوي أن الحوار المقترح يمثل فرصة حقيقية من شأنها أن تعيد إلى التونسيين الأمل في إنعاش الاقتصاد العليل وتحقيق الاستقرار السياسي.

ويهدف المقترح إلى الاتفاق بشأن إصلاح النظام الانتخابي الذي لا يسمح لأي طرف بالفوز بأغلبية واضحة، إضافة إلى مراجعة تمويل الأحزاب وطرح نقاش وطني حول طبيعة النظام السياسي.

ودعا نورالدين الطبوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل، السياسيين التونسيين إلى وقف الصراعات السياسية الضيقة واقتناص الفرصة للاتفاق على رؤية موحدة للإصلاح تجاه القضايا الشائكة.

وقال الرئيس قيس سعيد نهاية الشهر الماضي إنه قبل مبادرة الحوار، لكنه اشترط مشاركة الشباب من مختلف أرجاء البلاد.

ورغم ترحيب الاتحاد بموقف قيس سعيد -الذي يقترحه الاتحاد للإشراف على الحوار واستدعاء المشاركين من مختلف الأطياف- لا تظهر تصريحات قيادات من الاتحاد أي تفاؤل بانعقاد هذا الحوار في القريب العاجل، مما يعزز الشكوك حول انعقاده وسط خلافات سياسية عميقة وتوتر بين اللاعبين الرئيسيين في البلاد، وخاصة بين رئيس الجمهورية من جهة، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.

وحذر الطبوبي، في مقابلة مع وكالة رويترز، من أنه إذا لم يحصل ذلك، فإن اتحاد الشغل لن يبقى مكتوف الأيدي ولديه تصورات لإنقاذ البلاد.

وأضاف أن الاتحاد لديه أوراق سيكشفها في الوقت المناسب ولن يترك البلد يغرق، معتبرا أن “الصمت هو خيانة لمبادئ ودماء شهداء ثورة الكرامة”، وأضاف أن الاتحاد سيقدم على ذلك “لنحمي كامل المسار من الانهيار”.

واتهم نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الطبقة السياسية بأنها ترفض معالجة الأزمة من بوابة اتحاد الشغل، أو من أي مبادرة أخرى، من أجل الحفاظ على مكاسبها الحزبية والشخصية، ومهاجمة الخصوم، وليس إخراج البلاد من المأزق، وهذا هو سر التراخي في التعامل بإيجابية مع الحوار الوطني.

ورفض الطبوبي أن يكشف كيف يمكن للاتحاد أن يتحرك إذا استمرت التجاذبات السياسية ولم يحصل اتفاق. ويُنظر إلى اتحاد الشغل -على نطاق واسع في تونس- على أنه أكبر قوة في البلاد وله نفوذ يفوق كل الأحزاب السياسية مدعوما بأكثر من مليون منخرط.

وللاتحاد العديد من وسائل الضغط التي يرجح مراقبون أن يلجأ إليها إذا تدهورت الأوضاع السياسية والاقتصادية، من بينها الضغط عبر التحركات في الشوارع والإضرابات القطاعية. والإضرابات شديدة التأثير عادة على الاقتصاد والحكومات في تونس.

لكن الطبوبي رفض الحديث عن ذلك قائلا “ليس دورنا الإطاحة بالحكومة… نحن نحترم الديمقراطية ونحترم إرادة الناخبين… لكن لدينا كلمتنا ولدينا قوة التأثير المنظم”.

وقال إن الاتحاد منفتح على الإصلاحات الاقتصادية شرط أن تحترم السيادة الوطنية، داعيا صندوق النقد والمقرضين إلى تفهم خصوصية الوضع الاجتماعي الهش في البلاد بعد ثورة نقلتها إلى نادي البلدان الديمقراطية.

وأضاف “نعي جيدا أننا نحتاج إلى إصلاحات ولكن إصلاحات تحترم السيادة الوطنية ودون شروط… لكل بلد خصوصيته ولا يمكن مثلا أن تُطبق السياسة التي جرت في اليونان أو في مصر في تونس”.

وكان صندوق النقد حذر من أن العجز المالي لتونس سيتفاقم إلى أكثر من تسعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إذا لم تسيطر الحكومة على مخصصات الدعم والأجور العامة، وذلك في ظل الاحتجاجات المستمرة التي تطالب بتوفير فرص الشغل والتنمية منذ عشرة أيام في مختلف أرجاء البلاد.

وتسعى تونس، التي تحتاج إلى قروض خارجية بقيمة خمسة مليارات دولار في 2021، إلى التوصل لاتفاق مع صندوق النقد بشأن برنامج تمويل جديد يسمح لها بتمويل العجز المالي ويتيح لها الاقتراض من السوق المالية الدولية.

وقال الطبوبي “على صندوق النقد والمقرضين أن يتفهموا خصوصية الوضع الاجتماعي الهش في تونس، في البلد الذي يُعتبر استثناء في المنطقة”.

وأضاف أن الاتحاد يريد أن يتفاوض مع حكومة قوية للاتفاق بشأن الإصلاحات الاقتصادية، لافتا إلى أنه مستعد لدراسة كل المؤسسات العامة حالة بحالة.

العرب