مجددًا ، وصل صدى منظمة ” الذئاب الرمادية” القومية التركية إلى العراق، عندما رفع رئيس الجبهة التركمانية العراقية النائب أرشد الصالحي وعدد من الأمنيين شارة الذئاب الرمادية خلال جولة تفقدية لمقرات أمنية في كركوك، الأمر الذي أثار غضب باقي المكونات القومية في المدينة لاسيما العرب والأكراد الذين وصفوا هذه الخطوة بالاستفزازية.
ويبعث الصالحي ومن معه بإشارة على انتمائهم إلى القومية التركية، في مشهد أعاد إلى الأذهان وقائع مشابهة حصلت في كركوك، ومن بينها إقدام النائب التركماني السابق نيازي معمار أوغلو داخل مجلس النواب العراقي، على رفع إشارة الذئاب الرمادية والتي شهدت وقتها ردود أفعال مستنكرة.
وقبل العراق، كانت منظمة ” الذئاب الرمادية” إحدى حلقات التوتر في العلاقات التركية الفرنسية، فبعد حوالي من سنة من تأسيها، وأعلنت الحكومة في تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي إلى حظر تلك المنظمة، وقال جيرالد دارمانان وزير الداخلية الفرنسي في تغريدة له آنذاك ” أن منظمة الذئاب الرمادية تحرض على التمييز والكراهية، ومتورطة في أعمال عنف”.
ووجهت السلطات الفرنسية أصابع الاتهام لهذه الحركة إثر الصدامات التي وقعت مؤخرا بين الجاليتين التركية والأرمينية في ديسين-شاربيو قرب ليون شرق فرنسا على خلفية تفاقم التوتر بينهما بسبب النزاع في إقليم ناغورني قره باغ. وأفادت وسائل الإعلام الفرنسية بأن عبارة اسم الجماعة “الذئاب الرمادية” كتبت على نصب تذكاري في ليون، لتكريم ذكرى مذابح الأرمن في تركيا في أثناء الحرب العالمية الأولي .
من جانبها، وصفت الحكومة التركية الخطوة الفرنسية بأنها “استفزاز”، وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها آنذاك “نشدد على ضرورة حماية حرية التعبير والتجمع للأتراك في فرنسا”، مضيفة “سيكون ردنا على هذا القرار حازما إلى أقصى الحدود”. وأنه “من غير الواضح إلى الآن ما الذي ستفعله وزارة الخارجية التركية رداً على حظر باريس لمنظمة الذئاب الرمادية، ولكن بكل الحالات ستحاول إظهار القرار الفرنسي على أنه مزدّوج في ما يتعلق بشروط إنشاء الجمعيات الأجنبية على أراضيها.
وعلى غرار فرنسا، سمح البرلمان الألماني بدراسة حظر منظمة “الذئاب الرمادية” التركية اليمينية في ألمانيا، إذ صادق في (18 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت بالأغلبية على طلب مشترك مقدم من أحزاب الائتلاف الحاكم والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) وحزب الخضر، يطالب الحكومة بدراسة حظر هذه المنظمة.
وبرر مقدمو الطلب هذه الخطوة بأن المنظمة عنصرية ومعادية للسامية ومعادية للديمقراطية وتهدد الأمن الداخلي في البلاد. وقد رحب الطلب المقدم إلى البرلمان الألماني بالتصرف الفرنسي مع المنظمة “وربط ذلك بالأمل في أن تتبع دول أخرى النموذج الفرنسي”.
وحسب تقرير لهيئة حماية الدستور الألمانية (الاستخبارات الداخلية)، فإن ” الذئاب الرمادية” تحمل وتنشر الأفكار القومية اليمينية المتطرفة، ونوه التقرير إلى ان المنظمة لها علاقات بحزب الحركة القومية في تركيا والذي يشكل تحالفاً حكومياً مع حزب العدالة والتنمية.
وخلال جلسة الاستماع في البوندستاغ (البرلمان الألماني) قالت النائبة عن حزب اليسار سيفيم داجديلين: “نحن نناقش الموضوع الذي انتظرناه طويلا، باتخاذ إجراءات ضد شبكة أردوغان، وإصدار أمر لحظر الذئاب الرمادية. كافح حزب اليسار وحزب العمال الديمقراطي في البوندستاغ منذ عقود لحظر هذه المنظمة اليمنية المتطرفة”.
وتابعت داجديلين: “يجب أن ينتهي تحريض الإسلامويين والقوميين الأتراك ضد المعارضين والأرمن والاكراد واليهود، ولذلك يجب حظر الهيكل التنظيمي للذئاب الرمادية أيضا، واليوم هو يوم جيد لأننا نناقش هذا القرار”.
وكان الجيش الألماني قد أعلن عن تحقيقات بشأن 4 وقائع تطرف داخل صفوفه لها علاقة بجماعة “الذئاب الرمادية”، وقالت الحكومة إن إحدى هذه الحالات تثبت بأدلة موثقة “عدم ولاء للدستور في الحد الأدنى”.
وفي هذا السياق أيضًا، قدمت الحكومة الهولندية – قبل استقلاتها-، مشروع قانون للبرلمان الهولندي لحظر تنظيم الذئاب الرمادية، وأن المقترح حصل على تأييد 147 من أصل 150 نائباً في البرلمان. ولغاية الآن لم يصدر أي قانون في هولندا وألمانيا يحظر عملها، وربما هذا الأمر يعود إلى قوة اللوبي التركي في هاتين الدولتين.
اسم من أسطورة
استلهم مؤسسو المنظمة اسمها من أسطورة قديمة تحكي أن قبائل الأتراك حينما كانوا يعيشون في وسط آسيا تعرّضوا لهجوم عنيف أدى إلى إبادتهم جميعاً، إلا طفلاً هرب إلى الغابة، وتمكّن من العيش فيها بفضل ذئبة وجدته جريحاً، فاعتنت به حتى كبر واستطاع أن يحافظ على العرق التركي.
بحسب الأسطورة، أنجبت هذه الذئبة من هذا الولد 12 طفلاً، أنصاف بشر وأنصاف ذئاب، فساهمت في الحفاظ على العرق التركي.
وكونهم قوميين متشددين، يعتبرون أن عليهم أن يكونوا ذئاباً مثل ذئبة الأسطورة، للحفاظ على عرقهم، ومن هنا اختاروا تسمية منظمتهم بـ”الذئاب الرمادية”.
وفي مقال للمؤرخ السويسري دانييل غانسر نشرته المجلة الرسمية لهذه المنظمة بعنوان “عقيدة الذئاب الرمادية”، يوضح أيديولوجيتهم واستراتيجيتهم. جاء في المقال: “مَن نحن؟ نحن أعضاء الذئاب الرمادية (الأتراك). ما هي أيديولوجيتنا؟ توحيد الذئاب الرمادية. ما هي عقيدتنا؟ أن يؤمن الذئاب الرمادية بأن العرق والأمة التركية متفوقة. ما هو مصدر هذا التفوق؟ الدم التركي. هل سيوحّد الذئاب الرمادية الأتراك؟ نعم! إنه الهدف المقدس: أن تنمو الدولة التركية لتضم 65 مليون مواطن؟”، وكان عدد الأتراك في تركيا حينذاك نحو 35 مليوناً.
وأشار المقال إلى أن الذئاب الرمادية عليها أن تحصل على حقها بنفسها، ولكي تحقق أهدافها على عناصرها أن يكونوا مدرَّبين خصيصاً على استخدام العنف.وأضاف: “الحرب؟ نعم، الحرب إذا لزم الأمر، الحرب هي مبدأ عظيم ومقدس للطبيعة، نحن أبناء المحاربين”.ودعا المقال إلى ضرورة دعم عودة الإمبراطورية العثمانية كي يتوحد الأتراك الذين توزعوا في العديد من البلدان.
من فكرة إلى واقع سياسي
لقد سجلت الأربعينيات من القرن الفائت أول ظهور لـ«القوميين/ الذئاب الرمادية» في التاريخ السياسي التركي. وفي عام 1944، أرسل نيهال أتسيز وهو كاتب تركي يعد المنظر الفكري لفكرة الذئاب الرمادية خطابين إلى رئيس الوزراء التركي آنذاك محمد شكري سراج أوغلو يخبره خلالهما أن تركيا ابتعدت عن الأيديولوجية «التركياتية/ القومية التركية» التي كانت موجودة خلال حقبة أتاتورك، وأنها صارت تعاني من زيادة النفوذ الأجنبي داخلها، إلا أنه بعد ذلك أُلْقِي القبض على أتسيز، والعديد من أصدقائه، بعد أن قدم صباح الدين علي، أحد السياسيين والأدباء اليساريين الأتراك، شكوى بحقه إلى المحكمة. وكان من بين المعتقلين النقيب حينها ألب أرسلان توركيش (وصل فيما بعد إلى رتبة عقيد)، الذي يُعتبر أبا الحركة القومية، وكان يرافق أتسيز بشكل مستمر ومشهور في الأدبيات التركية بلفظ «الباشبوغ بابا». وقد نظم آلاف الشباب الذين احتجوا على الاعتقال مسيرات في أنقرة.
بدأ القوميون في التحزب وإنشاء أحزاب خاصة بهم خلال حقبة الستينيات. وكانت أولى أحزابهم: «حزب الفلاحين القومي الجمهوري/ حزب أمة القرويين الجمهوريين/ حزب أمة الفلاحين الجمهوريين/ الحزب القومي القروي الجمهوري»، وجرى تشكيلها عن طريق الجمع بين حزبين. إلا أن توركيش، الذي انتخب رئيساً للحزب في عام 1965، غير اسمه إلى «حزب الحركة القومية» في عام 1969.
كما أن كتابه «الأنوار التسعة»، الذي يستند إلى مبادئ أتاتورك، شكل مصدراً للمبادئ الرئيسة للحركة القومية. وبناءً على ذلك، أُعْلِن أن النموذج الأنسب للتنمية من أجل الأمة التركية بصرف النظر عن الشيوعية والرأسمالية والإمبريالية هو «الطريق الثالث» أو «طريق القومية».
هناك تسعة مبادئ في كتاب «الأنوار التسعة» هم: القومية، والمثالية، والأخلاقيات، والعلموية «العلمية»، والاشتراكية، والفلاحية «القروية»، والتنموية، والشعبوية، والصناعية، والتقنية. وهو نسخة أكثر شمولية واتساعاً من مبادئ أتاتورك التي اقتصرها في ستة فقط هي: الجمهورية، والشعبوية، والقومية، وسيطرة الدولة، والعلمانية والثورية.
ألب أرسلان توركيش
المؤسس الفعلي لمنظمة الذياب الرمادية، وهو عقيد سابق في الجيش التركي، كان أحد مدبّري انقلاب عام 1960، كجناح مسلح لحزب الحركة القومية اليميني المتطرف الذي يهدف إلى توحيد جميع الشعوب التركية في دولة واحدة.
في كتابه “جيوش الناتو السرية”، يكشف المؤرخ السويسري دانييل غانسر أن توركيش كان مقتنعاً بنظريات التفوق العرقي بشكل عام وتفوق الأتراك بشكل خاص، وهذه الأفكار ليست غريبة على شخص كان مسؤول الاتصال مع النازيين في تركيا، وكان دائماً يستشهد في خطابه القومي بجمل من كتاب “كفاحي” للزعيم النازي أدولف هتلر.
برز نجم توركيش عام 1944، عندما اعتُقل، هو و30 آخرين، لمشاركتهم في تظاهرة مناهضة للشيوعية. وبحسب غانسر، أجرى اتصالات مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1948، ويقول إنها كانت في ذلك الوقت قد بدأت في بناء جيش سري مناهض للشيوعية في تركيا.
راح توركيش يتنقل بين وطنه والولايات المتحدة، وأقام روابط مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ووكالة المخابرات المركزية. وبين عامي 1955 و1958، خدم في واشنطن ضمن قوات حلف الناتو، قبل أن يعود إلى تركيا ويبدأ نفوذه في الجيش بالاشتداد، حتى شارك في الانقلاب على رئيس الوزراء عدنان مندريس وإعدامه.
وبحسب غانسر، حاول توركيش، مع مجموعة قليلة من الضباط، استثمار الانقلاب في تعزيز رؤيته التركية القومية، دافعاً باتجاه إقامة نظام استبدادي، لكن أغلبية العسكريين كانوا مقتنعين بوجوب تمرير دستور جديد وإجراء انتخابات لاستعادة القانون والنظام في البلاد.
ويروي غانسر أن العسكريين اتفقوا على إبعاد توركيش من المشهد بسبب معتقداته الراديكالية ليتم إرساله كملحق عسكري إلى السفارة التركية في نيودلهي في الهند.
على الرغم من سفره إلى الهند، لم يتخلَّ توركيش عن أفكاره القومية، لذا خطط عند عودته من نيودلهي في أيار/ مايو 1963 مع ضابط يدعى طلعت أديمير للإطاحة بالحكومة، لكن محاولته الانقلابية فشلت واعتُقلوا ثم أطلق سراحه “لعدم كفاية الأدلة”.
عاد توركيش إلى السياسة عام 1965 عبر تأسيس حزب الحركة القومية التي يرأسها حالياً دولت باهتشلي، وأسس لها جناحاً عسكرياً باسم “منظمة الشباب”، وأطلق عليهم لقب “الذئاب الرمادية”.
في تقرير نشره مركز “غلوبال سكيورتي” العسكري، عام 2016، أكد أن هذه الحركة كانت مخترقة من المخابرات الأمريكية، قائلاً: “ليس سراً أن وكالة المخابرات المركزية استخدمت المتعاونين والنازيين السابقين كأداة للحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي”.
دور الذئاب الرمادية في العنف السياسي
من أكثر الأعمال التي تظل عالقة في العقل لتنظيم «الذئاب الرمادية»، الذي لعب دوراً رائداً ومهماً في الاشتباكات اليمينية ـ اليسارية في حقبة السبعينيات، هو قيامهم بالهجوم على المفكرين والنشطاء اليساريين والليبراليين خلال مذبحة «ميدان تقسيم» أو ما يعرف بـ«أول مايو الدموي» في إسطنبول في 1 أيار/ مايو 1977، مما أسفر عن مقتل 41 شخصاً على الأقل، ومن ثم ضلوعهم بعد ذلك بعام واحد في قتل مئات من العلويين في مذبحة «مرعش/ قهرمان مرعش» عام 1978. ووفقا للسلطات التركية، نفذت المجموعة 694 هجوما بين عام عامي 1974 و1980، راح ضحيتها الآلاف.
وبصورة مفاجئة، جاء انقلاب 12 أيلول/ سبتمبر 1980 في تركيا ليقطع دابر جميع الأحزاب السياسية التقليدية تقريباً. فقد جرى إغلاق جميع الأحزاب في البلاد، وكان لحزب «الحركة القومية»، بلا شك، نصيب من ذلك. لكن «القوميين/ الذئاب الرمادية» عادوا إلى المشهد السياسي من جديد في عام 1987 تحت اسم «حزب العمل القومي». وشارك الحزب في الانتخابات العامة التي أجريت عام 1991 بالتحالف مع «حزب الرفاه» بقيادة نجم الدين أربكان وتمكن من دخول البرلمان.
علاوة على ذلك؛ لعبت منظمة «الذئاب الرمادية» دوراً هاماً خلف كواليس اغتيال الصحافي ذي الأصول الأرمينية، هرانت دينك، الذي قُتِل في عام 2007. يشار إلى أن الأشخاص الذين حرضوا على ارتكاب تلك الجريمة، ومن ارتكبوها فعلياً من منتسبي «الحركة القومية/حركة الذئاب الرمادية» وهم: ياسين هيال، وإرهان تونجيل وأوغون ساماست.
علاقات الذئاب الرمادية الداخلية
كان عام 1996؛ شاهداً على «فضيحة سوسورلوك» في تركيا التي كشفت مدى ترابط وتشابك «الذئاب الرمادية» مع «المافيا» و«الدولة العميقة». وظهرت الفضيحة للعيان بعد حادثة تحطم سيارة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1996، وذلك قرب مقاطعة سوسورلوك التي تقع بمحافظة باليكسير، حيث كانت هوية ضحايا هذا الحادث محل نقاش وجدال كبير في تركيا. فقد لقي نائب مدير شرطة إسطنبول حسين كوجاداغ، والرجل الثاني في الحركة القومية (حركة الذئاب الرمادية) القائل المأجور عبد الله جاتلي، مصرعهما في ذلك الحادث أثناء وجودهما في نفس السيارة. بينما نجا من هذا الحادث عضو البرلمان الذي يتزعم قبيلة بوجاك الكردية القوية، وقائد منظمة الذئاب الرمادية (وهو قاتل مأجور ومن المطلوبين على قائمة الشرطة الدولية الإنتربول) سادات بوجاك، حيث أُصِيب فقط بجروح خطيرة. وتعد قبيلة بوجاك إحدى الاستراتيجيات التي تستخدمها الدولة التركية لتقسيم وتفرقة الأكراد، وتعمل في شكل مؤيد للدولة ومعادٍ للأكراد. وكان سادات بوجاك أيضاً نائباً برلمانياً لثلاث فترات.
الانقسام الداخلي
جلب عام 1991م أيضاً حالة من الانقسام داخل الحركة القومية. فقد تسبب قرار «حزب العمل القومي» بدعم حزبي «الطريق القويم» و«الحزب الشعبوي الديمقراطي الاجتماعي» إلى انشقاق الجناح الإسلامي داخل الحزب. ودخلت تلك الحركة، التي ضمت القوميين الإسلاميين المتدينين بقيادة محسن يازجي أوغلو، الرئيس السابق لـ«الذئاب الرمادية»، المشهد السياسي تحت اسم «حزب الاتحاد الكبير» في عام 1993. وقادت حالة الانقسام هذه بين القوميين، الذين تشتتوا بين حزبين هما «حزب الحركة القومية» و«حزب الاتحاد الكبير»، إلى انقسام آخر داخل بنية «الذئاب الرمادية»، التي شكلت أساس الحركة وجمع الشباب معاً. وقسم يازجي أوغلو القوميين التابعين له داخل منظمتين هما «ألبرن أوجاكلاري Alperen Ocakları» و«نظام عالم أوجاكلاري Nizam-ı Alem Ocakları». وقد تكفلت تلك المنظمتان بالدفاع عن البنية «التركية الإسلامية»، في حين أن تنظيم «الذئاب الرمادية أو الشباب المثالي Ülkü Ocakları» كان يضع «الأيديولوجية التركية» في المقام الأول.
الأعمال المشبوهة
في تقرير نشره مركز “غلوبال سكيورتي” العسكري، عام 2016، عملت الذئاب الرمادية خلال التسعينيات في تجارة المخدرات، مثلما فعلت باقي الحركات السياسية، كحزب العمال الكردستاني، ففي ذلك الوقت كانت يد المافيات طليقة في تجارة المواد المخدرة في تركيا. وأشار التقرير إلى أن شخصيات رفيعة المستوى في الحكومة كانت تقوم بحمايتها، مقابل القضاء على أعدائها السياسيين، ليس في تركيا فحسب ولكن في الخارج أيضاً.
العلاقة مع حزب العدالة والتنمية
في بدايات حكم حزب العدالة والتنمية، لم تكن علاقة الحزب الحاكم جيدة مع حزب الحركة القومية، فقد أراد أن يسوّي المسألة الكردية وخاض جولات تفاوضية مع الأحزاب الممثلة لهم، حققت في بعض الأحيان تقدّماً، وهو مسار كان القوميون المتشددون يعارضونه بطبيعة الحال. نقطة خلافية أخرى بين الطرفين تمثلت في سعي أردوغان للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهو ما تعارضه الحركة القومية أيضاً.
ولكن مع تعثّر المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني، ومع انسداد أبواب الاتحاد الأوروبي في وجه الحكومة التركية، واتجاه السياسة الخارجية التركية أكثر نحو نسج صلات مع الأقليات ذات الأصول التركية، بدأت الظروف تتغيّر. وعندما وقعت محاولة انقلاب عام 2016، تحالف العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية ضد حركة الخدمة بقيادة فتح الله غولن.
وأشار تقرير نشرته مجلة إيكونوميست البريطانية عام 2018، بعنوان “الرقص مع الذئاب… تحالف الرئيس مع أقصى اليمين يأتي ثماره”، إلى أن “القوميين خرجوا أقوى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أُجريت في وقت واحد يوم 24 حزيران/ يونيو 2018. فازت مجموعتهم السياسية الرئيسية، بقيادة حزب الحركة القومية، بأكثر من 11% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، وهو ضعف ما توقعته معظم استطلاعات الرأي، وساعدوا أردوغان على حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى”.
نشاط المنظمة الخارجية
شاركت جماعة “الذئاب الرمادية” في الصراع بين القبارصة الأتراك واليونانيين في قبرص، ودعمت الإيغور في إقليم شينجيانغ الصيني، وقاتلت في حربي الشيشان الأولى والثانية ضد الروس، وفي السنوات الأخيرة ظهرت تقارير تتحدث عن تنسيقها مع تتار شبه جزيرة القرم وتركمان سوريا. كما يعتقد أن المنظمة قاتلت في أذربيجان ضد أرمينيا، قبل أن تتورط في محاولة انقلاب أدت إلى حظرها هناك، كما أنها حظرت في كازاخستان في العام 2005.
عام 2015، قامت الذئاب الرمادية بهجوم بالقنابل في بانكوك، ما أسفر عن مقتل 19 شخصاً وإصابة 123، احتجاجاً على قرار الحكومة التايلاندية بترحيل مجموعة من الأويغور إلى الصين، بدلاً من السماح لهم بالسفر إلى تركيا، حيث كانوا سيحصلون على اللجوء.
عن هذه الحادثة، لفت المحلل السياسي المقيم في بانكوك توني كارتالوتشي الانتباه إلى حقيقة أن الذئاب الرمادية عززت نشاطها في آسيا الوسطى، بما في ذلك الدول السوفياتية السابقة، وخاصة في منطقة شينجيانغ الأويغورية في الصين.
وافترض المحلل أن عناصرها قد يكونون وراء العديد من الهجمات التي نفّذها انفصاليو الأويغور في الصين.
وعلّق الباحث في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في روسيا، فيكتور نادين رايفسكي على هذه الحادثة بأن الذئاب الرمادية “لديها خطط كبيرة… وتكرّس نفسها لإنشاء دولة تركية تمتد إلى وسط آسيا في منطقة توران العظيمة، كما علّمهم الزعيم الإيديولوجي، ألب أرسلان توركيش”.
ويذكر الباحث أنه “من الصعب تقدير عدد الذئاب الموجودة حالياً بالضبط، لكن قبل انقلاب عام 1980، كان هناك ما بين 200 إلى 400 ألف، وبعد ذلك، لم تعد هناك معلومات متاحة، لكن لديهم معسكرات تدريب خاصة بهم. إنها منظمة حديثة للغاية”.
وتظهر المنظمة في مناطق تدخّل القوات التركية في المنطقة العربية. فعام 2016، رصد صحافيون أتراك انضمام الذائب الرمادية للقتال في شمال سوريا بحجة حماية الأقلية التركمانية من الأكراد السوريين والروس. وفي شباط/ فبراير الماضي، رفع جندي تركي علامة “الذئاب الرمادية” في مدينة الأتارب غرب مدينة حلب شمال غرب سوريا. أما في ليبيا، فتدعم المنظمة التدخل التركي إلى جانب حكومة فايز السراج، بحجة أن لبعض أبناء مدينة مصراتة أصول تركية.
الانتشار
معظم الجامعات المرموقة لديها جمعيات ذئاب رمادية غير رسمية في أكثر الأحيان، لكن سلطتها الحقيقية في الشوارع، كما تنشط أيضا في الجزء الواقع تحت الإدارة التركية في قبرص، ولها فروع في مختلف البلدان الأوروبية التي فيها أعداد كبيرة من الأتراك، تتصدرها ألمانيا ثم بلجيكا وهولندا، وعدد من الدول الأوروبية الأخرى.
خلاصة القول تتمحور أفكار “الذئاب الرمادية” حول العرق والشعب التركي، واستعادة أمجاده وتاريخه، والسعي لتوحيد الشعوب التركية في دولة واحدة، وتمتد حدود دولة الأتراك -بحسب ما ينسبه البعض إليها- من البلقان إلى آسيا الوسطى، مستلهمين ذلك من تاريخ الدولة العثمانية التي جمعت تحت سلطتها الكثير من الولايات في آسيا وأوروبا وأفريقيا.
وحدة الدراسات التركية