العراق: مليشيات تستثمر هجمات “داعش” لتعزيز نفوذها في المدن المحررة

العراق: مليشيات تستثمر هجمات “داعش” لتعزيز نفوذها في المدن المحررة

تعمل مليشيات عراقية، حليفة لإيران، على استغلال موجة الاعتداءات التي استهدفت العاصمة بغداد وعدداً من مدن شمال البلاد، من أجل تعزيز نفوذها في المناطق المحررة من تنظيم “داعش”، وإعادة انتشارها المسلح في مراكز المدن بشكل واضح ومشابه للأيام الأولى التي أعقبت طرد التنظيم نهاية 2016 ومطلع 2017. وتقوم المليشيات بإعادة فتح مقرات جديدة وما يعرف بـ”السيطرات”، وهي الحواجز التي تقام في الطرق العامة وداخل الأحياء السكنية، مقابل تراجع شعبي وسياسي في مطالبات تسليم الجيش والشرطة وباقي القوات النظامية الأخرى مسؤولية الأمن، وإخراج تلك الفصائل من مراكز تلك المدن.
وتنتشر الفصائل المسلحة، المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، في مناطق الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك وحزام بغداد وشمال بابل، وأبرزها كتائب “حزب الله” العراقية، و”النجباء”، و”عصائب أهل الحق”، و”البدلاء”، و”جند الإمام”، و”سرايا الشهداء”، و”لواء البقيع”، و”عاشوراء”، و”الطفوف”، و”الإمام الحجة”، و”بدر”، و”الإمام علي”، و”جيش المؤمل”. وتتورط هذه الفصائل بانتهاكات في تلك المناطق، فضلاً عن ممارستها أنشطة تجارية واسعة، خاصة على الحدود العراقية السورية من جهة الأنبار عبر بلدة القائم، ونينوى عبر بلدة ربيعة، بالإضافة إلى مدينة الموصل وبلدة الرطبة الحدودية مع الأردن.

شهدت صلاح الدين وديالى وشرق الأنبار انتشاراً واسعاً لعدد من الفصائل

ووفقاً لمصادر عراقية في بغداد، فإن ما لا يقل عن ستة فصائل مسلحة أعادت انتشارها، خارج الخطة الحكومية لتوزيع القوات الأمنية وفصائل الحشد الشعبي، بعد التفجيرات الأخيرة، مستغلة حالة التفاعل الشعبي مع الاعتداءات، وضعف موقف الحكومة في تبرير التقصير الأمني الذي نتج عنه سقوط عشرات الضحايا من المدنيين. وأكدت المصادر، لـ”العربي الجديد”، أن صلاح الدين وديالى وشرق الأنبار شهدت انتشاراً واسعاً لعدد من تلك الفصائل. كما سُجل الاستيلاء على منازل مواطنين فارغة في تلك المناطق، بدعوى أنها تعود إلى “عوائل داعش”.
ووفقاً لنائب، تحدث عبر الهاتف مع “العربي الجديد”، فإن “تحركات الفصائل، التي تترافق مع رفع مستوى خطابها الطائفي، تمثل تهديداً جديداً للاستقرار والسلم في المناطق المنكوبة، والتي تنصلت الحكومة ليس من إعمارها فقط بل من فرض القانون والنظام في كثير منها”. وأضاف أن “التشكيك دوماً بقدرة الجيش العراقي والأجهزة الأمنية من قبل تلك الفصائل يندرج ضمن مساعي تبرير وتغطية تحركاتها”.

قوات عراقية في الأنبار-سياسة-علي محمد/الأناضول
تقارير عربية
لي أذرع بين قادة مليشيات والجيش العراقي في الأنبار
في المقابل، حذر عضو ائتلاف صلاح الدين السياسي العراقي، ناجح الميزان، من “استغلال التفجيرات لفرض مزيد من القهر على المناطق المنكوبة”. وبيّن أن “مليشيات مسلحة استغلت التفجيرات لتنفيذ عمليات توسع وانتشار جديدة، مارست خلالها انتهاكات بدوافع طائفية. وهذا الأمر يحصل منذ يومين بعلم الجهات الأمنية الرسمية”. واعتبر أن “استثمار الهجمات من قبل بعض المليشيات تمثل بضرب الحراك الشعبي، وحتى السياسي، لإخراج تلك المليشيات من المدن المحررة، مع قرب موعد الانتخابات، خوفاً من تغيير وتزوير نتائج الانتخابات بقوة السلاح، كما حصل في 2018”.
من جانبه، قال محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي إن “الهجمات الأخيرة لتنظيم داعش تؤكد ضرورة إعادة النظر في تركيبة الأجهزة الأمنية، وهناك وقت كافٍ لجعل تلك القوات أكثر كفاءة، وتكون لها خطط استراتيجية في التعامل مع هكذا هجمات”. واعتبر، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “بعض الأعمال الإرهابية تُستغل فعلاً من بعض الفصائل لتعزيز وجودها ونفوذها، فهي تتحجج بالبقاء في تلك المدن بسبب خطر داعش على تلك المدن. ولهذا يجب أن يبقى الملف الأمني بيد القوات الأمنية حصراً، وتكون الفصائل بعيدة عنه، بل والعمل على إخراجها وإبعادها قدر الإمكان عن المدن والمواطنين”.

حذر ناجح الميزان من استغلال التفجيرات لفرض مزيد من القهر على المناطق المنكوبة

في المقابل، قال القيادي في “الحشد الشعبي” محمد البصري إن “فصائل الحشد ليس لديها أي أطماع في وجودها بالمدن المحررة، وانتشارها يهدف لحماية تلك المدن ومنع عودة الإرهاب إليها”. وبين البصري أن “الحشد الشعبي يعمل على تعزيز أمن واستقرار المدن المحررة، بالتنسيق والتعاون مع القوات الأمنية الأخرى، وليس للحشد الشعبي أي أهداف أخرى في وجوده في المدن المحررة”. واعتبر أن “الحشد الشعبي سيخرج من المدن المحررة، ليس بالدعوات السياسية، بل وفق أوامر وتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة العراقية” في إشارة إلى رئيس الوزراء.
يشار إلى أن بقايا تنظيم “داعش” نشطت في العراق، أخيراً، ونجحت في تنفيذ عدة هجمات دموية، كان آخرها استهداف قوة للحشد الشعبي بمحافظة صلاح الدين شمال بغداد، ما أدى إلى مقتل وإصابة نحو 20 عنصراً من “الحشد”. وسبق الاستهداف تفجير انتحاري مزدوج في ساحة الطيران ببغداد، الخميس الماضي، أودى بحياة 35 عراقياً وجرح أكثر من 100 آخرين، ما أثار مخاوف من خطورة تصعيد التنظيم هجماته من جهة، وما إذا كانت القوات العراقية قادرة على وقف تلك الهجمات من جهة ثانية. ودفعت فصائل من “الحشد” بتعزيزات مختلفة، يومي الجمعة والسبت الماضيين، إلى مناطق عدة في محافظة صلاح الدين وبغداد، قالت إنها للتصدي لأي هجوم محتمل، بينما وصلت وحدات أخرى منها إلى الأنبار وديالى، رغم وجود الجيش العراقي في تلك المناطق.