أعلنت الولايات المتحدة بقيادة جو بايدن الأربعاء، عن تغيير شامل للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتضمن “مراجعة” للدعم العسكري لدول الخليج واستئناف الحوار مع إيران “سيستغرق بعض الوقت”.
ويبدو مستقبل الاتفاق النووي الإيراني الذي سحب دونالد ترامب منه واشنطن سيكون واحدة من أكثر الأولويات إلحاحا على الساحة الدولية.
لكن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وبعد يوم على توليه منصبه، خفف من الاندفاع. وقال في أول مؤتمر صحافي له إن “الرئيس بايدن أوضح أنه إذا أوفت إيران مجددا بكل التزاماتها” باتفاق 2015 “فإن الولايات المتحدة ستفعل الأمر نفسه”.
وأضاف أن إيران “توقفت عن الوفاء بالتزاماتها على جبهات عدة. سيستغرق الأمر بعض الوقت إذا اتخذت هذا القرار، للعودة إلى المسار الصحيح، وسيستغرق الأمر وقتا حتى نتمكن من تقييم ما إذا كانت تفي بالتزاماتها. ما زلنا بعيدين جدا عن ذلك. هذا أقل ما يمكن قوله”.
لكن المفاوضات ستكون شاقة على الأرجح؛ لأن إيران تطلب العكس، وتريد أن تقوم واشنطن بالخطوة الأولى عبر رفع العقوبات الأمريكية قبل أي شيء آخر.
ولم يوضح أنتوني بلينكن الطريقة التي ينوي فيها حل هذه المشكلة. وقد التقى الأربعاء نظراءه الفرنسي والبريطاني والألماني المتمسكين جدا بالاتفاق الإيراني.
وتأتي تصريحات بلينكن بينما دعت روسيا وإيران الثلاثاء الولايات المتحدة إلى انقاذ الاتفاق النووي لتحترم إيران التزاماتها. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدى استقباله نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، إن “القضية المطروحة جدا راهنا هي إنقاذ (الاتفاق) ونحن، مثل إيران، نتمنى العودة إلى تنفيذه التام والكامل”.
من جهتها، ذكرت إيران بايدن بعد يومين فقط من توليه مهامه الرئاسية، بما تعتبره متطلبات لإنقاذ الاتفاق النووي.
ففي مقال نشره في مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، قال ظريف: “على الحكومة الجديدة في واشنطن حسم خيار أساسي: تبني سياسات إدارة ترامب الفاشلة ومواصلة السير على طريق ازدراء التعاون والقانون الدوليين… أو يمكن أن يختار بايدن طريقا أفضل عبر إنهاء سياسة الضغوط القصوى الفاشلة التي تبناها ترامب والعودة إلى الاتفاق الذي تخلى عنه سلفه”.
ويفترض أن يمنع الاتفاق الذي أبرم في 2015، إيران من امتلاك قنبلة ذرية.
لكن في 2018، أغلق الرئيس الجمهوري السابق الباب، معتبرا أن الاتفاق لا يكفي لوقف “الأنشطة المزعزعة للاستقرار” للجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار أعاد فرض كل العقوبات الأمريكية ثم شددها على إيران التي تراجعت بدورها تدريجيا عن القيود المفروضة على برنامجها النووي.
لكن بايدن يرى أنه يجب إنقاذ هذا الاتفاق قبل كل شيء لتجنب ظهور إيران نووية.
“أسوأ أزمة إنسانية”
أكد بلينكن مجددا أنه “بعد ذلك سنستخدم ذلك كنقطة انطلاق لنبني مع حلفائنا وشركائنا، ما أسميناه اتفاقا أكثر ديمومة ومتانة، للتعامل مع العديد من القضايا الأخرى التي تطرح إشكالية كبيرة في العلاقة مع إيران”، من دون أن يضيف أي تفاصيل. غير أن بلينكن قال: “لكننا بعيدون عن ذلك”.
في الوقت نفسه، أطلقت وزارة الخارجية مراجعة للقرارات الأخيرة المثيرة للجدل للحكومة السابقة.
وكانت أول نتيجة تعليق واشنطن مبيعات الأسلحة “الجارية” حتى “إعادة التدقيق فيها” للتأكد من أنها تحقق “أهدافها الاستراتيجية”، حسبما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية الأربعاء. وبين هذه الصفقات التي جمدت ذخيرة دقيقة للسعودية وخصوصا مقاتلات من طراز “أف-35” للإمارات العربية المتحدة.
وتقود الرياض بدعم من أبوظبي تحالفا عسكريا مع الحكومة اليمنية في الصراع بينها وبين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
وكان بلينكن تعهد الأسبوع الماضي “بإنهاء” الدعم الأمريكي لهذا التحالف المتهم بارتكاب العديد من الأخطاء الفادحة ضد المدنيين اليمنيين. وقال الأربعاء إن هذا التحالف “ساهم في ما يعتبر في كثير من الأحيان بأسوأ أزمة إنسانية في العالم اليوم”.
في الوقت نفسه، أكد على مراجعة “عاجلة جدا” لقرار إدراج الحوثيين على اللائحة الأمريكية “للمنظمات الإرهابية” الذي واجه انتقادات من جميع الجهات لأنه يهدد بعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق واسعة يسيطر عليها المتمردون.
وتعكس هذه القرارات تغييرا كبيرا في توازنات التحالفات الأمريكية إذ إن السعودية كانت مع إسرائيل، الركيزة الأساسية لسياسة دونالد ترامب المناهضة لإيران.
ويشكل تعليق بيع الإمارات طائرات “أف-35” تطورا رمزيا لأنه تقرر في الخريف بعد سنوات من الرفض، مقابل الاعتراف بإسرائيل.
ورحب بلينكن بهذا التطبيع التاريخي للعلاقات مع الدولة العبرية الذي انتزعه دونالد ترامب من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، لكنه أشار إلى أنه بدأ بالفعل “النظر” في “الالتزامات” التي قطعتها واشنطن لانتزاع هذه الاتفاقات، من أجل التوصل إلى “فهم شامل” لها.
ولم يرد الوزير الأمريكي على سؤالين عن التراجع عن القرار المتعلق ببيع طائرات “أف-35” أو عن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.
(أ ف ب)