منذ اتفاق أوسلو ارتبطت مجريات القضية الفلسطينية ارتباطا مباشرا بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة إذا اعترى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تعنت كبير من قبل الأخيرة، وقد وصل هذا الارتباط في كثير من الأحيان إلى درجة المراهنة على الرئيس الأمريكي المنتخب، سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا للحد من ذلك التعنت!
وكانت الممارسة تفيد في كل مرة، بأن ذلك الرهان كان خاسرًا، ويكفي أن نذكر بأن الاستيطان الإسرائيلي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما اتسعت جغرافيته، وكانت البيانات السياسية الأمريكية الرافضة للسلوك الإسرائيلي ضد الحقوق الفلسطينية هي الوسيلة الوحيدة لإدارة أوباما.
أما خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فقد عادت القضية الفلسطنية بالارتباط بها بشكل مباشرة، فتلك الإدارة لم تتوانا في اتخاذ أي قرار أو تبني كانسحاب من ” الأونروا” وموقف سياسي كصفقة القرن لتصفيتها.
أما من يظن بأن الرئيس الأمريكي الحالي جو بابدن سوف يرفع الحيف الذي لحق بالفلسطنيين جراء سياسات الرئيس السابق، يكون مخطىئا جدًا، فجو بايدن الذي وقع على عدة قرارات رئاسية تنفيذية -منذ اليوم الأول لتوليه منصبه الرئاسي- لإنهاء مظاهر عهد ترامب، فعلى سبيل المثال وقَّع على عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ، لكنه لم يوقع على عودتها إلى منظمة اليونسكو التي انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب، لأن أغلبية أعضاء المنظمة صوتوا لقبول عضوية فلسطين فيها، فترامب اعتبر ذلك تحيزًا من قبلها ضد إسرائيل! فانسحب منها.
هذا الانسحاب وعدم الرجوع إليها لغاية الآن، هو دليل من ضمن أدلة الانحياز التي لا تعد ولاتحصى في سياق العلاقات التاريخية بينهما، وما نسمعه أو نقرؤه من خلافات في الرؤى بينهما بشأن ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لا يؤثر بالاطلاق على عمق علاقاتهما، بل العكس ممكن أن نقرأ ونسمع بأن أول اتصال أجراه وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكن كان مع وزير خارجية إسرائيل، غابي أشكينازي!، وممكن أيضًا أن نقرأ ونسمع من قبل مسؤولي إدارة بايدن بأن الولايات المتحدة الأمريكية ” تدعم حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، حيث تعيش إسرائيل في سلام وأمان إلى جانب دولة فلسطينية تنعم بمقومات البقاء”.
هذا التصريح- الذي هو أقرب إلى البيان السياسي من القرار السياسي- من قبل القائم بأعمال المبعوث الأميركي لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، تأكيد على التماهي الأمريكي مع الرؤية الإسرائيلية لمستقبل الدولة الفلسطينية – إذا كان هناك دولة-، فميلز لم يحدد المرجعية التي ستقوم عليها تلك الدولة، هل بناءً على قرارات الأمم المتحدة أم إنها ستقوم وفق الرؤية الإسرائيلية!، وهي الرؤية التي فرضتها على المفاوض الفلسطيني بانحياز أمريكي لها، حيث أفلشت كل جهود الدولية والعربية في إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1976م، وعاصمتها القدس الشريف.
ليس كافيًا أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى أو”راعية” ما اصطلح عليها بعملية السلام كي تقف موقف الانصاف من الحقوق الفلسطينية التاريخية والقانونية، بل يجب أن تكون مؤمنة بحق هذا الشعب الفلسطيني في لإقامة دولته وفق قرارات الأمم المتحدة وليس وفقًا للغطرسة الإسرائيلية ، ولكن هذا الإيمان غير متوفر لدى الإدارتين الأمريكية السابقة والحالية، وقد تكون القادمة أيضًا، طالما تقف موقف المنحاز مع إسرائيل.
لذلك على صانع القرار الفلسطيني أن لا يراهن على الإدارة الأمريكية الجديدة، نعم، هي من حيث المعطيات الواقعية يبدو أنه الطرف الأضعف، كونه لا يملك القوة المادية لفرض إرادته على المفاوض الإسرائيلي وحليفه، لكنه الطرف الأقوى بما يتملكه من الحق التاريخي على أرض فلسطين لا تستطيع أعتى قوة في التاريخ انتزاعه، وقد جرب صلابة هذا الحق مع صفقة ترامب، التي نبذها الفلسطينيون، فكانت مآلها الفشل، لأن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ليست مجرد تقديم مساعدات مالية وإنما قضية شعب محروم من حقوقه السياسية والقانونية والطبيعية منذ عقود طويلة.
ومن أجل استعادة هذه الحقوق يتوجب على الفلسطينيين كي يسمعهم العالم وليس إدارة بايدن فقط، تحقيق الوحدة الفلسطينية لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، يعني يجب المراهنة على العامل الداخلي وتقوية جبهته، لا يمكن لشعب محتل أن يتحرر وهو يعيش حالة انقسام حاد، ومع استمراره قد يدخل القائمين عليه في حالة تواطىء على قضية بلادi من حيث يدري أو لا يدري !
الشواهد التاريخية تفيدنا ومنها، أنه عندما توحدوا الجزائريون عام 1954م، استطاعوا دحر الاحتلال الفرنسي، قد يقول قائل إن الإحتلال الفرنسي سياقاته التاريخية تختلف عن نظيره الإسرائيلي لفلسطين، ونقول إذا كانت سياقات تختلف لكن الهدف واحد هو تحقيق الإستقلال على حدود الرابع من حزيران عام 1967م. خلاصة القول المطلوب فلسطينيًا تشكيل موقف واحد متماسك يعزز من صمود الشعب الفلسطيني على أرضه للوصول إلى ما يصبو إليه، هذا هو الرهان الحقيقي، عدا عن ذلك مضيعة للوقت.
د. معمر فيصل خولي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية