تحت عنوان: “فرنسا تلعب دور الشرطي في مواجهة إيران”، قالت مجلة “لوبوان” الأسبوعية الفرنسية إن الرئاسة الفرنسية (قصر الإليزيه) صعد من حدة لهجته حيال إيران وانحاز إلى المواقف الأمريكية في سياق المفاوضات حول الملف النووي الإيراني الشائك.
وأشارت المجلة إلى أن أول مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سمحت بقياس أوجه التقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا فيما يتعلق بالملفات الأكثر سخونة للعام الجاري ألفين وواحد وعشرين، بما في ذلك الملف النووي الإيراني، حيث رحب الإليزيه بـ”إصرار الولايات المتحدة على ضرورة أن يكون هناك تعاون فيما يخص الملف الإيراني، ورغبتهم في أخذ قضايا السلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط بعين الاعتبار”.
ولم يخف الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن رغبته في الانضمام إلى الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015، التي مزقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018. لكن الرئيس الأمريكي الجديد فرض على طهران شرطا مفاده أن تعود إيران التي استأنفت أنشطتها الذرية الأكثر حساسية قبل عام ردا على العقوبات الأمريكية التي تخنق اقتصادها، أن تعود أولا إلى الاحترام الكامل والتام لالتزاماتها، لأن هناك حالة طارئة. وبموجب قانون أقره البرلمان الإيراني في شهر ديسمبر/كانون الأول المنصرم رداً على اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده في الشهر السابق في طهران ، استأنفت إيران في وقت سابق من هذا العام 20 بالمئة من تخصيب اليورانيوم ، وهو عتبة أعلى بكثير من تلك التي حددتها خطة العمل الشاملة المشتركة (3.65 في المئة) والتي تقلل إلى أقل من عام الوقت الذي ستستغرقه إيران للحصول على القنبلة الذرية إذا قررت ذلك. في الوقت نفسه ، تواصل طهران أنشطة البحث والتطوير غير المشروعة من خلال تطوير أجهزة طرد مركزي متطورة.
ونقلت “لوبوان” عن دبلوماسي غربي وصفته بالكبير ولم تورد اسمه، نقلت عنه قوله إن: “الإدارة الأمريكية الجديدة ستجد أمامها ملفًا إيرانيًا مختلفًا تمامًا عما كان عليه الحال قبل أربع سنوات، في عهد باراك أوباما. لقد راكمت إيران المهارات والمخزونات التي يمكن أن تمنحها القدرة الكاملة على الحصول على أسلحة ذرية.” وأضاف “نشهد اليوم توسعًا للنفوذ الإيراني في المنطقة ، مما يخلق توازنًا جديدًا للقوى في وقت نرغب فيه في إعادة التعامل بجدية مع إيران. لدينا مطالب عالية مع إيران. إذا دخلنا في مفاوضات حول جميع القضايا المتعلقة بالسلام والأمن في الشرق الأوسط ، فسيتعين أن تكون هناك تنازلات من كلا الجانبين”.
في طهران ، يؤكدون أن هذه الإجراءات قابلة للمراجعة (باستثناء البحث والتطوير) ، وتهدف قبل كل شيء إلى تقوية يد إيران في إطار المفاوضات المقبلة مع الولايات المتحدة. وقد يشكل ذلك “ورقة رابحة، بالنسبة لإيران التي عززت قدراتها التكنولوجية”، وفق دبلوماسي كبير من الشرق الأوسط.
وهنا تتدخل فرنسا التي ما تزال من أصحاب المصلحة في الاتفاق النووي الإيراني. فحتى لو لم تكن قادرة على مواجهة العقوبات الأمريكية، تعتقد باريس، على عكس طهران وموسكو وبكين، أن الأمر متروك لإيران لتقديم تعهدات في هذا الشأن. ويشير الإليزيه إلى أن “الحقيقة هي أن العقوبات الأمريكية المفروضة منذ عام 2018 أدت إلى انتهاكات غير مقبولة من جانب إيران”، تواصل “لوبوان”.
وأوضحت “لوبوان” أن فرنسا وحتى قبل أن تنجح في إحياء اتفاق نووي أفرغ من جوهره، فإنها تدرس إبرام خطة العمل المشتركة الشاملة لتشمل جميع مخاوف المجتمع الدولي بشأن إيران. هذه الفكرة التي أطلقها إيمانويل ماكرون في عام 2018، ستعني أيضًا إيجاد حل لبرنامج الصواريخ الباليستية لإيران و للمسألة الشائكة المتمثلة في “الأنشطة الإيرانية الإقليمية” (دعم الحركات والأنظمة المعارضة للولايات المتحدة و السعودية وإسرائيل).
لكن هذا “الاتفاق الموسع” الذي تدعو إليه فرنسا يبدو بعيد المنال لأن الجدول الزمني ضيق للغاية في طهران. فلم يتبق أمام حكومة الرئيس حسن روحاني “المعتدلة” سوى ستة أشهر للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، والتي يمكن أن تكرس مرشحًا محافظًا أكثر عنادًا لرئيس السلطة التنفيذية، تقول “لوبوان”.
ومضت “لوبوان” إلى القول إنه في الوقت الحالي، يبدو أن إدارة بايدن مصممة على إيجاد طريقة للخروج من خطة العمل الشاملة المشتركة أولاً، قبل الوصول إلى قلب المشكلة مع إيران. وبمناسبة مؤتمره الصحافي الأول، قال وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكن، إنه “إذا عادت إيران للالتزام الكامل بتعهداتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة فستفعل الولايات المتحدة نفس الشيء”، موضحاً: “إيران متوقفة عن الالتزام على عدد من الأصعدة وستستغرق عودتها، إن هي قررت أن تفعل، بعض الوقت ثم سيستغرق منا تقييم ما إن كانت تفي بالتزاماتها بعض الوقت”. ومع ذلك، تقول “لوبوان”، فإن اسم المبعوث الخاص المقبل للرئيس بايدن إلى إيران، الدبلوماسي روبرت مالي، يمكن أن يعطي فكرة عن النوايا الحقيقية للولايات المتحدة تجاه إيران.
وفي مقابلة مع “لوبوان” في الـ 13 من نوفمبر الماضي، قال روبرت مالي، وهو كبير مستشاري الشرق الأوسط السابق لباراك أوباما، إن الولايات المتحدة و إيران، لديهما مصلحة في استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة بسرعة. وأعلن حينها أن “قوانين الجاذبية السياسية تعني بداهة أن البلدين ربما يتحركان في نفس الاتجاه في هذه النقطة”.
القدس العربي