ثلاثة ملامح باتت تطبع الوجه الجديد لتنظيم «الدولة» في العراق، ظهر بعضها أكثر وتأكد في عملية قتل القيادي البارز في ولاية العراق العيساوي في كركوك، الاولى هي المحلية، الثانية هي الطبيعة الجغرافية في نواحي كركوك، حيث جبال حمرين ومكحول، الثالثة هي علاقته المتوترة مع الحاضنة.
فالقيادي الأخير الذي قتل، ليس عراقيا وحسب، بل هو من أحد أكثر العشائر المشهورة بمعارضتها للتنظيم، التي خاضت معارك دامية منذ 15 عاما ضده، في عامرية الفلوجة وأطراف الفلوجة، فغالبا ما شكل أبناء البوعيسى من ما يعرف بـ»العشائر الخمس» عماد القوات والصحوات المناهضة للتنظيم، وكذلك اعتمدت عليهم الحكومة العراقية ذات الهيمنة الشيعية في المناصب الحساسة أمنيا في محافظة الأنبار في فترة توسع تنظيم «القاعدة» ومن ثم «دولة العراق الإسلامية» وحتى في زمن المالكي، كانت شرطة الفلوجة بقيادتهم، وشنّت باستمرار حملات ضد خلايا التنظيم، ووصفت شرطة الفلوجة بقيادتهم بأنها أشد من الأمريكيين ضد أبناء التنظيم، بحيث أن بعض المعتقلين المنتمين، أو المتهمين بالانتماء للتنظيم كانوا يخرجون من سجون الأمريكيين مثل بوكا وغيره، بقرار إطلاق سراح، ويعودون لمدينتهم الفلوجة فتقوم الشرطة باعتقالهم مجددا، وتعريضهم للتعذيب في السجن، ما ولّد عداءات عشائرية وأحقادا بين بعض الأفخاذ والبيوتات داخل العشائر نفسها، وقد أدت تلك السياسات القمعية، التي تعتقل وتعذب على الشبهة أكثر ممن تعتقلهم من عناصر التنظيم نفسهم، إلى ردة فعل عكسية، دفعت بالكثيرين من أبناء العشائر في الأنبار إلى الانضواء ضمن التنظيم رغبة في الانتقام، كردة فعل على ثارات وأحقاد قسمت العشائر نفسها في بعض الأحيان، فمثلا؛ هناك فخذ من عشيرة البوعيسى يدعى «الفحيلات» انتمى الكثير من ابنائه للتنظيم، فكانت ردة فعل باقي أفخاذ البوعيسى، أن قاموا بتهجير معظم عائلات الفحيلات من بيوتهم، ثم عاد التنظيم في 2014 فانتقم بعض ابناء الفحيلات بالتنظيم من أولاد عمومتهم من البوعيسى، وهكذا تدور الدائرة ويسود الثأر، وتتبدل الأزمان بين منتصر ومهزوم، وتبقى العداوات كوقود يغذي التنظيم من الناقمين، كقيادي العراق الأخير المقتول العيساوي .
تدور الدائرة ويسود الثأر، وتتبدل الأزمان بين منتصر ومهزوم، وتبقى العداوات وقودا يغذي تنظيم «الدولة» من الناقمين
النقطة الثانية هي التموضع الجغرافي المركز للتنظيم بعد طرده من مراكزه في المدن، حيث أصبحت القرى والجبال القريبة من كركوك معاقل ومخابئ له، مثل جبال حمرين ومكحول والقرى المحيطة بهما، فهذه المرتفعات تأتي في موقع وسيط بين مناطق ينتشر فيها التنظيم بقوة، بدءا من الطارمية والمشاهدة جنوبا، وقرى ديالى السنية المأزومة بالتوترات الطائفية مع جيرانها الشيعة، والحويجة والموصل وقراها شمالا، وبيجي والصينية غربا، وهذه المناطق كانت تمثل معاقل للتنظيم استمد منها الكثير من قوته وعناصره، لكنهم بعد سيطرة الحكومة على الموصل، تعرضوا للنبذ من قبل مجتمعاتهم المحلية.
وهنا نأتي للنقطة الثالثة وهي اضطرار هؤلاء المقاتلين إلى اللجوء لسلسلة الجبال النائية في حمرين، بسبب ضعف حاضنتهم في قراهم وعجزها عن حمايتهم، بل تراجع نسبة المؤيدين لهم في كثير من تلك المناطق، وايضا بسبب العداوات المحلية بين أبناء العشائر والقرى السنية نفسها، بعض هذا الإقصاء تم بسبب ضغوط أمنية أجبرت العائلات على توقيع براءات من أبناءهم المنتمين للتنظيم، وعائلات أخرى تعرضت أملاكها وأراضيها للنهب من قبل قوات الحشد الشعبي والعشائري، ما اضطرها للتبرؤ من ابنائها لحماية ما تبقى من وجودها، وفي مقابل إعادة ابنائها وعائلاتها المهجرة، كما حدث بعد تهجير عشيرة البوحشمة
من وسط محافظة صلاح الدين، وهي أيضا منطقة قريبة من سلسلة جبال حمرين ومكحول، وكذلك بعد سيطرة البونمر والجغايفة على حديثة وتهجير الكثير من العشائر المعادية لهم كما حدث في بروانة.
والملاحظ أن القائمة التي نشرتها مواقع حكومية باسماء الذين تم قتلهم من قيادات التنظيم في العملية الأخيرة، أنهم من عشائر معروفة، على الرغم من أن علينا ان نشك أيضا في خبر مقتلهم جميعا دفعة واحدة، كون الوكالات الحكومية العراقية لا تتمتع بدقة وشفافية في أخبارها، فقد سبق لهم مثلا عند اعتقال القيادي الشهير عبد الناصر التركماني العفري، أن قالوا إنه (اعتقل بعملية خاصة) وكنا أول من أشار إلى أنه تم استلامه من الطرف الامريكي في شرق سوريا بعد اعتقاله في سجون قسد شرق سوريا. والأسماء القيادية التي أعلنت الحكومة عن قتلها في العملية الأخيرة: جبار سلمان علي فرحان العيساوي، غسان نجم صالح أحمد العبيدي، علي خلف حنو البياتي، سالم خلف حنو البياتي، ناظم محمد أحمد العلكاوي، راجي حسن خلف شحاذة اللهيبي، ناجي حسن خلف شحاذة اللهيبي.
وائل عصام
القدس العربي