عبر منصة «زوم» التي تستضيف الاجتماعات المرئية على الإنترنت، أعلنت جمهورية كوسوفو ودولة الاحتلال الإسرائيلي تبادل الاعتراف وإقامة علاقات دبلوماسية بينهما للمرة الأولى منذ انفراد كوسوفو باستقلالها عن صربيا في عام 2008، كما اختارت برشتينا أن يكون مقرّ سفارتها في القدس المحتلة وليس تل أبيب. وهي بذلك تصبح ثالث دولة تتخذ هذا الإجراء، بعد الولايات المتحدة وغواتيمالا، وأول دولة أوروبية ذات غالبية سكانية مسلمة تخالف إجماع القانون الدولي على عدم شرعية فتح السفارات هناك.
ويعتبر هذا الاعتراف المتبادل ومعه نقل السفارة بمثابة واحدة من آخر الهدايا التي تكفل بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث جرى التوصل إلى هذا التفاهم خلال قمة احتضنها البيت الأبيض في أيلول/ سبتمبر الماضي، رغم أن دولة الاحتلال كانت قد امتنعت عن الاعتراف باستقلال كوسوفو خشية إغضاب صربيا من جهة أولى، وكذلك لأن اعترافاً كهذا يمكن أن يُقاس عليه حقّ الفلسطينيين باعتراف مماثل بدولة مستقلة. لكن حاجة دولة الاحتلال إلى إضافة أعلام جديدة تُرفع في سفارات على أرض القدس المحتلة، وكذلك رغبة حكومة بنيامين نتنياهو إلى البناء على جهود التطبيع مع بعض الدول العربية، سرّعت في إنضاج المشروع عبر وساطة واشنطن.
لكن الوساطة الأمريكية التي أنتجت ما سيُعرف باسم «صفقة واشنطن» بين صربيا وكوسوفو تضمنت 16 نقطة مختلفة، سياسية واقتصادية وقانونية، ليس بينها إلا نقطة واحدة واجبة التطبيق في أمد محدد أقصاه نهاية تموز/ يوليو هذا العام، هي الاعتراف المتبادل بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وكوسوفو وضرورة أن تنقل برشتينا سفارتها إلى القدس المحتلة. في المقابل، وعلى سبيل المثال فقط، لا تطالب الصفقة بإنشاء خطّ طيران مدني بين بلغراد وبرشتينا إلا على مدى زمني يبلغ 21 سنة، كما لا تفرض أي جدول زمني لمصادقة البرلمانين المعنيين في البلدين على أي من تفاصيل الصفقة.
واضح بالتالي أن تقديم خدمة سياسية ودبلوماسية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي كان الغرض الأهمّ من وراء الوساطة الأمريكية، إذ أن اعتراف دولة جديدة باستقلال كوسوفو لن يغير كثيراً من معادلة اعتراف 116 دولة بها قبل صفقة واشنطن. هذا عدا عن احتمال أن يكون رئيس كوسوفو السابق هاشم تاشي، الذي كان على رأس عمله ساعة توقيع صفقة واشنطن، قد دفع باتجاه إبرامها نظراً لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الألبان والصرب والغجر وعرقيات أخرى خلال فترة الحرب، الأمر الذي سوف يضطره إلى طلب العون من واشنطن وحلفائها.
ومن اللافت أن حكومة كوسوفو غامرت بالذهاب إلى الاعتراف المتبادل مع دولة الاحتلال ونقل السفارة إلى القدس، وهو قرار إشكالي لا يحظى بشعبية كافية في أوساط غالبية السكان المسلمة، في توقيت غير ملائم بالنظر إلى أنّ الانتخابات التشريعية سوف تجري يوم 14 شباط/ فبراير الجاري. وفي هذا أيضاً قد تكون مصلحة الائتلاف الحاكم الاتكاء مجدداً على مصادر نفوذ خارجية، عبر بوابة الاعتراف بدولة الاحتلال.
وهكذا فإن الصفقة معلنة مفضوحة، وهي قد لبت رغبة ترامب في إسباغ البلقنة على أصقاع الشرق الأوسط، حسب تعبيره.
القدس العربي