بات بإمكان الملايين من سكان هونغ كونغ الانتقال للمملكة المتحدة، من أجل العيش والحصول على جنسية البلاد، وذلك بعدما فتحت لندن الباب أمام الحاملين لجواز السفر البريطاني الوطني لما وراء البحار (المتوفر لمواطني هونغ كونغ المولودين قبل إعادته للصين عام 1997) للحصول على تأشيرة إقامة في بريطانيا مدتها 5 سنوات، وبعدها يمكن التقديم للحصول على الجنسية.
القرار البريطاني لم يرق للصين التي أعلنت أنها لن تعترف بجواز السفر البريطاني لما وراء البحار، معتبرة أن ما قامت به المملكة المتحدة خطوة ذات أهداف سياسية، ومن جانبها تعتبر لندن الأمر محاولة لمساعدة سكان هونغ كونغ بعد فرض الصين قانون الأمن الوطني.
وتخفي اتهامات السياسيين مصالح اقتصادية ضخمة ستكون كفيلة بتغيير وضع هونغ كونغ الاقتصادي، باعتبارها من أكبر المنصات المالية عالميا، في حال ما قرر الملايين من سكان هونغ كونغ الاستفادة من القرار البريطاني الجديد والانتقال للعيش بالمملكة المتحدة.
الوضع الجديد قد يؤدي لأن يغدق سوق المال الآسيوي على البورصات الأوروبية 36 مليار دولار (رويترز)
الهروب الكبير
يبلغ عدد سكان هونغ كونغ حاملي جواز السفر البريطاني الوطني لما وراء البحار المعروف اختصارا (BNO) حوالي 5.2 ملايين شخص، وهو ما يشكل 70% من مجموع السكان.
وتتوقع الحكومة البريطانية مشاركة 153 ألف شخص في التسهيل الجديد الذي دخل حيز التنفيذ مع بداية الأسبوع، وذلك خلال السنة الأولى فقط.
وحسب معطيات الداخلية البريطانية فإن عدد طلبات الحصول على تأشيرة الإقامة بالمملكة المتحدة شهد قفزة صاروخية منذ يوليو/تموز وحتى يناير/كانون الثاني الماضي، بارتفاع نسبته 300%، وذلك منذ تدهور الأوضاع في هونغ كونغ بعد فرض بكين قانون الأمن الوطني.
وتتوقع الحكومة البريطانية أن يستفيد من الإقامة الجديدة حوالي 321 ألفا و600 سنويا، وعلى امتداد السنوات الخمس المقبلة، مما يعني إمكانية وصول أكثر من 1.5 مليون مواطن من هونغ كونغ للمملكة المتحدة، بحلول عام 2026، وهو ما يعادل 15% من سكان هذه المدينة البالغ عددهم 7.5 ملايين نسمة.
هذه الأرقام تعني حدوث تغيير ديموغرافي كبير في هونغ كونغ، وأيضا تحولا كبيرا داخل المملكة المتحدة، فالقادمون إليها ليسوا مهاجرين من ذوي الكفاءات المحدودة، وإنما فئة معروفة بتكوينها العالي وخبراتها وقدراتها المالية المرتفعة التي ستستفيد منها المملكة المتحدة.
وقد بدأت أول مؤشرات التأثير على السوق المالية في هونغ كونغ تظهر خلال هذه السنة، حيث تم تسجيل حوالي 90 ألف معاملة لبيع المنازل، خلال هذه السنة، مما يشكل ارتفاعا نسبته 50%، مقارنة بالسنوات الخمس الماضية.
علما بأن سوق العقار في هونغ كونغ يعتبر من بين الأغلى في العالم. ولا يعرف ما إذا كان كل الراغبين في بيع منازلهم سوف يلتحقون بالمملكة المتحدة، لكن نسبة منهم لن تجد وجهة أفضل من هذه البلاد حيث التسهيلات للحصول على التأشيرات.
منجم أموال
خروج مئات الآلاف أو ربما الملايين من هونغ كونغ باتجاه المملكة المتحدة لن يكون بدون ثمن على هذا الإقليم، حيث يتوقع تقرير “بنك أوف أميركا” أن يؤدي هذا الوضع إلى خروج 36 مليار دولار من سوق المال الآسيوي لتحط الرحال بالبورصات الأوروبية وخصوصا المركز المالي في لندن الذي يعد الأكبر في العالم.
هذه التوقعات ستنزل بردا وسلاما على حكومة بوريس جونسون، بعد الأرقام التي أظهرت مغادرة مليون عامل للمملكة المتحدة خلال سنة بسبب الجائحة والخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
وبعد إقرار بريطانيا نظام الهجرة بالنقاط لاستقطاب الكفاءات فإنها ستجد ضالتها في سكان هونغ كونغ الذين يصنفون من بين الأفضل من حيث المستوى التعليمي، والتفوق بالمجالات التقنية والعلمية، وهكذا ستضرب لندن عصفورين بحجر واحد لاستقطاب الكفاءات ومعهم رؤوس أموال ضحمة.
ويتوقع تقرير البنك الأميركي أنه في حال قرر المواطنون الذين يقيمون بالأحياء الرئيسية في هونغ كونغ بيع منازلهم التي يبلغ متوسط سعرها مليون دولار، إضافة لنقل مدخراتهم، فهذا يعني فقدان المدينة حوالي 36 مليار دولار على الأقل، وهو رقم كفيل بأن ينعش الأسهم في الحي المالي بلندن.
وإضافة لخروج رؤوس أموال ضخمة من هونغ كونغ، فإن العملة المحلية (الدولار) ستعرف هزة عنيفة، رغم أنها تصنف من بين الأقوى في العالم، ولكن مصرف أميركا يتوقع أن يستقر سعره بعد 5 سنوات، بعد أن يبدأ عدد المغادرين في التراجع.
وحسب نفس المصدر فإنه خلال السنوات الخمس المقبلة، سوف يفقد سوق المال في هونغ كونغ حوالي 76 مليار دولار، وهي خسارة تعد من بين الأكبر لأي مركز مالي بالتاريخ، وسيكون المركز المالي في لندن هو المستفيد.
ولن يستطيع المركز المالي التعافي في حال صدقت التوقعات الاقتصادية إلا بعد سنوات، ذلك أنه فضلا عن الخسارة الاقتصادية، سوف تتعرض صورة هونغ كونغ، باعتبارها واحد من أكثر المراكز المالية جذبا للاستثمارات، لضربة قوية، رغم محاولات السلطات الصينية الاستثمار بالمركز المالي للحفاظ على قوته ودعمه خشية أي انهيار لسمعته.
المصدر : الجزيرة