لم تؤكد تل أبيب، ولم تنفِ، حدوث اجتماع بين ضباط استخبارات إسرائيليين ونظراء لهم من نظام الأسد، في قاعدة حميميم الروسية على شاطئ المتوسط، وكذا بالنسبة لاجتماع سبقه في قبرص، برعاية روسية للاجتماعين. هذا يسمح بافتراض أن أخبار الاجتماعين صحيحة، أما فحوى المحادثات فلا يمكن إلا إطلاق بعض تكهنات بشأنها، في غياب الإعلان الرسمي من الطرفين، بناءً على قراءة مصالحهما وحاجاتهما المتبادلة.
من جهة نظام الأسد الكيماوي، هو بحاجة أكيدة لإسرائيل لتكون نوعاً من «لوبي أسدي فعال» لدى الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن في واشنطن. وفي ذاكرته تلك الخدمة المجانية الثمينة التي قدمتها له إسرائيل في واشنطن باتجاه إلغاء الضربة الأمريكية التي هدد بها باراك أوباما عقاباً للأسد على استخدام السلاح الكيماوي في ضرب الغوطة، وترتيب الصفقة الكيماوية التي لم تكتفِ بإنقاذ النظام، بل منحته إجازة أمريكية – دولية لمواصلة قتل السوريين بجميع أنواع الأسلحة الأخرى، من غير خشية أي محاسبة محتملة على جرائمه.
هناك الآن إدارة أمريكية جديدة من المحتمل أن تكون سياستها السورية امتداداً لسياسة عهد أوباما، وبخاصة أن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران هي العنوان الأبرز لسياسة الإدارة الجديدة في منطقتنا. يأمل النظام، إذن، أن تستمر السياسة الأوبامية تجاه سوريا من ناحية الاطمئنان إلى قبول واشنطن ببقائه، وعدم ممارسة ضغوط إضافية لإرغامه على الانخراط في تسوية سياسية على أساس قرار مجلس الأمن 2254. ومهما امتلك النظام من أدوات دبلوماسية في واشنطن، فهي لن تكون بفعالية إسرائيل القادرة على تسويق النظام بدعاوى تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي.
هل يستطيع النظام إقناع إسرائيل بذلك؟ أو ما الذي يمكن للنظام أن يقدمه لإسرائيل مقابل هذه الخدمة؟ أو ما الذي قد تطلبه إسرائيل من النظام؟ هذه صياغات مختلفة لسؤال واحد. وأول ما يخطر على البال جواباً عليه هو: إيران، أو الوجود الإيراني في سوريا. معروف أن هذا الوجود يثير حفيظة كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وربما روسيا. إدارة بايدن التي تتهيأ لخوض مفاوضات جديدة مع إيران قد لا تبدي المرونة الأوبامية ذاتها إزاء النفوذ الإيراني في المنطقة، هذا على أي حال ما تأمله إسرائيل وستضغط باتجاهه لمصلحتها الخاصة. أما موضوع النظام الكيماوي فالتوقعات تجمع على أن مصيره ليس على جدول أولويات الإدارة الجديدة، لكن عقوبات «قانون قيصر» هي ما يكسر ظهر النظام ويحتاج إلى إلغائها. هنا يمكن لإسرائيل أن تلعب دوراً مشجعاً في هذا الاتجاه، مقابل تخلي النظام المفترض عن خدمات حليفه الإيراني.
جميع مشكلات المنطقة مترابطة بطريقة أو بأخرى، إضافة إلى أن الدول الأقوى ستسعى إلى هذا الربط من أجل امتلاك أوراق قوة للتفاوض عليها فيما بينها
هل يستطيع النظام أن يتخذ قراراً بحجم فك تحالفه مع إيران؟ هذا ما لا يمكن التكهن به، وإن كان المرجح أنه لا يملك هذه القدرة، فإيران لن تتوانى عن أي ارتكاب في مواجهة خيانته المفترضة لها، حتى لو بدافع الانتقام وحده، بعد كل ما استثمرته في بقائه من أموال وإمكانيات ورجال. يبقى الطريق الأسلم لفك هذا التحالف هو توافق أمريكي – روسي حول إخراج إيران من سوريا بقرار من مجلس الأمن، بحيث لا يتحمل النظام مسؤولية ذلك وعواقبه. وأفضل من يمكنه إقناع كل من الروس والأمريكيين معاً بهذا الشأن هو إسرائيل.
من المحتمل أن يكون مصير سوريا، والنظام السوري، جزءاً من صفقة شاملة بين عدد من الدول، روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل والدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والمنظومة الخليجية وربما دول أخرى، بما يؤدي إلى «نظام شرق أوسطي جديد» يأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات الكثيرة التي حدثت في العقدين الأخيرين. فجميع مشكلات المنطقة مترابطة بطريقة أو بأخرى، إضافة إلى أن الدول الأقوى ستسعى إلى هذا الربط من أجل امتلاك أوراق قوة للتفاوض عليها فيما بينها. وتبدو سوريا بذاتها مجموعة من المشكلات الموضعية المنعزلة التي ستعمل الدول المنخرطة في الصراعات السورية على ربطها معاً لمقايضة مكاسب متبادلة. نلاحظ، على سبيل المثال، أن تركيا وروسيا والولايات المتحدة هي الجهات الفاعلة والمتنافسة في الشمال، مقابل إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة في الجنوب. كذلك فإن انخراط حزب الله في الصراع السوري لمصلحة إيران يفتح الباب على المشكلة اللبنانية أيضاً. وفي الشرق يربط الموضوع الكردي، والصراع المتجدد ضد داعش، بين مشكلات كل من العراق وسوريا. أما الموضوع الإيراني بذاته فهو موضع اهتمام كل من إسرائيل ودول الخليج، وحتى تركيا إلى حد معين.
لن أدخل في لعبة التكهنات بشأن ما يمكن أن تضيفه إدارة بايدن إلى السياسة الأمريكية في منطقتنا. صحيح أن الخطوط العريضة لهذه السياسة معروفة بشكل تقريبي، لكن التطورات المحتملة وأعمال اللاعبين الإقليميين من شأنها أن تغير تلك السياسة وفقاً للضرورات.
بكر صدقي
القدس العربي