ليبيا: مسارات متوازية للحرب والسلام

ليبيا: مسارات متوازية للحرب والسلام

برعاية أممية، وبعد مفاوضات طويلة، أسفرت انتخابات 74 عضوا من ملتقى الحوار السياسي الليبي، والذي يضم أشخاصا من خلفيات سياسية مختلفة لتمثيل أطراف الصراع الليبي عن مفاجأة تمثلت بانتخاب سفير طرابلس السابق لدى اليونان، محمد المنفي، رئيسا للمجلس الرئاسي، والناشط السياسي ورجل الأعمال عبد الحميد دبيبة رئيسا للوزراء، إضافة إلى موسى الكوني وعبد الله حسين اللافي كعضوين في المجلس الرئاسي، بعد أن كانت جهات سياسية عديدة تتوقع فوز قائمة عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي المقرب من الجنرال خليفة حفتر، وفتحي باشاغا، وزير الداخلية والرجل القوي في الحكومة الليبية المقيمة في طرابلس.
أظهرت ردود الفعل الأولية في ليبيا عن ترحيب شعبي بالنتائج، كما تداولت وسائل الإعلام تصريحا لوزير الدفاع الليبي صلاح الدين النمروش يؤكد دعمه للقيادة المؤقتة المنتخبة، كما هنأ رئيس حزب «العدالة والبناء» الإسلامي محمد صوان، الذراع السياسية لحركة الإخوان في ليبيا، الفائزين، كما هنأ المرشح الرئيسي المنافس، فتحي باشاغا، القائمة الفائزة واعتبر ما حصل تجسيدا للديمقراطية.
تكشف تصريحات المرشحين الفائزين عن رغبة واضحة في إعادة البلاد إلى سكّة السلام بعد أن أنهكتها الحرب الأهلية، والتدخلات الخارجية، ومحاولات إعادة البلاد إلى النمط الدكتاتوري العسكريّ الذي كانت ترزح تحته أيام العقيد معمر القذافي، عبر توظيف جنراله السابق خليفة حفتر للسيطرة على ليبيا بالقوة، من دون أن ننسى محاولات تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية» التي كلّفت حكومة طرابلس، وبعض المدن الليبية خصوصا، آلاف القتلى والجرحى.
المقصود من هذا أن الليبيين، رغم كل ما مرّ بهم خلال السنوات العشر الماضية، لم ييأسوا إلى حد تسليم شؤونهم لطاغية جديد يدعي أنه يريد «مكافحة الإرهاب» ولم يقبلوا أن يحكمهم تنظيم إرهابي متطرّف باسم الإسلام، وحافظوا على حلمهم بالخروج من الوضعيّة المستحيلة التي حاولت بعض الدول المؤيدة للاستبداد فرضها عليهم، وبحكم بلادهم بنظام ديمقراطيّ تتداول فيه السلطة، وتدار شؤون الدولة ضمن منظومات القضاء والقانون وحرية الرأي والإعلام، وليس بـ«كتاب أخضر» مثير للسخرية، وبطاغية مهرّج يملك البلاد والعباد، ويعمل على توريثها إلى ابنه المفضل، أو بدكتاتور جديد يريد إعادة قصة القذافي من جديد.
ستيفاني وليامز، مندوبة الأمم المتحدة الراعية للعملية الانتخابية، أعلنت أن نتائج الانتخابات ستبطل كل الأجسام السياسية الحاكمة السابقة، ورغم أن وليامز ستغادر في نهاية الشهر، وسيحل محلها مبعوث أممي جديد، فالأكيد أن الأمم المتحدة والمنظومة الدولية ستكونان الطرف الحارس للاتفاق والكفيل الضامن لتحقيقه، وإضافة إلى القوة الرمزية للأمم المتحدة، فإن طرفين دوليّين كبيرين سيلعبان دورا مهما، هما الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، التي رعت مؤتمر برلين، وذلك بعد أن أسقط التدخّل الفرنسيّ المباشر في ليبيا، عبر دعم الجنرال حفتر، مصداقية باريس، كما أن إيطاليا لم تستطع لعب دور مهم في هذا الخصوص، وهو أمر يمكن سحبه على روسيا أيضا.
على المستوى العربيّ، فقد تناظر تراجع قوات حفتر، وانكشاف المذابح المهولة التي قامت بها في مناطق سيطرتها، مع ظهور خلافات خفيّة ضمن المحور الداعم له، مع صعود التحالف الإماراتي – الإسرائيلي، الذي أثار قلق النظام المصريّ وسحب من يده أوراقا كان يعتبرها ملكية حصرية له، وهو ما يفسّر بعض التوافقات الليبية التي حصلت خلال الانتخابات بين الطرفين الرئيسيين المتصارعين.
من الضروري القول إن الطريق ليس سالكا بسهولة نحو القيادة الليبية الجديدة، وأن إعلان رئيس الحكومة المنتخب عبد الحميد دبيبة سعيه لـ«احتكار الدولة للسلاح» وبناء «مؤسسات أمنية احترافية» لن يكون أمرا بالسهولة التي يتصورها، وأن رعاية المنظومة الدولية، والتوافقات العربية والإقليمية، لن تكون وحدها قادرة على تحقيق أحلام الليبيين، وأن الأمر منوط بقدرات هذه القيادة الجديدة على تفكيك كل العقبات الصعبة المقبلة.

القدس العربي