بايدن وحروب التجارة الأمريكية

بايدن وحروب التجارة الأمريكية

ربما كان كل ما يتعلق بحروب التجارة من بين أثقل المواريث التي ورثها الرئيس بايدن عن إدارة الرئيس ترامب. والواقع أن ترامب لم يوفر أحدا في تلك الحروب من منافس أو خصم استراتيجي مثل الصين، إلى حليف تاريخي مثل الاتحاد الأوروبي.

العلاقات مع الصين:

القضية الأكثر إلحاحا أمام بايدن هي التساؤل عما يمكن فعله مع الصين؟ وأمام الرئيس بايدن العديد من الاختيارات، فهناك الاختيار بين ما إذا كان سيحتفظ بالتعريفات الجمركية المفروضة على الصادرات الصينية للولايات المتحدة أم يلغيها؟ وكذلك فيما إذا كانت هناك رغبة لدى الرئيس في البناء على اتفاق “المرحلة 1” التجاري الذي عقده ترامب مع الصين. إضافة إلى قضية التعامل مع الشركات الصينية سواء فيما يتصل بشطب بعضها من بورصة نيويورك، أو بفرض حظر تكنولوجي على بعضها الآخر.

ويبدو أن السؤال “كيف يمكن التعامل مع الصين؟” يصبغ كل شيء بصبغته، بما في ذلك السؤال عما إذا كان على الولايات المتحدة العودة للانضمام إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي لا تضم الصين. ولطالما نظر المفكرون الاستراتيجيون في واشنطن إلى هذه الشراكة كطريق لتقوية موقف الولايات المتحدة في منطقة آسيا المطلة على الهادئ وكوسيلة للمساعدة في مواجهة الصعود الاقتصادي الصيني. وكان ترامب قد سحب الولايات المتحدة من المباحثات حول هذه الشراكة في اليوم الأول من توليه الرئاسة في عام 2017.

وبالنسبة لبايدن فواحد من مواريث ترامب المرتبط بالصين هو ما يتعلق بالخط الفاصل بين الاقتصاد والأمن القومي. فعادة ما كان يتذرع ترامب، وأحيانا بشكل مبهم، بالأمن القومي في معاركه التجارية والتكنولوجية، بما في ذلك هجومه على شركة هواوي والشركات الصينية الأخرى.

وحول أسلوب تعامل إدارة الرئيس بايدن مع الصين، قالت جين بساكي السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض إن إدارة الرئيس بايدن تلتزم في علاقتها مع بكين بالصبر، وتخطط لمراجعة السياسات المتشددة التي كانت السمة المميزة لرئاسة ترامب.

وقالت بساكي “نحن نبدأ بمنهج الصبر فيما يتعلق بعلاقتنا مع الصين”… “ولهذا فنحن لدينا مشاوراتنا مع الحلفاء، وسنمضي في طريق التشاور مع الديمقراطيين والجمهوريين، وسوف نسمح للعملية المؤسسية بالعمل لمراجعة وتقييم كيف ينبغي أن نتحرك قدما في علاقاتنا”.

وتشير تلك التعليقات إلى أن إدارة بايدن ربما تكون منفتحة على تغيير ما فعله ترامب. وكان بايدن نفسه لم يعط أي تلميح حول تغير في المسلك تجاه بكين، حيث أبلغ جريدة نيويورك تايمز خلال شهر ديسمبر أنه لن يقوم بأي تحرك فوري فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على ما قيمته 350 مليار دولار من الواردات من الصين.

وكانت أكبر ثلاث شركات اتصالات صينية قد طلبت مراجعة قرار بورصة نيويورك بشطب أسهمها بناء على الأمر التنفيذي للرئيس السابق ترامب في شهر نوفمبر. وقد أعلنت هذه الشركات عن موقفها هذا بعد مرور ساعات فقط على حلف بايدن القسم رئيسا للولايات المتحدة.

وقالت السكرتيرة الصحفية إن إدارة بايدن تنظر في “مجموعة من التدابير التنظيمية وطائفة من العلاقات مع الشركات، فيما يتعلق بالاستثمارات الصينية، وبعض الأمور الأخرى كذلك”.

وكانت الإدارة الأمريكية السابقة قد كثفت من هجومها على الصين خلال الشهور الأخيرة، بفرضها عقوبات. كما سعت الولايات المتحدة أيضا إلى تقليص روابطها الاقتصادية وحرمان الشركات الصينية من الوصول إلى رأس المال الأمريكي.

وكان ترامب قد قرر حظر تداول أسهم صينية معينة بدءا من 11 يناير. وإذ ترك بايدن القرار على ما هو عليه فسيكون مطلوبا من الشركات الأمريكية وصناديق التقاعد بيع استثماراتها في الشركات الصينية المرتبطة بالقوات المسلحة الصينية بتاريخ 11 نوفمبر المقبل.

العلاقات مع أوروبا الموحدة:

الواقع أن العلاقات الاقتصادية الأوروبية أثناء حكم الإدارة الأمريكية السابقة قد تميزت ببعض التعقيد. فعلى الإدارة الجديدة أن تأخذ في الاعتبار الحرب التجارية مع أوروبا خاصة النزاع القائم منذ أمد طويل حول دعم صناعة الطيران بين شركتي إيرباص الأوروبية وبوينج الأمريكية. وكذلك الموضوع المتعلق بفرض فرنسا إلى جانب عزم بعض الدول الأوروبية الأخرى على فرض ضرائب على الشركات المقدمة للخدمات الرقمية والتي ستطول بالأساس شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة مثل جوجل وفيسبوك.

وكانت الولايات المتحدة قد فرضت رسوما جمركية قدرها 25% على واردات الصلب و10% على واردات الألومنيوم في مارس 2018، ولم تستثن وقتها من هذا القرار سوى المكسيك وكندا الأعضاء في اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “النافتا”. ومن أجل تسويغ فرض هذه الرسوم كانت قد بدأت سلسلة تحقيقات أولية أمر بها ويلبور روس وزير التجارة الأمريكي في شهر أبريل 2017، للنظر فيما إذا كانت واردات الولايات المتحدة من الصلب تشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي وفقا للمادة 232 من ملحق قانون التجارة الأمريكي لعام 1962.

وكانت خلاصة تقرير وزارة التجارة بشأن الصلب تشير إلى أنه ليس هناك أي شك حول تأثير الواردات على الأمن القومي، إذ جادلت الحكومة بأن الصلب مهم في صناعة الدفاع، إذ يدخل في صناعة السفن الحربية والغواصات، كما أن هناك أنواعا معينة من الصلب المخصوص تدخل في صناعة الطائرات المقاتلة. كما أشار تقرير الحكومة أيضا إلى أهمية الصلب في مشروعات البنية الأساسية المهمة كمشروعات الاتصالات والسدود.

وفي حين كانت الولايات المتحدة لا تستورد في عام 2017 سوى نحو 2% من وارداتها من الصلب من الصين، إلا أنها كانت تستورد نحو 31% من مشترياتها العالمية من الألومنيوم من الصين، وفي إطار خطة الرئيس الأمريكي لخفض العجز التجاري مع الشركاء التجاريين وعلى رأسهم الصين فقد تم فرض رسوم على واردات الألومنيوم. هذا إضافة إلى أهمية هذا المعدن الذي يدخل في صناعة الكثير من المنتجات مثل الطائرات والسيارات.

وعلى الرغم من ذريعة الأمن القومي التي تذرع بها الرئيس الأمريكي السابق لفرض رسوم جمركية مرتفعة على منتجات الصلب والألومنيوم، فقد كان السبب الحقيقي -كما يرى الآخرون- هو عدم قدرة الصناعة الأمريكية على منافسة الواردات، ولذا تم فرض هذه الرسوم لتشجيع الصناعة المحلية وزيادة الإنتاج المحلي وزيادة فرص العمل المتوفرة للمواطنين الأمريكيين.

والواقع أن الرسوم التي تم فرضها في مارس 2018 لم تستطع تحقيق أهداف زيادة الإنتاج المحلي من الصلب وتوفير المزيد من فرص العمل كما كان مأمولا. فالإنتاج الأمريكي من الصلب لم يرتفع سوى بمقدار 2% فقط سنويا بين الربعين الثالث من عام 2017، والثالث من عام 2019.

ويبدي الأوروبيون دهشتهم من استخدام حجة الأمن القومي ضدهم وهم حلفاء سياسيون وعسكريون تاريخيون للولايات المتحدة.

مجدي صبري

العين الاخباري