ملامح مواجهة بين واشنطن والقاهرة تخرج ملف الإخوان من الدرج

ملامح مواجهة بين واشنطن والقاهرة تخرج ملف الإخوان من الدرج

القاهرة – تنظر مصر بحذر شديد إلى حزمة بيانات ومواقف أميركية غير إيجابية تجاه السعودية خلال الأيام الماضية، وتشعر بأنها الدولة التالية ضمن دائرة اهتمامات الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن التي قد تستهدفها بانتقادات تتركز بالدرجة الأولى على ملف حقوق الإنسان، لأن مصر لم تغرس أقدامها في قضايا خارجية مثيرة.

وتبتعد واشنطن عن شَغل نفسها بملفات معقدة في الشرق الأوسط كالصراعات المستمرة في سوريا وليبيا، منذ إدارة باراك أوباما التي أخفقت في التعامل مع هذه الملفات.

وتقفز واشنطن على ملفات الصراعات بزيادة الحديث عن المظلومية وحقوق الإنسان، ما يوحي باستهداف دول قيل إنها استفادت من إدارة سلفه دونالد ترامب.

وتركز إدارة بايدن على مصر وملفها الحقوقي وما يتعلق بملف الإخوان، وتظهر كأنها تصوب أخطاء ترامب، وتعيد إنتاج السياسة التي تبناها أوباما حيال الشرق الأوسط.

واعتبرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في مقال لمايكل دوران المختص في شؤون الشرق الأوسط، أن بايدن يعود إلى الوضع “غير الطبيعي” في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، في إشارة إلى عدم قدرته على التمييز بين الخصوم والحلفاء الحقيقيين، وتقديم السعودية على إيران، ومصر على تركيا، بصرف النظر عن حجم التهديدات التي تمثلها كل دولة.

وكتب دوران، الزميل السابق في معهد بروكينغز للدراسات، “أشار بايدن ضمنيا خلال حملته الانتخابية إلى وعد الرئيس الأميركي الراحل وارن هاردينغ في العشرينات من القرن الماضي بالعودة إلى الوضع الطبيعي، لكن إدارته تعود إلى الوضع غير الطبيعي والمتمثل في إستراتيجية الرئيس الأسبق باراك أوباما”.

ووصف دوران، الذي سبق أن عمل في إدارة الرئيس جورج بوش، العناصر الرئيسية لإستراتيجية أوباما – بايدن بـ”التخلي عن الاحتواء، وتدمير الردع، وتبديد النفوذ، والتقليل من مرتبة الحلفاء، وإثراء الأعداء”، منوها إلى أنْ تسير قوة عظمى على هذا النهج يعني أن الأمر ليس غير طبيعي فقط، إنما هو مخيف أيضا.

وتعزز هذه التقديرات هواجس مصر حيال إدارة بايدن، وتفرض عليها معالجة الملف الحقوقي بصورة غير محدودة، ولا تتعلق فقط بناشطين مدنيين معينين، فمن المرجح توسيع الملف كي يشمل العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يغير خارطة تعريفات حقوق الإنسان وارتباطها بملف الإرهاب.

وأكد الخبير في شؤون الحركات الإسلامية طارق أبوالسعد، أن ملف حقوق الإنسان مرشح فعلا ليكون مقدمة لإخراج ملف الإخوان من الأدراج، بالنظر إلى التوظيف المكثف له من جانب قادة وعناصر الجماعة وناشطين سياسيين، وتصدير صورة الجماعة المضطهدة سياسيًا لإخفاء معالم العنف الذي ارتكب على مدار سنوات.

وقال أبوالسعد، في تصريح لـ”العرب”، إن “إدارة بايدن تدرك أن الورقة الأقوى التي تمكنها من ممارسة ضغوط على القاهرة لتحقيق أهداف ومكاسب، ربما تصبح في مرحلة ما عنوانا صريحا لإدارة العلاقة المصرية – الأميركية”.

وظل ملف الإخوان مسكوتا عنه سياسيا في سنوات ترامب، وتصرفت فيه القاهرة بأريحية وربطته بالإرهاب الذي يعم المنطقة، وحاولت الاستفادة من التطورات التي كشفتها دول مثل فرنسا والنمسا اللتيْن أعلنتا عن تورط جماعة الإخوان مع تنظيمات متطرفة، بما يتسق مع ما رددته القاهرة كثيرا ولم يجد آذانا صاغية في الغرب.

ودخلت الإدارة المصرية اختبارا مهما، يتعلق بآليات تعميم الربط بين الإخوان والقوى الإرهابية لدى إدارة بايدن، وهي مسألة غاية في الصعوبة، لأن هذه الإدارة لديها مواقف ثابتة مسبقة ولن تقبل بهذا الربط، ما يفرض على القاهرة العمل مع شركاء آخرين، والاستعداد لفتح ملف الإخوان في الداخل.

وتجتهد القاهرة في تغيير التعريفات والبحث عن مدى مطابقتها على ناشط هنا أو ناشط هناك، في حين أن النشطاء يمكن أن يكونوا مقدمة لوضع الملف الأكبر على الطاولة، الخاص بمصير قيادات جماعة الإخوان في السجون والدور السياسي الذي تضطلع به كوادرها.

ولن تمانع واشنطن في استثمار باب حقوق الإنسان ومتعلقاته السياسية ليكون في مقدمة ما تبدأ به في التعامل مع القاهرة، وتنحي في البداية القضايا الإستراتيجية جانبا، وسط الاهتمام الكبير بهذا الملف الذي يحقق لها فوائد معنوية كبيرة، ويعزز فكرة تكرار سياسات أوباما.

وانتبه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى ما هو مقبل عليه، وكثف مناشداته التي دعا فيها إلى تلاحم أفراد الشعب والوقوف خلف نظام بلادهم، وآخرها المناشدة التي جدت مساء السبت، في أحد برامج التلفزيون، لأن أي “مؤامرة خارجية” تستهدف البلاد سوف تأتي عن طريق تغذية الاحتقانات بين صفوف الشعب، راميا إلى توصيل رسالة تنطوي على أنه محمي من الشعب.

ويقول مراقبون إن مصر حاليا تغيرت وأصبح نظام الحكم أكثر صلابة سياسية في الداخل، ما يقلل من فرص ممارسة ضغوط أميركية، أو التعرض لابتزازات لم يتم الرضوخ لها في أواخر عهد أوباما، ووقتها كانت الإدارة المصرية أقل تماسكا.

ويرى هؤلاء أن جروح الملف الحقوقي لن تتوقف عن النزيف، حتى لو حسّنت القاهرة بعضَ جوانبه، فقد جرى اتخاذ خطوات خلال الفترة الماضية، مثل إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية وتقنين عمل المنظمات الحقوقية والإفراج عن المئات من المعتقلين، ولم يتم تثمين ذلك من قبل منظمات حقوقية والاتحاد الأوروبي، وربما يجدان في اهتمام بايدن حافزا لممارسة ضغوط قاسية.

وتمتلك القاهرة خيارين للتعامل مع جماعة الإخوان، أحدهما تثبيت الربط بينهم وبين الإرهاب، وهذا لن يحقق تقدما في ظل التردد الغربي، وتشبث إدارة بايدن بتفعيل هذه الورقة وتصحيح ما وقعت فيه إدارة أوباما من أخطاء.

ويتمثل الخيار الآخر في القبول بمصالحة مع الجماعة، وهي قضية صعبة حاليا، لأن جزءا من المشروعية السياسية للنظام المصري يقوم على معاداة جماعة الإخوان، ولن تتقبل قطاعات عريضة من المواطنين هذه الفكرة، وبالتالي هناك مواجهة، لا تريدها مصر، تلوح في الأفق بين الجانبين.

ولفت خبراء في شؤون الإسلام السياسي إلى أن التجاوب المصري، إذا حدث، سوف ينحصر في بعض الحالات التي لا تسبب حرجًا شعبيا، بعيدا عن مرتكبي الجرائم الإرهابية والأسماء المعروفة بالتحريض والعنف.

العرب