هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مستهل الجلسة الأسبوعية لحكومته قرار المحكمة الجنائية الدولية إعلانها بالأغلبية أن اختصاصها الإقليمي بشأن الوضع في فلسطين، وهي عضو في معاهدة روما منذ عام 2015، يشمل الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهو ما يعني التمهيد لتحقيق رسمي مع تل أبيب بخصوص ارتكابها جرائم حرب على خلفية الاحتلال والاستيطان واستهداف المدنيين بحروب متتالية.
استخدم نتنياهو، الحجة البائسة المعتادة، وهي أن القرار هو «معاداة صريحة للسامية» وهو ما يعني أن أي مساءلة لكيان دولة الاحتلال على أفعالها بحق سكان أراض تعتبرها الأمم المتحدة، والمنظومة الدولية، محتلة، يدخل في باب كراهية اليهود، وهو ما يعني ليس أن إسرائيل فوق المساءلة القانونية الأممية والدولية، بل إن سلطة رئيس وزرائها وحكومتها وأجهزتها الأمنية وجيشها وشرطتها، هي أيضا فوق القانون الدولي تحت طائلة الاتهام بـ«معاداة السامية».
إضافة إلى استخدامه تهمة «معاداة الساميّة» التي ترفع كسيف مسلط ضد أي ناقد لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، حتى لو جاء من يهود، فقد رفع نتنياهو الصيغة الجاهزة الأخرى، وهي «مكافحة الإرهاب» والتي تستخدم ضد الفلسطينيين، بحيث تصبح حروب تشنّها دولة مسلّحة بالصواريخ النووية، والتي تتباهى بقوّتها وعمليّاتها في كل أنحاء العالم، دفاعا عن «دولة ديمقراطية» يهاجمها «إرهابيون» فلسطينيون يقتلون الأطفال!
تظهر حالة الغضب التي اجتاحت زعماء ومؤسسات كيان الاحتلال الإسرائيلي، سببها أن كثيرين من المتورطين في جرائم الحرب صاروا مهددين بإمكانية محاكمتهم على ما ارتكبوه، وهو ما يفسر تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، الذي قال إن الجيش «سيقوم بحماية كافة جنوده وضباطه» وكذلك ما قاله مدير قسم القانون الدولي في خارجية الاحتلال من إنه «ينبغي ألا تستخف إسرائيل بالقرار».
لا يستند القلق الإسرائيلي إلى قرار الجنائية الدولية فحسب، بل يضع في حسبانه التغيّر في الموقف الأمريكي بعد رحيل إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنر، وهي الإدارة التي قامت عمليا بضغط هائل على الفلسطينيين، لتنفيذ كل مخططات حكومة نتنياهو ضدهم، وهو ما دفع نتنياهو، وزعماء اليمين المتطرف الإسرائيلي وشبكتهم الأمريكية، لوضع كل أوراقهم للمراهنة على بقاء ترامب في البيت الأبيض.
الولايات المتحدة أعربت عن «قلقها العميق» من قرار الجنائية الدولية، كما أن الكونغرس وافق على بقاء السفارة الأمريكية في القدس، لكن هذا لا يمنع من ملاحظة البرود الكبير الذي تقابل إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن حكومة نتنياهو، والذي انعكس بعدم مكالمة بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي حتى الآن، وتمهيد الإدارة الجديدة لتغييرات في السياسة الخارجية الأمريكية في مجمل المنطقة العربية.
الإجراءات الإسرائيلية لن تقتصر طبعا على الاتهامات السخيفة للمحكمة بـ«معاداة السامية» لكن هذا لن يحت في عضد الفلسطينيين الذين وجدوا في هذا القرار دعما لنضالهم التاريخي الطويل يمكن المراكمة عليه بعد سنوات قاسية من الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية.
القدس العربي