لندن – فتح إعلان الولايات المتحدة البدء في إجراءات شطب جماعة الحوثي من اللائحة الأميركية للإرهاب باب المناقشات على مصراعيه، من أن خطوة إدارة جو بايدن بقدر ما هي إعطاء بصمة للسياسة الخارجية تكون مختلفة عن سلفه الرئيس دونالد ترامب بقدر ما قد تغذي هذه السياسة تجاه الملف اليمني من إرهاب الحوثيين المدعومين من إيران.
ولئن كان توقيت القرار، الذي رحبت به منظمات إنسانية كونه سيساعد على استمرار تقديم المساعدات لليمنيين في مناطق سيطرة الحوثي، إلا أنه يبدو مغامرة غير محسوبة العواقب، وقد يعقد من مسار حل الأزمة، وفق الرؤية الأميركية الجديدة التي ستأتي بنتائج عكس المساعي الإقليمية والدولية.
وبينما يحاول كافة الأطراف في العاصمة المؤقتة عدن تنفيذ “اتفاق الرياض” على الأرض، والمضي قدما بعد إتمام كافة الاتفاقات السياسية والأمنية، لحشر الحوثيين في زاوية الضغوط، جاء تأكيد الخارجية الأميركية السبت الماضي بشأن إبلاغ أنتوني بلينكن الكونغرس، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، بنية البيت الأبيض نقض قرار ترامب حول الحوثيين ليعيد الأمور إلى المربع الأول.
ويتساءل مراقبون حول ما إذا كان الكونغرس المنهمك في الأزمة الداخلية التي تعيش على وقعها الولايات المتحدة، سيتدخل ضد القرار لاسيما وأن هناك من يطالب بالتراجع عنه بعد أن دخل القرار في التاسع عشر من الشهر الماضي.
ويبدو تبرير الولايات المتحدة، الذي جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية من أن القرار لا علاقة له بنظرة إدارة بايدن للحوثيّين وسلوكهم المستهجن، بما في ذلك الهجمات على المدنيّين وخطف مواطنين أميركيّين، غير مقنع رغم أنه يحمل في طياته بعدا إنسانيا وتأكيدا على أن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم السعودية في الدفاع عن أراضيها ضدّ هجمات جديدة.
وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية لقد “أكّدنا التزامنا مساعدة السعوديّة في الدفاع عن أراضيها ضدّ هجمات جديدة”، مشددا على أن “تحرّكنا هذا ناجم فقط عن العواقب الإنسانيّة لهذا التصنيف، الذي قامت به الإدارة السابقة في الدقائق الأخيرة”.
ويرى محللون أن موقف إدارة بايدن من قرار سابقتها إدارة ترامب تصنيف الحوثيين تنظيما إرهابيا، قد يتجاوز كونه مجرّد استجابة للمحاذير الإنسانية التي ستنجم عن ذلك القرار، ليؤشّر على نهج للإدارة الديمقراطية في التعاطي مع الملف اليمني يتجنّب عزل الحوثيين ويبقيهم طرفا مؤهّلا للمشاركة في صنع السلام الذي تعمل عليه الأمم المتحدة.
وكان بايدن قد أكد الخميس الماضي، أن “الحرب اليمنية يجب أن تنتهي”، وهو ما رحّبت به الحكومة اليمنيّة المعترف بها دوليًا والمدعومة من التحالف العسكري بقيادة السعودية، وشدّدت على “أهمّية دعم الجهود الدبلوماسيّة لحلّ الأزمة”.
موقف إدارة بايدن من الحوثيين قد يتجاوز كونه مجرّد استجابة للمحاذير الإنسانية ليبقي الجماعة طرفا في أي تسوية سلمية
لكن يبقى تطبيق ذلك فعليا محل تشكيك من قبل العديد من المتابعين للشأن اليمني بالنظر إلى طبيعة الظروف الراهنة، والذي حاول عبدالإله حجر، مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، الركوب على القرار الأميركي بالقول إن “إلغاء التصنيف خطوة متقدّمة في اتجاه السلام”.
واعتبر مراقبون أنه لو تم إبقاء الحوثيين على لوائح الإرهاب لفترة من الزمن كان سيشكل ضربة قوية للجماعة التي ترفض إلى الآن الالتزام بأي تسوية سياسية للصراع في هذا البلد، متأثرة بالمطالب الإيرانية، التي تسعى للإبقاء على هذا الجرح مفتوحا لاستثماره في لعبة المساومات مع الخصوم الإقليميين والدوليين.
وتنظر الأمم المتحدة وبعض الأطراف الأوروبية الفاعلة في الملف اليمني ومنظمات إغاثة دولية بعين الرضا إلى الخطوة الأميركية لأن ذلك من شأنه ألا يتعارض مع عمليات تسليم المساعدات الدولية في وقت تهدد فيه المجاعة اليمن، وتتخوف هذه الأطراف من أن يتخذ الحوثيون موقفا متشددا تجاه استئناف محادثات السلام.
وتؤكّد منظّمات العمل الإغاثي العاملة في اليمن أنه لا خيار لديها سوى التعامل مع الحوثيين الذين يشكّلون حكومة أمر واقع في مناطق واسعة من اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، وأنّ إدراجهم على لائحة الإرهاب سيعرّض المنظّمات لخطر ملاحقات في الولايات المتحدة.
وارتكب الحوثيون إثر انقلابهم قبل 6 سنوات على الشرعية اليمنية، جرائم عديدة بحق الشعب اليمني وصلت إلى حد قتل المعارضين تحت التعذيب وسرقة مقدرات اليمنيين والمساعدات الأممية. كما هاجم المتمردون بدعم من إيران أهدافا مدنية في السعودية عبر صواريخ باليستية وطائرات مسيرة.
كما هدد المتمردون الحوثيون الملاحة البحرية في الممرات المائية في البحر الأحمر، وهي جرائم وصفت بأنها ترتقي إلى الجرائم الإرهابية.
وعلى مدار سنوات الحرب العبثية القائمة منذ صيف 2014، استطاعت الميليشيات الحوثية جني الكثير من الأموال عبر طرق غير مشروعة، كوّن من خلالها قادتها ثروات مالية طائلة ساعدتهم على تمويل الحرب، التي أدت إلى تدمير البنية التحتية وجعلت اليمنيين يعيشون تحت مستوى خط الفقر.
وتقول الأمم المتحدة إنّ أكثر من ثلاثة ملايين شخص نزحوا، وإنّ نحو 80 في المئة من عدد السكّان البالغ 29 مليون نسمة بحاجة إلى نوع من المساعدة الإنسانيّة.
وإحدى الطرق، التي يجمع بها الحوثيون أموالًا ضخمة، تتمثّل في غسيل وتحويل الأموال العامة لصالح القادة الميدانيين من خلال إنشاء عقود إمداد مزورة، حسبما ورد في التقرير السنوي لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، الذي نشر نهاية الشهر الماضي.
وذكرت العديد من التقارير الدولية مرارا أن هناك أدلة آخذة في التزايد على أنّ أفرادا أو كيانات مقربة من النظام الإيراني، مثل الحرس الثوري، ضالعة في إرسال أسلحة أو عتاد للحوثيين بما يشكل انتهاكا لحظر أسلحة مفروض من الأمم المتحدة.
العرب