لا يمكن تجاهل تطورات الأحداث بين واشنطن وطهران حول الملف اليمني، بالتزامن مع عودة السجال السياسي بينهما في شأن الاتفاق النووي الإيراني، الذي بدأ يأخذ أبعاداً متسارعة.وفي حين يتبادل مسؤولو البلدين رسائل الوعيد والتحدي المعلنة، يرى مراقبون أن الهدف الاستراتيجي من ذلك الخروج هو تحسين الشروط التفاوضية في طاولة نووية منتظرة، إلا أن بعض التقارير كشفت عن مفاوضات سرية بين مسؤولي البلدين بدأت قبل تنصيب بايدن في سدة البيت الأبيض خلفاً لترمب الذي انتهج في آخر أيامه سياسة “الضغوط القصوى” ضد طهران، ناظراً إليها على أنها ستنتج تسوية “أميركية – إيرانية” ربما تنعكس على شرعية حليف طهران في اليمن.
مفاوضات لم تعلن
“المفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة بدأت بالفعل”، هذا ما كشف عنه الكاتب الفرنسي جورج مالبرونو في صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية في مقال بعنوان “بايدن يتفاوض بالفعل مع إيران”، نشر بتاريخ 19 يناير (كانون الثاني).
الكاتب ذكر نقلاً عن مصدر قريب من دوائر السلطة في طهران، أن “مناقشات جرت في نيويورك بين المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة، ماجد تاخت رافانشي، ومبعوث أميركي من إدارة بايدن”.
أضاف “سنعرف بسرعة كبيرة ما إذا كانت هذه المناقشات ناجحة أم لا”. ويقول الكاتب إنه خلال الأسابيع الثلاثة الماضية جرت محادثات سرية بين إدارة بايدن وطهران، استعداداً لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الدولي الذي تم التوصل إليه في عام 2015.
وبحسب المصدر فإنهم “يهدفون إلى وضع إطار لإعلانات العودة إلى الاتفاقية”. وأشار مالبرونو إلى أنه إذا حدث هذا الاختراق رسمياً، فسيتجسد “بعودة حازمة ومتزامنة للبلدين إلى اتفاق 2015”.
مع هذا لم يعلن أي من الولايات المتحدة وإيران عن مثل هذه المفاوضات وتبادل الجانبان خلال الفترة الماضية شروطهما لمناقشة الملف النووي.
ويتوقع مراقبون أن يحتل الملف اليمني أهمية بارزة في سير المفاوضات المرتقبة وشروطها التفاوضية، وخصوصاً أنها ستشمل حضور كبرى دول المنطقة، كما هو الحال في السعودية، الداعم الأكبر لعودة الشرعية اليمنية، وإنهاء سيطرة الحوثي على صنعاء.
وعلاوة على ذلك، ثمة مستجدات سياسية شهدها ملف الأزمة اليمنية مؤخراً عبرت عنه الرؤية المغايرة التي بدأت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن انتهاجها إزاء الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو ستة أعوام جراء الانقلاب المسلح على السلطة الشرعية، وهي ذات مسارات مغايرة تماماً لما بناه سلفه.
بايدن الذي بدأ اتخاذ إجراءات شطب الحوثي من قوائم الإرهاب ووقف الدعم العسكري على حلفاء الحكومة الشرعية، قال إنه يسعى من وراء ذلك إلى وقف الحرب ووضع حد لأسوأ أزمة إنسانية في العالم، لكنه لم يُشر بطريقة مباشرة إلى الحوثيين وحلفائهم في طهران كجزء من الأزمة، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً إلى وجود نقاط التقاء بينهما قد تسهم في انخراطهم في عملية سياسية.
لأول مرة في طهران
أحد اللاعبين المؤثرين في المشهد اليمني اليوم هي طهران، الحليف الرئيس للحوثي الذي تزوده بالسلاح، كما تتهمها حكومة هادي، لكن طهران تنقي مثل هذه الاتهامات وتقول إن دعمها للميليشيات يقتصر على الدعم المعنوي، ويبدو أنها تسير نحو أن تكون جزءاً من المشهد السياسي اليمني؛ إذ بدأ المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، الأحد، زيارة إلى إيران هي الأولى من نوعها، ضمن الجهود الدبلوماسية الدولية لإنهاء الحرب في اليمن غداة تصريحات لرئيس الحكومة اليمنية، معين عبد الملك، خلال لقائه سفراء الاتحاد الأوروبي، الذي شدد خلاله على أنه “لا سلام مع الحوثيين من دون وجود ضغط دولي على إيران”.
وتهدف الزيارة إلى دعم الاتفاق بين أطراف النزاع على وقف إطلاق النار، واتخاذ تدابير إنسانية عاجلة واستئناف العملية السياسية.
وأعلنت دائرة الإعلام في الخارجية الإيرانية أن مارتن غريفيث وصل إلى العاصمة الإيرانية، مشيرة إلى أنه سيجري مباحثات مع المسؤولين الإيرانيين بخصوص سبل التوصل إلى حل للأزمة اليمنية.
وأكد غريفيث أنه بدأ زيارة لإيران تستمر يومين، يلتقي خلالها وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، وعدداً من المسؤولين الإيرانيين.
حل للصراع
وفيما يفهم على أنه إدراك دولي لمدى التأثير المباشر لطهران على مسار الحرب في اليمن من خلال دعمها للحوثيين، تأتي الزيارة، بحسب مكتب غريفيث، في إطار الجهود الدبلوماسية للمبعوث الخاص لدعم حل سياسي للصراع في اليمن، مضيفاً أن “أولويات غريفيث تتركز على دعم اتفاق بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وجماعة الحوثي المدعومة من إيران، لوقف إطلاق النار في كل أنحاء اليمن وتطبيق تدابير إنسانية عاجلة واستئناف العملية السياسية”.
التحرك الدولي الأخير مهدت له عدة لقاءات عقدها المبعوث الأممي مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ورئيس الحكومة، معين عبد الملك، ونائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، تهدف، بحسب تصريحات غريفيث، لوضع حد للحرب الدائرة في البلاد منذ نحو ستة أعوام.
هل يكون اليمن ضحية صفقة سياسية؟
إجمالاً، لا يمكن فصل التأثير الإيراني عن القضية اليمنية، فطهران التي رحبت بقرار بايدن إنهاء الدعم الأميركي للعمليات العسكرية في اليمن، لا يزال حلفاؤها يتوسعون باتجاه مأرب، آخر معاقل القوات الموالية لهادي، ويقصفون في الوقت نفسه المدن السعودية التي كان آخرها عملية أعقبت الإعلان الأميركي بساعات، عندما أعلن التحالف “اعتراض وتدمير طائرات مفخخة أطلقتها الميليشيات الحوثية باتجاه المنطقة الجنوبية”، وهي العمليات التي تتهم إيران بدعمها من قبل الرياض وحليفها اليمني.
مع هذا لم يتبن الحوثيون مسؤولية الهجمات كما لم تعترف إيران بضلوعها في العمليات التي تصدت لها دفاعات المملكة.
واعتبر وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، بأن هذا التصعيد هو محاولة لتحسين الشروط التفاوضية مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وهو ما يبدو تخوفاً من أن تصبح الدولة التي تعصف بها أزماتها الداخلية ورقة في أيدي لاعبين كبار على طاولة تفاوض تكون فيها مصالح اليمنيين شيئاً غير مرئي.
ويأتي التصعيد في جبهتي مأرب والجوف تزامناً مع تحركات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ودول من الاتحاد الأوروبي، لبلورة رؤية جديدة للحل في اليمن ستطرح على طاولة مجلس الأمن عند اكتمال التوافق حول ملامحها الرئيسة.
ويسعى الحوثيون، بحسب متخصصين، للظهور كقوة رئيسة في المشهد اليمني تضعهم كطرف مهم ومؤثر في أي تسوية سياسية.
وكانت وكالة “رويترز” قد نقلت عن “مسؤول إيراني كبير”، قوله إن “بلاده وافقت على العمل مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا على إنهاء الصراع في اليمن”، كما أضاف أن طهران “ستضغط لإحضار حلفائها إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل لوقف إطلاق النار ومساعدة المدنيين الأبرياء”، الأمر الذي يضع الشارع اليمني في ترقب مما ستؤول إليه المناورات السياسية بين واشنطن وطهران وانعكاس ذلك على بلدهم.
اندبندت عربي