فاجعة طنجة المغاربة يعيدون تعريف كلمة “سري”

فاجعة طنجة المغاربة يعيدون تعريف كلمة “سري”

بينما سادت أجواء الحزن والغضب على فيسبوك في المغرب بسبب فاجعة طنجة أجبرت تعليقات المغاربة السلطات، ممثلة في رئيس الحكومة سعدالدين العثماني، على سحب كلمة “سري” التي وردت في تعريف مصنع قضى فيه 28 عاملا الاثنين.

طنجة (المغرب) – تفاعل مستخدمو فيسبوك في المغرب مع فاجعة طنجة التي راح ضحيتها 28 عاملا الاثنين إثر تسرب مياه الأمطار إلى مصنع غير مرخص بمدينة طنجة شمالي المغرب.

وبينما سادت أجواء الحزن والغضب على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب اعتبار ما وقع “فضيحة”، لم يستسغ عدد كبير من المغاربة مفردة “سري” التي وردت في بلاغ سلطات مدينة طنجة. واعتبر معلقون أن المصنع “ليس سريا مادام يشغل عددا كبيرا من العمال على مرأى ومسمع من الكل في منطقة سكنية مفتوحة”.

ونقلت وكالة المغرب العربي للأنباء عن السلطات المحلية في طنجة قولها إن “وحدة صناعية سرية للنسيج كائنة بمرآب تحت أرضي بفيلا سكنية، عرفت صباح الإثنين تسربا لمياه الأمطار (…)’’.

ويحلل مستخدمو فيسبوك كل ما يصدر على وسائل الإعلام خاصة في المناسبات الكارثية.

وقال المحامي نوفل بوعمري في تدوينة “من يكتب البلاغات يجب أن يعرف أن الناس مجروحة، متألمة، ساخطة… لذلك اكتبوا بلغة معقولة تحترم عقل المتلقي، فالمعمل غير قانوني وغير شرعي، أما أنه سري حتى أصغر طفل لن يصدق ذلك. فمن يصدق أن معملا سريا يدخله العشرات يوميا ويخرجون منه، لا أحد لاحظهم!”.

وعلى مستوى المفردة لفت الباحث حمزة أندلوسي بن عبدالله إلى أن “قول معمل غير قانوني أو معمل عشوائي ممكن، ولكنه سري لا”، مشبها الأمر بمحاولة ‘تغطية الشمس بالغربال’.

وبلهجة ساخرة قال رئيس تحرير جريدة الأحداث المغربية في تدوينة:

سري للغاية: 20 مواطنا سريا ماتوا في معمل سري تحت أعين العشرات من المسؤولين السريين في توقيت سري. فالحمد لله أنهم قالوا معملا سريا وحشموا يقولوا إن الضحايا لم يحصلوا على ترخيص بالموت!

وسرعت مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب مسار المساءلة الاجتماعية والسياسية التي يعتبرها معلقون “ظاهرة ملحة”.

وتأسف نبيل بنعبدالله وزير التعمير والإسكان السابق والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على ما أسماه “مأساة حقيقية وفاجعة عُظمى في وحدة صناعية سرية”، أو على الأصح “وحدة صناعية غير قانونية تنتمي إلى القطاع غير المهيكل ومنفلتة من أي تأطير أو مراقبة”.

وأضاف أن “المؤلم والمُقلق هو أن هناك المئات من مثل هذه الوحدات في عدد من المدن المغربية. ومن الضرورة الاستعجالية العملُ على تحويلها إلى وحدات قانونية تحترم قانون الشغل وشروط السلامة”.

وانتقد نشطاء فيسبوك غياب الحكومة في التعاطي مع فاجعة طنجة وحملوها المسؤولية السياسية في ما وقع كونها تملك سلطة التوجيه والتنفيذ.

وكتب الأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي:

اسمحوا لي معمل خارج القانون مسؤولية السلطات، ما يمكنش يتحل معمل بشكل غير قانوني والسلطة في دار غفلون، لا يمكن أن يقتنع مواطن أن السلطة المحلية التي تعرف كل شيء عن مواطن عادي تسمح لشركة تخدم خارج القانون. المحاسبة ضرورية الأرواح ليست لعبة.

وفي محاولة لامتصاص غضب المغاربة أعلن رئيس الحكومة سعدالدين العثماني على حسابه الرسمي على فيسبوك دون أن يأتي على ذكر كلمة “سري”، “فتح تحقيق تحت إشراف النيابة العامة المختصة وسيتم تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات اللازمة، فهناك مغاربة أزهقت أرواحهم ولا يمكن المرور على ما وقع مرور الكرام”.

وعلق الناشط الحقوقي عزيز ادمين “أنه لا يمكن بجرة قلم تحويل محل سكني إلى وحدة صناعية، كما لا يمكن لرئيس الحكومة بتدوينة إسقاط جريمة وجود معمل غير قانوني وإلباسها لبس تسرب الأمطار”.

وأصبح لفيسبوك حضور طاغ في المغرب، كفاعل جديد يمتلك صوتا مسموعا ووقعا وتأثيرا لا يستهان به على صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وأضحى كـ”مارد أزرق”، وفق ما يقول عنه المغاربة “يرعب السياسيين ويترصد أخطاؤهم وزلاتهم ويعكس توجهات الرأي العام”.

وصنفت أحدث الإحصائيات المغرب ثالثا عربيا في عدد مستخدمي فيسبوك بعد مصر والسعودية بحوالي 9 ملايين مشترك.

وعلق الصحافي رضوان الرمضاني قائلا إنه رغم أن منشور رئيس الحكومة تأخر، إلا أنه لا بد من الإشادة بأمرين اثنين وردا فيه: الأول أنه لم يسمِّ مكان الفاجعة “معملا سريا”، والثاني أنه وعد وتوعد بأن الأمر لن يمر مرور الكرام، مضيفا أنه قد نقسو على الرجل لكننا لا مكن أن نتجرأ ونجرده من إنسانيته.

وفي المقابل اهتم معلقون بتفاصيل أخرى منها تأخر وحدات الإغاثة في الوصول إلى المكان وقال معلق:

من الأشياء التي عرت عنها #فاجعة_طنجة وقبلها الكثير من الكوارث، بطء تدخل رجال الوقاية المدنية! الكل منشغل اليوم بجوهر المشكلة وهو القطاع غير المهيكل وانعدام الشروط الإنسانية ومعها شروط السلامة الضرورية من منفذ احتياطي للإغاثة وغيره وهي أمور جوهرية ينبغي عدم التساهل مع المسؤولين عنها، لكن لا أحد يتكلم عن تقاعس رجال الإنقاذ الذين استغرقوا أكثر من ساعتين للقدوم ثم الشروع في النجدة حسب رواية الشهود!

هذا التأخير الكارثي أصبح من الأشياء التي يتعايش معها المغاربة بعد أن يئسوا في كل الأزمات من نجاعة فرق الإغاثة وألفوا لامبالاة المسعفين الذين لا نسمع عن بطولاتهم إلا في القصص الخيالية! لماذا لا تواكب وقايتنا المدنية التطور الحاصل في العالم على غرار المؤسسة الأمنية مثلا؟

فيما طالب معلقون بعض الوزراء بالاستقالة.

وكتب معلق في هذا السياق:

وانتقد مغاربة على نطاق واسع تفشي الفساد، مؤكدين أن “الفاجعة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة مادام هناك فساد مستشر في كل الأماكن”، مؤكدين أن شعار “باركا من الرشوة” (كفاية رشوة) لا يكفي إذا لم يتم الضرب بقوة على هذه المظاهر!

ونشر معلقون تحقيقا صحافيا أجراه تلفزيون إسباني على المصانع غير المرخصة في طنجة.

ويأمل مغاربة أن يكون فيسبوك قوة ضاغطة للإصلاح.

وبحسب وسائل إعلام محلية، فقبل بضعة أسابيع تسببت أمطار غزيرة بفيضانات في شوارع رئيسية بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، مثيرة انتقادات وتساؤلات. وأسفرت الفيضانات عن مصرع أربعة أشخاص على الأقل إثر انهيار بيوت كانت آيلة للسقوط.

وبحسب تقرير للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية صدر عام 2016 حول التحولات المناخية، تعد الفيضانات “الخطر الرئيسي في المغرب من حيث عدد الضحايا”.

وفي سبتمبر 2019 قضى 24 شخصا إثر انقلاب حافلة مسافرين جراء السيول، بينما قتل سبعة آخرون في الفترة نفسها إثر فيضان أتى على ملعب عشوائي لكرة القدم أقيم في
مجرى واد.

وقضى نحو 50 شخصا في فيضانات ضربت جنوب البلاد عام 2014 وأسفرت عن خسائر مادية.

العرب