كما يعتقد جهاز الأمن وشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، اجتازت إيران التي نشرت هذا الأسبوع تقديرها السنوي، سنة قاسية على نحو خاص؛ فآثار كورونا تؤثر على كل مجالات الحياة، فالأزمة الاقتصادية الاجتماعية تتعمق؛ والعقوبات الأمريكية تعطي مؤشراتها؛ وتصفية قاسم سليماني ومحسن فخري زادة شكلت ضربة معنوية عملياتية قاسية، إلى جانب استمرار أعمال سلاح الجو الذي يواصل ضرب الأهداف والمصالح الإيرانية في سوريا. وحسب التقارير في مناطق أخرى في الشرق الأوسط أيضاً، كان هذا دون أن تنجح إيران أو حليفها “حزب الله” في الخروج إلى حيز التنفيذ حتى ولا عملية رد واحدة.
ولكن إلى جانب النجاحات المنسوبة لإسرائيل في العمليات وما يراه جهاز الأمن عندنا كمقدمة استراتيجية عملياتية كبرى، فإيران وإن كانت تنهي هذه السنة القاسية وهي مرضوضة، فهي تقف على قدميها ولن ترفع العلم الأبيض. في السطر الأخير تجدها تواصل التقدم في المشروع النووي ومساعيها للتموضع في منطقتنا وتسليح محور المقاومة.
في تقدير شعبة الاستخبارات الذي عرض على الجمهور هذا الأسبوع، نتبين بين السطور رسالة مختلفة قليلاً وأكثر توازناً تجاه الأمريكيين مما فسر في خطاب رئيس الأركان أفيف كوخافي قبل نحو أسبوعين ونصف في معهد بحوث الأمن القومي. عندما تتعاطى شعبة الاستخبارات مع إيران بصفتها بعيدة سنتين عن القنبلة النووية، في ظروف نقية تماماً، سنفهم بأن التقدير هذا لا يختلف كثيراً عن ذاك الذي صدر في العام الماضي. والمعنى هو أن إيران لا تزال بعيدة جداً عن نيل القنبلة النووية، وإنها معنية بأن تعود إلى وضع التسوية وألا تقتحم النووي.
رسالة الاستخبارات الموجهة للولايات المتحدة، هي أن حان وقت الصبر، لإعطاء إيران الأحساس بأن الساعة تدق بالذات في جانبهم وعدم المسارعة لتكرار الأخطاء الجسيمة للاتفاق القديم. وبالأساس عدم الإسراع لرفع العقوبات عن إيران التي قد تستثمر أموالاً ومقدرات أكثر في بناء وتعاظم محور المقاومة في منطقتنا.
عندما تتناول شعبة الاستخبارات منع السلاح النووي عن إيران فإنها تركز على ثلاث نقاط مركزية: قدرة عملياتية مثبتة ومصداقة لضرب البرنامج النووي؛ ومعلومات استخبارية تسمح بالعمل؛ وائتلاف دولي أهميته كبيرة أساساً في سياق اليوم التالي للهجوم. في كل واحد من هذه العناصر دور الأمريكيين حاسم، لأن إسرائيل وحدها لن تتصدر عملية عسكرية، والمفاوضات مع الأمريكيين يجب أن تجري بهدوء في الغرف المغلقة.
إن الاعتراف بالواقع وبقيود قوة إسرائيل والأهمية الحاسمة للأمريكيين شرط ضروري لتحقيق النفوذ والمصالح الإسرائيلية، ولا يجب على سياستنا الداخلية وحملات الانتخابات أن تؤثر على المسيرة.
نصر الله يلعب بالنار
إن المعركة ما بين الحروب، التي تؤخر وتيرة تقدم الخصم في جمع القوة العسكرية، ولكنها لا تكبحه تماماً، كفيلة بأن تصل هذه السنة إلى نقطة حسم استراتيجية من ناحية إسرائيل. فاستمرار نجاعتها في صيغتها الحالية ستكون قيد الاختبار حين تكون إحدى المسائل المركزية أمام أصحاب القرار أمام سؤال: إلى أي خط يمكن تعظيم النشاط الهجومي لإسرائيل دون الوصول إلى حرب في المنطقة؟ إن مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله سيكون في مركز المعضلة لدى أصحاب القرار في إسرائيل. يعتقد الجيش الإسرائيلي أن لدى تنظيم الإرهاب اللبناني بضع عشرات قليلة من الصواريخ الدقيقة التي تهدد إسرائيل، ولكن ينبغي الإشارة إلى أن “حزب الله” سجل تقدماً في الموضوع في السنة الأخيرة.
إن استمرار النشاط الهجومي في سوريا أو الأعمال السرية التي تجري في مناطق أخرى في الشرق الأوسط قد تعرقل، ولكنها لن تكبح استمرار هذا الميل. في نهاية المطاف، في الواقع التكنولوجي – التطوري اليوم سيكون بيد “حزب الله” سلاح دقيق يشكل تهديداً عسكرياً استراتيجياً ذا مغزى على أمن إسرائيل. كلما تقدم “حزب الله” في المشروع، ستزداد معضلة أصحاب القرار – هل تعمل وتهاجم على أراضي لبنان أيضاً، انطلاقاً من الفرضية بأن هجوم سلاح الجو ضد مواقع يخزن أو يطور “حزب الله” فيها صواريخه الدقيقة سيؤدي إلى حرب.
عملت إسرائيل على مدى السنين انطلاقاً من الفهم بأن إسرائيل لا تخرج إلى حرب وقائية أمام تعاظم قوة العدو، باستثناء التهديد النووي. قد يعتقد جهاز الأمن بأن الرد الذي لدى الجيش الإسرائيلي، من ناحية هجومية ودفاعية، ضد تهديد الصواريخ الدقيقة لا يبرر الخروج إلى الحرب، ولكنها معضلة ستكون في مركز المداولات في القيادة الإسرائيلية في السنوات القادمة.
لا يمكن قطع التوتر عن الحدود اللبنانية مع “حزب الله” عما يجري في سوريا. فالإيرانيون، رغم الضغط العسكري الإسرائيلي لا يعتزمون ترك المنطقة أو وقف إرساليات السلاح لـ”حزب الله” والميليشيات الشيعية. والأشهر الأخيرة التي تكثف فيها إيران جهودها في هذا المجال، تثبت ذلك. يفهم جهاز الأمن بأنه دون تدخل سياسي دولي من جانب روسيا والولايات المتحدة، والذي لا يبدو في الأفق في هذه المرحلة، فإن المواجهة ستتعاظم في السنة القادمة، في حين تصعّد إسرائيل في هذه الأثناء حجم الهجمات في سوريا.
قدرت شعبة الاستخبارات “أمان” بأنه من المتوقع تصعيد على طول الحدود مع لبنان، فمعظم الأعمال في المعركة ما بين الحروب التي تنسب لإسرائيل وإن كانت تجرى في سوريا، ولكن احتمال الصدام العسكري مع “حزب الله” أعلى منه في أي جبهة أخرى. تشخص شعبة الاستخبارات تغييراً استراتيجياً لدى “حزب الله”، الذي فشل في السنة الأخيرة في محاولاته تثبيت المعادلة التي قررها حسن نصر الله-قتل جندي إسرائيلي مقابل كل قتيل من حزب الله.
حسب التقدير، يستعد “حزب الله” لخوض أيام قتالية محدودة، قد تشبه جولات التصعيد المعروفة في قطاع غزة. يوم قتالي كهذا قد يتطور بعد نجاح في إسقاط طائرة مسيرة لسلاح الجو أو إطلاق قذائف هاون نحو الأراضي الإسرائيلية، رداً على حدث يقع في سوريا، وغيرها من السيناريوهات المحتملة الكثيرة الأخرى.
إذا صح هذا التقدير، الذي تدعي شعبة الاستخبارات أنه يقوم أيضاً على أساس المعلومات، فإن المعنى المباشر هو أنه بخلاف ما يجري في السنوات الأخيرة، والتي لم تؤثر فيها المواجهات بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” على الحياة الطبيعية لسكان الشمال، فإن جولات التصعيد القائمة ستتخذ طابعاً آخر محظوراً على إسرائيل أن تقبل به بأي حال.
إذا تحقق مثل هذا السيناريو بالفعل في السنة القادمة، فسيكون هذا من ناحية إسرائيل فشلاً استراتيجياً مدوياً إلا إذا دفع “حزب الله” لقاء كل عمل عنيف أثماناً، بما فيها ضربة لمشروع الصواريخ الدقيقة وضربة لذخائر كثيرة أخرى.
تعتقد إسرائيل أن “حزب الله” غير معني بحرب مع إسرائيل، ولكن الفرضية في أنه يستعد للمبادرة إلى خوض أيام قتالية، تتحدى أو لا تتطابق بالضرورة مع هذا التقدير.
بعد حرب لبنان الثانية، يفهم نصر الله جيداً بأنه من الصعب بل ويكاد يكون متعذراً التحكم بمستوى اللهيب بعد أن يجري حدث خطير على الحدود. وعليه، ثمة تضارب في هذا التقدير، إلا إذا كان نصر الله يعتقد بأن إسرائيل سترد إسرائيل بضبط للنفس وباحتواء حتى في نشوء جولات تصعيد في الشمال، مثلما تتصرف في قطاع غزة، كي لا تتدهور إلى حرب. مهما يكن من أمر، تنقل إسرائيل اليوم رسالة لنصر الله بأنه يلعب بالنار. ولكن الجيش الإسرائيلي سيكون أمام اختبار الحقيقة إذا ما تحقق مثل هذا السيناريو.
بقلم: تل ليف رام
القدس العربي