الوباء يضاعف من تجنيد الأطفال في الجيوش والميليشيات

الوباء يضاعف من تجنيد الأطفال في الجيوش والميليشيات

“طفل لم يتجاوز عمره العاشرة يحمل بندقية في صفوف ميليشيا مسلحة”.. صورة مؤلمة لعمليات تجنيد الأطفال واستغلالهم بلا رحمة في صفوف الميليشيات وجيوش نظامية. تتكرر تلك الصورة بشكل كبير جراء استفحال وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية، الأمر الذي دفع بالأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر من جديد للكف عن العمليات غير الإنسانية بحق الأطفال.

لندن – “الأطفال وقود الحروب”.. لم تكن تلك مقولة عادية تنطلق من حناجر مطالبة بالكف عن عمليات تجري بلا رحمة لتجنيد الملايين من الأطفال حول العالم في صفوف ميليشيات وجيوش نظامية للقتال إلى جانبها في معارك دموية لا تنتهي.

ويمثل ملف تجنيد الأطفال إشكالية متفاقمة لمنظمات حقوقية دولية تعمل على إنهاء المأساة المتواصلة في بلدان عديدة حول العالم. وكانت دول عربية في السنوات الأخيرة من الأكثر تجنيدا للأطفال نتيجة للفوضى التي حدثت في أكثر من بلد.

وفاقم وباء كورونا وتداعياته الخطيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي من ظاهرة تجنيد الأطفال. وتسبب الفقر نتيجة الوباء في تضخيم أعداد الأطفال الجنود الذين يتورطون في أعمال دموية وقتال يرتقي إلى مستوى “جرائم حرب” في العديد من البلدان.

ولا ينحصر الأمر على مسألة تجنيد الأطفال في صفوف الميليشيات والجيوش النظامية، بل وصل إلى تأثيرات المعارك والحروب المباشرة على الأطفال الذين يعيشون في تلك المناطق غير الآمنة.

ولم تسكت بعد أصوات البنادق في مناطق كثيرة حول العالم، ولم تتوقف معها عمليات واسعة النطاق لتجنيد الأطفال واختطافهم على يد ميليشيات وجيوش نظامية في بعض الأحيان، والتي جعلت من الأطفال وقودا لحروب وجرائم وصراعات دموية.

تتوقع الأمم المتحدة في أحدث تقرير بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة تجنيد الأطفال، الدفع بالمزيد من الأطفال للانضمام إلى الجماعات المسلحة في مناطق النزاع بسبب وباء كورونا وتداعياته القاسية على مختلف مناحي الحياة.

ولا يزال العالم يعاني من مأساة تجنيد الأطفال في الحروب والمعارك في صفوف الميليشيات والعصابات والجيوش، على الرغم من محاولات عديدة على مدار العقود الماضية لتطويق تلك الظاهرة التي تشكل عقدة مؤلمة وتنتهك أبسط حقوق الأطفال في حياة كريمة بعيدا عن الصراعات.

وتقع بلدان أفريقية وعربية تشهد نزاعات وصراعات ضمن الدول الأكثر تجنيدا للأطفال وارتكاب انتهاكات بحقهم.

وتدق الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشكل دائم بشأن الأخطار المتنامية على كافة الأصعدة الإنسانية والحقوقية والأخلاقية لظاهرة تجنيد الأطفال وتحويلهم إلى وقود في حروب الميليشيات وبعض الجيوش النظامية.

وتقدر المنظمة الأممية عدد الأطفال المجندين في صفوف الميليشيات والجيوش بحوالي 7740 طفلا لم يتجاوز بعضهم سن السادسة في عام 2019 وحده، لكن العدد الدقيق للجنود الأطفال غير معروف على مستوى العالم.

وتقول فرجينيا غامبا الممثلة الخاصة لأمين عام الأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، إن من المرجح ارتفاع أعداد الأطفال المجندين نتيجة للمشقة المرتبطة بفايروس كورونا وتداعياته على مستويات عدة.

وتسلط المسؤولة الأممية الضوء على التهديد الحقيقي لافتقار المجتمعات إلى العمل، وفي كونها أضحت أكثر عزلة بسبب تأثير الوباء الاجتماعي والاقتصادي، إذ سيسهم هذا الوضع في زيادة تجنيد الأطفال لغياب الخيارات.

وتشهد مناطق النزاعات عمليات تجنيد العديد من الأطفال قسرا واستغلالهم ضمن القوات أو الجماعات المسلحة، لكن عوامل اجتماعية واقتصادية مثل الفقر المدقع أو عدم الوصول إلى التعليم تدفع آخرين للانضمام بأنفسهم.

وتوضح غامبا في تصريح لمؤسسة تومسون رويترز عبر مكالمة فيديو “سينجذب المزيد من الأطفال إلى التجنيد أو سيطلب منهم آباؤهم في بعض الأحيان أن ينضموا ليجدوا من يطعمهم”.

وتشير المسؤولة الأممية إلى أن كوفيد – 19 غيّر تكتيكات الجماعات المسلحة. وقالت “بما أن الأطفال ليسوا في المدارس، تحوّل الهدف من مهاجمة مدرسة لاختطافهم أو تجنيدهم إلى مهاجمة مكان وجودهم الآن”.

وتؤكد أن الوباء أعاق جهود حماية الأطفال في مناطق الصراع، وأعربت عن قلقها من تصاعد الهجمات التي يشنها متشددون إسلاميون ضد الأطفال في منطقة الساحل وبحيرة تشاد بما في ذلك عمليات الخطف والقتل والتهجير القسري.

وتشير تقارير أممية إلى أن عمليات تجنيد الأطفال لا تقتصر على جعلهم مقاتلين، إذ يتحول بعضهم إلى مخبرين ولصوص ورسل وجواسيس وعبيد منزليين أو جنسيين.

ووفقا لمنظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة يُعتبر التجنيد القسري للأطفال في النزاعات المسلحة أحد أسوأ أشكال عمالة الأطفال، إلى جانب الانتهاكات مثل الاتجار من أجل الاستغلال الجنسي.

7740 عدد الأطفال الذين تم تجنيدهم في صفوف الميليشيات والجيوش في عام 2019 وحدهوتقف مجموعات غير حكومية في الأغلب وراء عمليات تجنيد معظم الأطفال، وتضم جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال وسوريا واليمن أكبر عدد من الجنود الأطفال. وفي اليمن تستغل جماعة الحوثي الموالية لإيران حاجة الأسر اليمنية التي تعيش في مناطق سيطرتها لتجنيد أطفالهم في صفوفها للقتال. وتقول منظمة العفو الدولية إن معظم الأطفال الذين تم تجنيدهم هم من المناطق الأكثر فقرا.

وتقول الأمم المتحدة إن البنين والبنات مجبرون على الانضمام إلى الجماعات المسلحة كمقاتلين أو شغل أدوار مثل الطهاة أين يكونون عرضة للاستغلال الجنسي في أربع عشرة دولة على الأقل، بما في ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والصومال.

وليس كل الجنود الأطفال فتيانا يحملون الأسلحة، إذ تستغلّ القوات والجماعات المسلحة الفتيات في جميع أنحاء العالم بما في ذلك في أفغانستان وكولومبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ونيجيريا وجنوب السودان وسوريا واليمن.

وحددت الأمم المتحدة الانتهاكات التي تؤثر على الأطفال في أوقات الحرب، وتشمل عمليات قتل الأطفال وتشويههم والعنف الجنسي والاختطاف والهجمات على المدارس أو المستشفيات ومنع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال.

وتقول منظمة اليونيسيف إن النزاعات المسلحة تخلف آثارا ضارة على الأطفال المشاركين في أعمال العنف والفظائع مباشرة. وغالبا ما تعاني الفتيات والفتيان الذين يتعرضون لأهوال الحرب من ندوب نفسية طويلة الأمد. ويحتاجون في كثير من الأحيان إلى الدعم النفسي والاجتماعي عند إطلاق سراحهم.

ودعت المنظمة الأممية المهتمة بحماية الطفولة إلى إنهاء استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة في جنوب السودان، معتبرة أن “الاستخدام البشع للأطفال في النزاعات المسلحة هو سلسلة من انتهاكات حقوق الأطفال التي ليس لها مكان في عام 2021”.

ووفقا لمنظمة أنقذوا الأطفال، إذا لم تنجح عملية دمج الجنود الأطفال السابقين في المجتمع سيبقى خطر تجنيدهم مرة أخرى كبيرا. ويقول عمال الإغاثة إن برامج إعادة الإدماج غالبا ما تعاني من نقص التمويل.

وتوضح المنسقة الأممية المعنية بالأطفال والنزاع المسلح أن الوباء أدى إلى تأخير التقدم في تنفيذ التشريعات في مختلف البلدان لحظر تجنيد الأطفال واستغلالهم من قبل القوات والجماعات المسلحة وتجريمه. ودعت إلى إعطاء الأولوية لقضية تنفيذ التشريعات باعتبار أن “قضية المساءلة أساسية”.

وتقول الأمم المتحدة إنه على الرغم من بعض الاتجاهات المقلقة سُجّل تقدم في مكافحة تجنيد الأطفال، ففي جنوب السودان انخفض عدد الانتهاكات ضد الأطفال بما في ذلك تجنيدهم كمقاتلين بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الماضية.

وفي الأسبوع الماضي أدانت المحكمة الجنائية الدولية قائد جيش الرب للمقاومة والجندي الطفل السابق دومينيك أونغوين بعشرات الجرائم بما في ذلك اختطاف الأطفال والقتل. وأشادت الأمم المتحدة بإدانة أونغوين في محكمة لاهاي، لكن غامبا قالت إن الجهود المنسقة على المستوى الوطني هي الطريقة الأفضل لمنع تجنيد الأطفال.

وصادق 170 بلدا على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة. ويفرض البروتوكول أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عمليا لضمان عدم اشتراك أفراد قواتها المسلحة الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر اشتراكا مباشرا في الأعمال الحربية. لكن الممارسة مستمرة.

العرب