التصعيد الحوثي استثمار للرسائل الأميركية السلبية تجاه السعودية

التصعيد الحوثي استثمار للرسائل الأميركية السلبية تجاه السعودية

عدن – تواصل الميليشيات الحوثية بوتيرة عالية إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة نحو الأراضي السعودية، بالتزامن مع شن هجوم عسكري هو الأكبر على محافظة مأرب (شرق صنعاء)، في مسعى لاستثمار الرسائل السلبية التي أظهرتها مواقف المسؤولين في إدارة الرئيس جو بادين تجاه السعودية، وخاصة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وأعلن التحالف العربي، السبت، إحباط هجوم جديد على مطار أبها الدولي (جنوب السعودية) باستخدام طائرة مسيّرة مفخخة تمكنت الدفاعات الجوية من إسقاطها، بحسب وسائل إعلام رسمية سعودية.

وجاء الهجوم الحوثي الجديد، بعد ساعات قليلة من إعلان الخارجية الأميركية، إلغاء قرار تصنيف الحوثيين كـ”منظمة إرهابية أجنبية عالمية”، مع إبقاء قادتها في لائحة العقوبات.

وقالت الخارجية الأميركية، في بيان لها، الجمعة، إن قرار إلغاء تصنيف الحوثيين سيدخل حيز التنفيذ اعتبارا من منتصف الشهر الجاري، مؤكدة على أن القرار جاء استجابة لدواع إنسانية، فيما حافظت على العقوبات المفروضة على القيادات الحوثية.

واعتبر مراقبون يمنيون أن الإبقاء على تصنيف القيادات لا قيمة له خاصة أنهم لا يمتلكون أرصدة في أميركا ولا الغرب، وأن الأموال التي تصلهم تأتي في شكل تهريب إيراني، والنتيجة أن إلغاء تصنيفهم كجماعة إرهابية أطلق أيديهم لشن المزيد من الهجمات.

وفي تعليق حوثي على إعلان الخارجية الأميركية إلغاء تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، اعتبر القيادي البارز في الجماعة، محمد علي الحوثي أن الإعلان يؤكد خطأ التصنيف الذي اتخذته الإدارة السابقة.

ويتمنّى الحوثيون أن يحدث قصف خطأ من الطيران السعودي على مواقع مدنية لكي يستخدم الصور للإساءة أكثر للموقف السعودي وإرباك الرياض في العلاقة مع إدارة بايدن التي تضم أسماء بارزة عرفت بميلها إلى إيران.

وفي تصريح لـ”العرب” قال الباحث السياسي اليمني سعيد بكران إن الاستراتيجية الحوثية قائمة في هذه اللحظة الدولية على توظيف حالة الانتقال السياسي في الولايات المتحدة بشكل فعّال ومؤثر، وإن المتمردين “يستفيدون أيضاً من كثير من الأوراق المحلية التي أنتجها ضعف الشرعية وفقدانها للتوجه الجاد نحو المعركة الوطنية”.

وأضاف “ربما يسعى الحوثي لاختبار العهد الجديد في واشنطن وتفحّص نقاط القوة والضعف فيه لاستثمارها في سباق مع الزمن للحصول على نقاط جديدة قبل أيّ توجه دولي جديد لوقف الحرب والذهاب إلى المفاوضات”.

ولفت بكران إلى أنه يمكن فهم التصعيد الحوثي تجاه مأرب والسعودية على أنه قراءه معكوسة للموقف الأميركي تجاه الرياض، بحيث يظهر الحوثيون على أنهم يتحركون تحت غطاء توجهات الإدارة الأميركية الجديدة التي أعطت سرعتها في إلغاء قرار تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية رسالة بالغة السوء ترجمتها الجماعة على الأرض.

الحوثيون يتحركون تحت غطاء التوجهات المتسامحة لإدارة بايدن

ويراهن الحوثيون ومن خلفهم إيران على حالة القطيعة التي أظهرتها إدارة بايدن مع استراتيجية سلفه دونالد ترامب بما في ذلك الاستراتيجية الأميركية تجاه طهران والشرق الأوسط وفي مقدمة ذلك حرب اليمن.

ويدرك النظام الإيراني أن الأسوأ في العلاقة بواشنطن قد ولى مع مغادرة الرئيس ترامب، حيث تبعث المواقف الأميركية الملتبسة الصادرة من البيت الأبيض، مؤشرات على أن الإدارة الجديدة مازال أمامها كثير من الوقت لاستكمال رؤيتها الخارجية.

وتمنح هذه الفترة الانتقالية إيران ومشروعها في المنطقة وأذرعها العسكرية، بما في ذلك الحوثيون، فرصة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على الأرض، وفرض سياسة الأمر الواقع، ومحاولة الظهور بشكل المنتصر أمام عدوّ متوجّس ومرتبك.

وتعددت المواقف الأميركية السلبية تجاه السعودية، وآخرها كان التصريح الملتبس لجين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، تجاه الرياض والأمير محمد بن سلمان، وهو موقف قد يضاعف العراقيل مع الشراكة السعودية الأميركية.

وقالت ساكي، الجمعة، إنه لا توجد خطط للاتصال بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مشيرة إلى أن “هناك مراجعة لسياستنا فيما يتعلق بالسعودية. لا أعلم بخطط الاتصال” مع المملكة.

وتشير أوساط خليجية إلى أن موقف ساكي عن غياب خطط الاتصال بالسعودية المقصود به ولي العهد وليس السعودية ككل خاصة بعد الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان منذ أسبوع.

وتعتقد هذه الأوساط أن إدارة بايدن واقعة تحت تأثير اللوبيات المعادية للسعودية، وأنها لا تريد أن تضع في حسابها المواقف والخطوات الإصلاحية في مجالات حقوق الإنسان التي تبنتها المملكة في الأشهر الأخيرة، وهي جزء من إصلاحات الأمير محمد بن سلمان.

ووضعت المواقف السعودية المتماسكة إزاء الملف اليمني، واشنطن أمام تحديات كبيرة من بينها، قدرتها على فرض رؤية السلام التي تراهن على تحقيقها في مواجهة تصلّب حوثي مدعوم من إيران، يبدو أنه سيكون أبرز عوائق تحقيق الرؤية الأممية والأميركية المفرطة في المثالية السياسية.

ويؤكد الباحث السياسي السعودي علي عريشي على وجود ارتباط وثيق الصلة بين التصعيد الميداني الحوثي وبين وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، مشيرا إلى أن إدارة بايدن أظهرت منذ اللحظات الأولى موقفاً مغايراً عن موقف الإدارة السابقة تجاه الميليشيات الحوثية بعد إعلان الإدارة الجديدة عن مراجعة تصنيف الميليشيات الحوثية وإيقاف الدعم العسكري الأميركي للتحالف العربي.

واعتبر عريشي أن التصعيد العسكري الحوثي في هذا التوقيت يتجاوز الموقف الأميركي السلبي تجاه التحالف العربي وعملياته العسكرية لاستعادة الشرعية اليمنية إلى ما هو أبعد، حيث يتزامن مع زيارة المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث إلى طهران وأيضاً مع تصريحات أميركية إيرانية متبادلة تتعلق بالاتفاق النووي، وفي هذا دلالة واضحة على أن التصعيد العسكري الحوثي في اليمن هو تكليف صادر من طهران لأذرعها في اليمن بهدف تحسين الموقف التفاوضي الإيراني في المباحثات الأميركية – الإيرانية.

وتزامن التصعيد الحوثي مع زيارة مزدوجة قام بها المبعوثان، الأممي مارتن غريفيث والأميركي تيموثي ليندركينج إلى العاصمة السعودية الرياض، بهدف إنضاج رؤية المبعوث الأممي إلى اليمن المعروفة بالإعلان المشترك والتي تتضمن خطة دائمة لوقف إطلاق النار وترتيبات الشروع في المرحلة الانتقالية.

وتتمحور المواقف الأميركية تجاه الحرب على اليمن حتى الآن على مسارين مترافقين، الأول وقف فوري للحرب والذهاب في عملية تسوية سياسية شاملة، والآخر التأكيد على التزام واشنطن بحماية أمن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

العرب