في 8 كانون الثاني/يناير، أوضح المرشد الأعلى علي خامنئي أن إيران ليست “في عجلة من أمرها” لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، وأنه إذا لم يتم رفع العقوبات مسبقاً، فإن عودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» “ربما تكون ضارة أيضاً” للجمهورية الإسلامية. ومن خلال التنفيذ الدؤوب لقانون البرلمان المناهض لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» والإدلاء بتصريحات عامة حول “القطط المحاصرة” و “إغلاق النوافذ”، سعت طهران إلى منح واشنطن شعور بالإلحاحية، لكن هذه المقاربة قد تكون سلاحاً ذا حدين.
في 8 كانون الثاني/يناير، أوضح المرشد الأعلى علي خامنئي أن إيران ليست “في عجلة من أمرها” لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، وأنه إذا لم يتم رفع العقوبات مسبقاً، فإن عودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» “ربما تكون ضارة أيضاً” للجمهورية الإسلامية. وقد زاد هذا الموقف تعنتاً في خطاب ألقاه في 7 شباط/فبراير، دحضَ فيه المقترحات الخاصة بأي آلية تسلسلية يقوم فيها كلا البلدين بخطوات تدريجية للعودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة». وبدلاً من ذلك، شدد على أنه بعد موافقة واشنطن على رفع العقوبات، “سوف تتحقق إيران مما إذا كان قد تم رفعها بالفعل”، وعندها فقط تستأنف التزاماتها النووية. وبعد ثلاثة أيام وافق الرئيس حسن روحاني على هذه السردية، معلناً أنه يدعم “المفاوضات مع الأعداء” في إطار المصالح الوطنية للجمهورية الإسلامية، ومشيراً إلى أن طهران ستفي بالتزاماتها حالما تنفّذ الولايات المتحدة والأطراف الأخرى التزاماتها.
وهذه التصريحات هي مجرد جزء من حملة أوسع للنظام لإظهار لواشنطن أن إيران لن تصل إلى طاولة المفاوضات من موقع ضعف، بل بوحدة واضحة للهدف. وبعد أيام من خطابه في 8 كانون الثاني/يناير، نشر مكتب خامنئي سلسلة من المقابلات مع أعضاء “مجلس مراقبة «خطة العمل الشاملة المشتركة»”، وهي هيئة اختار أعضائها للإشراف على الأنشطة الإيرانية المتعلقة بالاتفاق النووي. وأجريت المقابلات مع رئيس “مجلس الشورى” الإسلامي محمد باقر قاليباف، ورئيس “مجلس الشورى” السابق علي لاريجاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، وعلي أكبر صالحي من “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، والسكرتير السابق لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي”، سعيد جليلي، ووزيرا الخارجية السابقان كمال خرازي وعلي أكبر ولايتي. وكان الهدف من نطاق هذه القائمة وأقدمية أعضائها هو إثبات أن النظام متفق تماماً مع أفكار خامنئي.
وكانت الرسائل المحددة الواردة في هذه المقابلات متطابقة تقريباً، وهي: أن الهدف النهائي لإيران ليس التوصل إلى اتفاق مع واشنطن، بل إزالة جميع العقوبات. وبما أن النظام ليس في عجلة من أمره للتوصل إلى اتفاق، فيمكنه الانتظار ليرى كيف تتصرف إدارة بايدن قبل اتخاذ المزيد من القرارات بشأن سياسته النووية. وقدمت تصريحات قاليباف وظريف مقدمة لخطاب المرشد الأعلى في 7 شباط/فبراير من خلال التوضيح بأن عودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» “على الورق” لن تكون كافية – بل سيحتاجون إلى رؤية دليل على أنه بإمكان إيران بيع النفط مجدداً، واستيراد وتصدير البضائع، والوصول إلى أصولها المالية المجمدة في الخارج، واستخدام النظام المصرفي الدولي.
واستمرت هذه السردية بعد أن تولّى الرئيس بايدن منصبه. وعندما أصرت الإدارة الأمريكية الجديدة على عودة إيران إلى التزاماتها النووية قبل رفع العقوبات، ردّ قائد «الحرس الثوري الإسلامي» حسين سلامي في 31 كانون الثاني/يناير بأن إيران “ليست في عجلة من أمرها” للعودة إلى الاتفاق ويمكنها الاستمرار في العيش تحت العقوبات. وعندما ظهرت تقارير في 5 شباط/فبراير تفيد بأن فريق بايدن كان يفكر في تخفيف بعض المشاكل المالية الإيرانية من دون رفع العقوبات، انهال المعلّقون بالانتقادات عبر وسائل الإعلام الإيرانية. وسخرت صحيفة “جافان” المتشددة من الفكرة وشبّهتها بتقديم “الشوكولاتة بدلاً من رفع العقوبات”، بينما خلصت صحيفة “كيهان” – التي تعتبر على نطاق واسع بمثابة الناطقة بلسان خامنئي – إلى أن “بايدن لن يرفع العقوبات”.
وأدلى ظريف بالعديد من التصريحات البارزة بهذا الخصوص أيضاً. فقد ذكّر واشنطن في 6 شباط/فبراير بأن موسم الحملة الانتخابية الرئاسية في إيران هذا العام سيبدأ في غضون أسابيع قليلة، محذّراً من أن “الوقت ينفذ، وكلما ترددوا، ستتكبّد الولايات المتحدة خسارة أكبر”. وفي 10 شباط/فبراير، صرّح قائلاً: “مع وجود إدارة جديدة في الولايات المتحدة، هناك فرصة لتجربة مقاربة جديدة، لكن النافذة الحالية عابرة. وقريباً ستضطر حكومتي إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات العلاجية … ولا يمكن تجنب ذلك إلا إذا قررت الولايات المتحدة أن تتعظ من فشل ترامب الأقصى بدلاً من الاعتماد عليه”.
وقد كررت تحذيرات ظريف بشأن “النافذة” تحذيرات أخرى وجهها مسؤولون آخرون. ففي 25 كانون الثاني/يناير، أكد سفير إيران في الأمم المتحدة ماجد تاخت رافانشي، أنه على واشنطن التحرك بسرعة قبل أن تتخذ طهران خطوة أخرى نحو تقليل التزاماتها المنصوص عليها في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ثم حذر من أن “النافذة تُغلق”. وفي اليوم التالي، صرّح المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيع أن “واشنطن لا تملك متسعاً من الوقت” للتعامل مع إيران، وأن “نافذة الفرصة ضيقة جداً”.
حديثٌ عن المواعيد النهائية وتلويحٌ بتهديدات كبيرة
في الثاني من كانون الأول/ديسمبر، صادق “مجلس صيانة الدستور” على مشروع قانون للمجلس بعنوان “خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية”. وبموجب هذا القانون، يتوجب على حكومة الرئيس روحاني تقليص التزامات إيران بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» إذا لم يتم تلبية مطالبها برفع العقوبات. وتشمل هذه المطالب إزالة جميع العقبات أمام صادرات النفط الإيرانية، وإمكانية الوصول إلى العملات الأجنبية، وتطبيع العلاقات المصرفية.
في بادئ الأمر، حاول فريق روحاني المماطلة في تنفيذ القانون، لكنه رضخ في النهاية بعد تدخل خامنئي وفقاً لبعض التقارير. ثم بدأ بتنفيذ الشرط الأول المنصوص عليه في القانون، وهو استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 في المائة، وهو ما يتجاوز بكثير الحد المسموح به في «خطة العمل الشاملة المشتركة». وعندما زار قاليباف منشأة “فوردو” في 28 كانون الثاني/يناير للإشراف على تنفيذ القانون، صرح بأن إيران راكمت أساساً 17 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة. وخلال الزيارة نفسها، أعلن المتحدث باسم “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” بهروز كمالوندي أن النظام سيقوم بتركيب 1000 جهاز طرد مركزي متقدم في منشأة “نطنز” خلال الأشهر الثلاثة المقبلة وفقاً لأحكام القانون.
وبعد ساعات قليلة على خطاب خامنئي في 7 شباط/فبراير، حذّر ظريف من أنه إذا لم يتم رفع العقوبات بحلول 21 شباط/فبراير، فسوف تتخذ طهران الخطوة التالية المنصوص عليها وتحد من عمليات التفتيش التي تنفذها «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». ووفقاً للقانون الجديد، إذا عجزت الأطراف الأخرى في «خطة العمل الشاملة المشتركة» – أي أوروبا وروسيا والصين – عن “الوفاء بالتزاماتها بالكامل”، يجب على حكومة روحاني “التوقف عن السماح بعمليات التفتيش بما يتعدى إطار اتفاقيات الضمانات [مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»]”. ومن الناحية العملية، قد يعني ذلك وقف تنفيذ البروتوكول الإضافي، وهو إجراء خاص بـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» الذي يوسّع نطاق التزامات الدولة العضو ويزيد من قدرة «الوكالة» على التحقيق في المنشآت والأنشطة النووية غير المعلنة. وبموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وافقت إيران على “التنفيذ الطوعي” لهذه المتطلبات الإضافية.
غير أن لهجة التحذيرات الإيرانية ازدادت حدة في 8 شباط/فبراير، عندما أشار وزير الاستخبارات محمود علوي إلى أن فتوى خامنئي السابقة ضد تطوير الأسلحة النووية قد يتم إبطالها إذا تعرّض النظام لضغوط شديدة. وقال في هذا السياق: “إذا حاصرْتَ قطة، فقد تفعل شيئاً لن تفعله إذا كانت حرة.” وانتقدت وكالة أنباء “تسنيم” المحافظة تصريحات علوي، وزعمت أن أقواله تتعارض مع مصالح إيران القومية وقد يستخدمها الغرب لتبرير فرض المزيد من الضغوط.
التداعيات السياسية
طوال الحملة الإيرانية المتمثلة بـ “لسنا في عجلة من أمرنا”، شددت طهران مراراً وتكراراً على أنها تعلّمت دروسها من “تجربة «خطة العمل الشاملة المشتركة»”. وانطلاقاً من تعليقات خامنئي الأخيرة، يمكن القول إن أحد تلك الدروس هو أن رفع العقوبات ليس على الإطلاق عملية سهلة لها آثار فورية ملحوظة. وبالتالي، من المحتمل أن يكون متشككاً من أي آلية معقدة يقترحها الغرب لتنسيق عملية رفع العقوبات بموازاة عودة إيران إلى الامتثال النووي، معتبراً ذلك فخاً محتملاً آخر.
ومن وجهة نظر خامنئي، قد يكون أفضل بديل في الوقت الحالي هو التصرف بلامبالاة إزاء السياسة الأمريكية ووضع عتبة عالية لمعاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي. وبذلك تصبح الكرة في ملعب واشنطن وتُعفى طهران من خطر الإضرار بموقعها المستقبلي في المفاوضات بشأن رفع العقوبات.
ومن خلال ممارسة هذا النوع من اللعب الخشن، قد يجعل خامنئي الأمر أكثر صعوبة عليه في حفظ ماء الوجه أمام الجماهير المحلية والخارجية إذا اختار لاحقاً القيام بتنازلات – وهذه مخاطرة خاضها في عام 2015 عندما خفّف من خطوطه الحمراء العلنية واتخذ المسار العملي القاضي بالسماح بإبرام الاتفاق النووي ما أن أصبح ذلك من مصلحته. ومع ذلك، يجب التذكر أنه تمسك بموقفه المتشدد ضد أي اتفاق طيلة عقد كامل قبل عام 2015، حتى بعد إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي وفرض العقوبات الأولية. ومن الممكن أن يغيّر خامنئي رأيه مرة أخرى، لكن يبدو أنه لم يصل إلى هذه المرحلة بعد، وأي محاولة لوضع جدول زمني للتغير التالي في موقفه تنطوي على احتمال حدوث خطأ كبير.
ومن الناحية العملية والفورية، إذا أوقفت إيران تنفيذ البروتوكول الإضافي، فقد يعيق ذلك بشكل كبير قدرة «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» على مراقبة البرنامج النووي، والتحقيق في الأنشطة السرية المشتبه بها، ومعالجة المخاوف العديدة التي أثيرت على مر السنين – ومن بينها التقارير الأخيرة التي أفادت عن العثور على مواد مشعة في مواقع مَنَعت فيها طهران عمليات التفتيش في الماضي. وقد تتسبب مثل هذه الخطوة في إلحاق ضرر أكثر مما تشكل قيمة له، حيث أنها قد تستفز الغرب وربما أيضاً تثير عداوة روسيا والصين.
عومير كرمي
معهد واشنطن